إسرائيل تتدخل في الأزمة اللبنانية من قريب ومن بعيد

تابعنا على:   10:46 2021-07-29

جمال زحالقة

أمد/ تصوّر وسائل الإعلام زيارة وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، لفرنسا بأنّها تأتي في أعقاب فضيحة التجسس على الهاتف الشخصي للرئيس عمانوئيل ماكرون عبر تقنية «بيغاسوس» الإسرائيلية، وما من شك بأنّ هذا الموضوع سيكون على الطاولة وسيقدّم غانتس توضيحات وسيعد بمنع مثل هذ التنصّت مستقبلا. إلّا أنه جرى تعيين هذه الزيارة قبل شهر لبحث الأوضاع في لبنان وقضية الاتفاق النووي الإيراني وما بينهما، في إطار المحاولات الإسرائيلية الحثيثة للتدخل المباشر وغير المباشر في الشأن اللبناني لضمان ما تسمّيه «مصالحها وأمنها».

لا تتابع إسرائيل ما يجري في لبنان بقلق وريبة فحسب، بل هي تقوم بتحرّكات سياسية وعسكرية وترسل التهديدات وتسرّب المعلومات لمنع الإخلال بمعادلة الردع القائمة. إسرائيل تتحرّك وحدها في مجالات معيّنة، لكنّها تعمل أيضا في إطار تحالفاتها الإقليمية، التي تشمل دول التطبيع العلني والسرّي وأطراف عالمية في مركزها الولايات المتحدة وفرنسا ودول أوروبية أخرى، وذلك لمحاصرة حزب الله وقطع الطريق على زيادة «النفوذ» الإيراني في لبنان.
لقد توالت في الأسابيع الأخيرة تصريحات لقيادات إسرائيلية تعبّر عن قلق من جهة وترسل التهديدات من جهة أخرى، وصرّح نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن «لبنان على حافة الهاوية، ونحن لن نقبل تسرب ودلف الأوضاع من لبنان إلى إسرائيل»، وتلاه بيني غانتس، وزير الأمن الإسرائيلي: «لن نسمح بتحوّل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعصف بلبنان إلى تهديد لأمن إسرائيل»، داعيا المجتمع الدولي إلى «إعادة الاستقرار إلى لبنان»، وفق المواصفات الإسرائيلية طبعا، فإسرائيل تريد أن يحمي العالم ما تعتبره «مصالحها في لبنان»، وهذا ما يسعى إليه غانتس خلال زيارته لفرنسا وما تطرحه إسرائيل في كل اللقاءات مع الأطراف الدولية في الأشهر الأخيرة.

تبدو إسرائيل قلقة مما يحدث في لبنان وتخشى أن تسير السفن بالحالة اللبنانية إلى حيث لا تشتهي الرياح الإسرائيلية. وهاكم بعض ما يقلق القيادة السياسية والأمنية في إسرائيل:
إسرائيل قلقة من أن يؤدّي انهيار لبنان إلى زيادة نفوذ وهيمنة حزب الله وإلى ارتفاع في منسوب التهديدات العسكرية والأمنية، وحتى إلى اندلاع حرب أو سيطرة حزب الله على لبنان بالكامل.

النفوذ الإيراني

هي قلقة من احتمال زيادة النفوذ الإيراني ومن إمكانية تواجد إيراني فعلي على الأراضي اللبنانية. هي تخشى أن تكون إيران هي من تقوم بإنقاذ الاقتصاد اللبناني وهي من تزوّد لبنان بالنفط. وفي مقال نشره مؤخّرا كتب المعلّق العسكري واسع الاطلاع، رون بن يشاي، أن إسرائيل لن تسمح بخرق العقوبات المفروضة على إيران عبر تهريب النفط إلى لبنان وسوف تعترض السفن التي تنقل هذا النفط، وأضاف متحايلا على الرقابة العسكرية أن إسرائيل «ربّما فعلت ذلك في الماضي»، وطرح التسريب كإمكانية واحتمال هو أسلوب معروف في الصحافة الإسرائيلية. وفي محاولة للتحضير لما قد يأتي، حذّرت مصادر إسرائيلية من أن ناقلات النفط الإيرانية، إذا وصلت الشواطئ اللبنانية فستحمل معها «أسلحة مهرّبة».

لا تتابع إسرائيل ما يجري في لبنان بقلق وريبة فحسب بل تقوم بتحرّكات سياسية وعسكرية وترسل التهديدات لمنع الإخلال بمعادلة الردع القائمة

إسرائيل قلقة أيضا من الحالة الصعبة للجيش اللبناني، فهي لا تريد أن يلجأ هو أيضا إلى دعم من طرف غير غربي، وهي تعتقد أن أي تراجع للجيش اللبناني سيخلق فراغا تملؤه قوى أخرى في مقدمتها حزب الله.

وهناك قلق اقتصادي إسرائيلي على مصير مباحثات ترسيم الحدود الاقتصادية البحرية مع لبنان، فالأزمة قد تجعل لبنان أكثر تشدّدا، وأكثر قدرة على كسب التعاطف الدولي بسبب حالته الاقتصادية الكارثية. ترسيم الحدود في منطقة غنية بالغاز الطبيعي له أبعاد تساوي عشرات المليارات من الدولارات.

وتخشى إسرائيل كذلك أن تستغل منظمات المقاومة الفلسطينية الأوضاع اللبنانية للقيام بقصف مواقع إسرائيلية وفتح جبهة ثانية مع إسرائيل، في إطار مساعي حماس لتوسيع رقعة المواجهة إلى ما هو أوسع من الصدام المحلي. ويعود هذا القلق إلى تقدير بأن القصف من لبنان، يسمح لحماس المحافظة على بناء التوازن بين متطلبات إعادة إعمار وتطوير غزّة من جهة ومواصلة المقاومة والضغط على إسرائيل من جهة أخرى. كما تخشى إسرائيل أن يغضّ حزب الله الطرف ولا يبذل جهدا لمنع مثل هذا القصف.

أبعد من لبنان، تخشى إسرائيل من خسارة في المعركة الدائرة بين إيران وبين التحالف الإسرائيلي مع ما يسمّى «الدول السنّية المحافظة»، وهي تعمل على منع ذلك عبر جر دول عربية للتدخل لمحاصرة حزب الله في لبنان وقطع الطريق على احتمال زيادة نفوذ إيران.
إسرائيل ليست قلقة بالمرّة على مصير لبنان واللبنانيين، سوى ما قد يهدد أمنها ومصالحها. وقد هدّدت قيادات إسرائيلية في الماضي بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، ومن هذه القيادات بيني غانتس، قائد الأركان السابق ووزير الأمن الحالي، وعمير بيرتس، وزير الأمن السابق، ودان حلوتص، قائد الأركان السابق، ويوآف جالانت، الجنرال احتياط ووزير التربية والتعليم السابق، ويسرائيل كاتص، وزير المالية السابق. وقد توجّه غانتس مؤخّرا بوقاحة وصلف إلى حزب الله: «ارحم لبنان ولا تضطر الجيش الإسرائيلي إلى إعادة لبنان للعصر الحجري». لكن هذه القيادات الإسرائيلية لم تتخيّل يوما أن لبنانيين أقحاحا ينفذون هذه المهمّة!

لقد ارتفع في الآونة الأخيرة منسوب التهديدات الإسرائيلية للبنان وحزب الله، ومنها تهديدات صريحة ومباشرة وأخرى عبر تسريبات مقصودة.

من التهديدات المباشرة تصريحات متتالية (بعضها بالعربية) للجنرال أمير برعام، قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، كان آخرها: «في الحرب المقبلة ستجدون أمامكم جيشا مدربا وفتّاكا وعنيدا أكثر من أي وقت مضى. نحن نجهّز مفاجآت لمفاجآت حزب الله.» وقال ضابط آخر: «ضربة النار الأولى ستكون شديدة القوّة ومهلكة، لكن لن يكون بد من عملية برية».

بموازاة التهديدات، ازدادت بشكل ملحوظ التقارير والأخبار عن الاستعدادات الإسرائيلية للحرب مع حزب الله. حيث جرى الكشف عن أن الجيش الإسرائيلي أكمل الاستعدادات في إطار العملية الاستراتيجية المسمّاة «فسيفساء الشمال»، التي تشمل عددا من الخطط الاستراتيجية، التي جرى التحضير لها في السنوات الثلاث الماضية، وتم طرحها وشرحها والتدريب عليها على جميع المستويات العسكرية القيادية والقاعدية.

ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية أخبارا متواترة عمّا يسمّى «بنك الأهداف»، وعن العمل الجدّي الذي تقوم به وحدة خاصة بهذا البنك في شعبة المخابرات العسكرية، وشمل هذا النشر ادعاء بأنّ عدد الأهداف وصل 20 ضعفا لما كان عليه في الحرب الثانية على لبنان عام 2006. وتحضيرا لتبرير ارتكاب جرائم حرب جديدة، صرّح مسؤولون إسرائيليون أن قسما من هذه الأهداف يتواجد في مناطق مأهولة بالسكّان وأن إسرائيل لن تتورّع عن قصفها إذا اقتضت الضرورة، وأن «المسؤولية تقع على عاتق حزب الله»، على حد التعبير الإسرائيلي.
وإمعانا في التهديد، جرى الكشف عن إقامة «وحدة الأشباح 888» التي مهمتها المركزية اغتيال قيادات ونخبة محاربي حزب الله خلال القتال أثناء اجتاح برّي، وذلك عبر دمج القدرات القتالية والمخابراتية. وتشمل الوحدة الجديدة ضبّاطا وجنودا على أعلى مستوى وتستعمل أسلحة ومعدات متطوّرة بينها طائرات مسيّرة صغيرة.

خطر داهم

كما جرى تناقل الأخبار عن موقع التدريب العسكري «غابات الجليل»، الذي أعدّ لمحاكاة التضاريس والبلدات اللبنانية، وتم بناؤه وتجهيزه على أعلى مستوى وتقوم الوحدات العسكرية القتالية بإجراء تدريبات مكثّفة فيه. كذلك جرت إقامة «طاقم لبنان»، الذي يضم قيادات عسكرية متنوّعة وهدفه البحث عن سبل لزيادة القدرات القتالية للجيش الإسرائيلي في السياق اللبناني. وإضافة إلى كل هذا أقيمت طواقم خاصة لاستخلاص العبر من عدوان «حارس الأسوار» على غزّة لملاءمتها والاستفادة منها في الجبهة اللبنانية. أمّا من الناحية الدفاعية، فقد رصدت مبالغ طائلة لمشروع «درع الشمال» لتحصين الشريط الحدودي وبناء الملاجئ وتطوير الدفاع المدني.

تأتي كل هذه التهديدات العسكرية، رغم أن الرأي المهيمن في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية هو أن الأزمة اللبنانية لم تزد مخاطر الحرب، لكن هناك حضورا قويا في الوعي العسكري الإسرائيلي لتجربة غزّة ولفكرة أن الأزمة الاقتصادية تقلل خطر المواجهة العسكرية لمرحلة ما لكنّها قد تنقلب بسرعة لتصبح خطرا داهما.

وبعد أن هوّلت الأجهزة الأمنية من مخاطر المواجهة العسكرية، جرى إقرار ميزانية عسكرية ضخمة تصل إلى 18 مليار دولار وقد تزيد. ومن المثير للانتباه أن افيغدور ليبرمان، وزير المالية الحالي ووزير الأمن السابق، اشترط زيادة الاستثمار في القوّات البرية وفي تطوير صواريخ دقيقة على حساب الاستثمار في سلاح الجو. ويوافق بيني غانتس، وزير الأمن الإسرائيلي على هذا التوجّه ما يشير إلى أن مركز الثقل بشأن الحرب المقبلة، قد انتقل من إيران إلى غزّة ولبنان، ربما تبعا لتوقعات بشأن العودة إلى الاتفاق النووي.

اخر الأخبار