"إسرائيل: دولة بلا هوية"

تابعنا على:   17:13 2021-07-24

د. عقل صلاح

أمد/ لقد بينت أطروحة "إسرائيل: كدولة بلا هوية" التي صدرت حديثًا عن مركز دراسات الوحدة العربية، للدكتور عقل صلاح والأسير الروائي كميل أبو حنيش، وهي من تقديم الأسير القائد أحمد سعدات، يصف سعدات هذا الكتاب بأنه محاولة جادة لسبر غور المجتمع الصهيوني الذي أقيم على أنقاض الشعب الفلسطيني، وقراءة تناقضاته الملموسة، دون الاكتفاء بإسقاط الخصائص المشتركة للتجمعات اليهودية، ومعاينة الفرضيات التي طرحتها الحركة الصهيونية بدءًا في اعتبار اليهود شعبًا وأمة بالمعنى السياسي تراودهم الأمل والحلم بالعودة إلى أرض الميعاد وإحياء تراثها القومي، مرورًا بأن هذه الدولة ستُشكّل مصدر إلهام للعودة للحضارة الأوروبية التي انطلقت من رحم اليهودية في مواجهة حضارة الشرق البربرية، وصولًا إلى توقعات هرتزل القائد المؤسس للحركة الصهيونية "بأن الدولة ستُشكّل آلة جبارة لعهد اليهود لصهر يهود الشتات في أمة عصرية تحيي تراثها القديم وتغنيه في دولة ديمقراطية وعلمانية بامتياز لها هوية".

وبالاطلاع على محاور الكتاب ومحاكته للمجتمع الكولنيالي الصهيوني الناشئ بعد أكثر من سبعة عقود يرى سعدات أن الكتاب وضع علامة استفهام على هوية الدولة وكل الفرضيات التي تحدث عنها هرتزل إلا فرضية واحدة وهي الدور الوظيفي الإمبريالي الذي لعبته على مدار وجودها ولا زالت تؤديه بامتياز، والذي يُشكّل المصدر الوحيد لقوتها واستمرارها.

وعلى المستوى الداخلي تتسع تناقضات الهويات والصراعات الإثنية بين المجموعات السكانية التي تم تجميعها في فلسطين سواء تلك التي دفعها الحماس وهربت من المجازر التي مورست بحقها في دول أوروبا الشرقية في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، أو الجرائم التي مارستها ألمانيا النازية بحق اليهود في الحرب العالمية الثانية، أما علمانيتها التي جاءت متناقضة بسبب المرتكز الديني الذي أسست عليه الحركة الصهيونية الأم مؤسسة الدولة فهي تعيش اليوم في حالة حصار بفعل التناقض الذي يتسع بين التيار الديني والعلماني، وبطبيعة الحال فإن ديمقراطيتها فرضية غير منطقية لا يبررها الأساس الديني للحركة الصهيونية أو الاستعمار الاستيطاني وكذلك دورها الحضاري الاستعماري بامتياز والمجسد في الحروب البربرية التي شنتها على الشعب الفلسطيني والأمة العربية، والدور التخريبي الذي تلعبه في العديد من البلدان الذي يشكل مصدر قلق ليس فقط لشعوب الشرق بل وأيضاً للعالم أجمع.

ولعل أبرز الاستخلاصات التي وصل إليها هذا الكتاب هو أن العامل الموحد للمجتمع الصهيوني بات الإحساس المشترك بالخطر الذي يجري تضخيمه من خلال مؤسسات الدولة هذا العامل الذي جعل مؤسسة الجيش والأمن بشكل عام مصدر إجماع من كل السكان المستوطنين اليهود.

ويبين سعدات أن الكتاب يستند إلى معلومات ومصادر في أغلبها قدمها باحثون ومؤرخون من أهل البيت واتسمت بالنزاهة والاستناد إلى منهج علمي رصين بعضهم مناهضون للصهيونية وآخرون من اعتبروا بأن الصهيونية استنفذت أغراضها بإقامة الدولة والذين يصنفوا بأكاديمي مرحلة ما بعد الصهيونية، فضلاً عن النقاشات الدائرة داخل الدولة ومؤسساتها، وبين الأقطاب المتناقضة في محاور التناقضات التي يختزنها المجتمع الصهيوني القائم، الأمر الذي يكسب الكتاب طابعه الموضوعي ومنهجه العلمي الرصين، بعيدًا عن تذويب الحقائق ويجعل استخلاصاتها ملامسة أو أقرب إلى الصواب.

ويختم سعدات بالقول أن شعبنا هو أحوج ما يكون إلى التوسع في هذا النوع من الإنتاج الفكري المواكب للتغيرات التي تحدث في الجهة الأخرى من جبهة الصراع الذي يخوضه شعبنا من أجل الحرية والانعتاق والعيش بكرامة أسوة بالشعوب والأمم.

يأتي الكتاب في خمسة فصول وملخص للكتاب ومقدمة وتقديم وخاتمة، ويتناول هذا الكتاب موضوعًا شائكًا، وهو هوية دولة إسرائيل، فهوية الدولة تعتبر الدعامة الأساسية الأولى لشرعيتها، وإسرائيل لا تملك هوية واضحة ومحددة فهل هويتها يهودية أم ديمقراطية أم قومية أم غير ذلك، فالاشكالية الرئيسة للكتاب تتمحور حول محاولة إسرائيل سن القوانين التي تهدف لتحديد الهوية الإسرائيلية بالهوية اليهودية أي يهودية الدولة، ومطالبة الفلسطينيين والعالم الاعتراف بيهوديتها، وقد تجلى ذلك في سن قانون القومية من قبل الكنيست الإسرائيلي، وهنا يبرز السؤال الجوهري هل صبغ الدولة بالهوية اليهودية يحسم ويحل أزمة هوية الدولة الإسرائيلية؟

فالكتاب يهدف بصورة رئيسية إلى تقديم رؤية موضوعية حول حقيقة هوية الدولة الإسرائيلية، وهل تمتلك الدولة هوية بالمعنى والمفهوم السياسي للدولة، فقد انطلق الباحثان من افتراض أن إسرائيل دولة بلا هوية، وهذا مايسعى الكتاب للإجابة عليه وإثباته من خلال الاعتماد على التاريخ الفلسطيني بشكل عام والتاريخ الحديث لنشأة الحركة الصهيونية ومن بعدها دولة إسرائيل بشكل خاص. ومن أبرز القضايا التي تناولها الكتاب ما يلي:

أولًا: الهوية والدولة: فالهوية مصطلح يدل على الخصائص الذاتية التي تميز شخصًا أو مجموعة من الأشخاص من غيرهم، وتدل الخصائص الثقافية المشتركة بين أفراد مجموعة معينة على هويتها التي تعرف بها والتي تظهر من خلال تفاعلات الحياة اليومية بين هؤلاء الأفراد.

ثانيًا: التناقض في مركبات الهوية الإسرائيلية: ينبع التناقض في مركبات الهوية الإسرائيلية اليهودية – الصهيونية – القومية – الديمقراطية- من المكونات والمنطلقات والخلفيات التي ينطلق منها كل مركب، الأمر الذي يعني أن المزاوجة بين كل مفهومين أو الجمع بينهم جميعًا ينطوي على خلل بنيوي وأزمات كامنة وأخرى ظاهرة على صعيد الفكر والممارسة، والإشكالية الأساس من بين هذه المركبات تتلخص في العلاقة بين اليهودية والصهيونية.

ثالثًا: النزاعات والتصدعات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي: يكشف تاريخ الدولة العبرية وحاضرها عن تصدعات وانقسامات حادة وعميقة، الأمر الذي يجعل من فكرة الهوية المتجانسة مسألة تحتاج إلى بحث معمق، وتضع علامة استفهام كبيرة حول المزاعم الصهيونية في نجاحها في خلق القومية اليهودية الديمقراطية.

رابعًا: الهدف من يهودية الدولة الإسرائيلية: لقد مرت اليهودية بثلاث مراحل، الأولى المرحلة التوراتية، التي تعج بالتناقضات والخرافات التعددية مع المعتقدات التي استمر كتابتها قرابة ألفي عام إلى أن وصلت إلى قمة تعفنها وانحطاطها، وبدلاً من تطويعها لاستيعاب تغيرات العصور، ذهبت إلى جهة اليمين وتقوقعت ودخلت المرحلة الثانية الكمونية - بما تنطوي عليه من تطرف وعنصرية وشوفونية وعداء لكل الشعوب، ونزاعات أكثر خرافية حتى بات التلمود هو أهم من التوراة رغم أنه شارح لها، ومع توالي القرون والأحداث اتجهت اليهودية التلموذية نحو اليمين مرة أخرى، وبدأت بظهور المرحلة القبالية وهي المرحلة التي تعيشها اليوم، حيث لم يعد الحديث عن شعب إسرائيل بأنه شعب الله المختار، وإنما هو ذاته الشعب الذي يسكن فيه الإله، وهي مرحلة الحلولية بحيث تعززت هذه الحالة بعد الهولوكوست حيث ساد اعتقاد له ما يبرره في أوساط اليهود بأن الله تخلى عن شعب إسرائيل بهذا وأن الإله قد مات وبات الشعب هو الإله.

خامسًا: إسرائيل إلى أين؟: تشكل ثنائية الحرب والسلام السؤال الأبرز حول مستقبل الدولة الصهيونية، وطوال أكثر من سبعة عقود خاضت إسرائيل عشرات الحروب والعمليات العدوانية على الفلسطينيين والدول العربية المجاورة، وفي ذات الوقت قدمت رؤيتها للسلام مع العرب من منطلق الإخضاع والهيمنة القائمة على أساس الردع والقوة العسكرية. فإسرائيل بوصفها دولة استيطانية توسعية تنتمي لنمط الدول الاستعمارية العدوانية محكومة لطبيعتها العدوانية العنصرية، تبقى فكرة الحرب تشغل حيزًا مهمًا في تفكيرها السياسي والاستراتيجي.

واعتمد الباحثان على عدد من الركائز الأساسية التي انطلقت منها إسرائيل لتثبيت إدعائها بحقها التاريخي في فلسطين، وتتمثل في التالي:

الركيزة الأولى: تتمحور حول استخدام إسرائيل المرجعية والرموز الدينية في التصور اللاهواتي اليهودي من أجل إضفاء الشرعية على الاستيطان والتي تتلخص بمقولة أرض إسرائيل.
الركيزة الثانية: محاولة خلق هوية جامعة للقوميات المختلفة التي هاجرت إلى إسرائيل من خلال استراتيجية بوتقة الصهر.

والركيزة الثالثة: قائمة على الدعم الدولي لها إبتداء من وعد بلفور وانتهاء بوعد ترامب، من أجل تثبيت أركان دولتها في فلسطين، وتقوم هذه الركيزة على مبدأ الانحياز والتبني الدولي من قبل بريطانيا قديمًا والولايات المتحدة حديثًا من خلال تبني إسرائيل من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة وتحديدًا إدارة ترامب.

والركيزة الرابعة: استحضار الخطر والتهديد الخارجي المتمثل في المقاومة الفلسطينية واللبنانية وحليف المقاومة الاستراتيجي إيران.

يلغي الكتاب ادعاء إسرائيل أنها دولة بهوية وطنية من خلال تحطيم أسـطورة أن فلسطين هي أرض إسـرائيل والوطـن التاريخـي للشـعب اليهودي، مؤكدًا في طياته على أن الحركة الصهيونية قد استخدمت مصطلح أرض إســرائيل وهــو مصطلح ديني في جوهره كوسيلة لتحقيق أهدافها الاستعمارية، وحولته إلى مصطلح جيو- سياسي، وبموجبه جعلت فلسطين وطنًا لليهود.

وتسعى إسرائيل اليوم بعد سبعة عقود من تأسيسها لنزع اعتراف دولي وإقليمي بيهوديتها، على الرغم من أنها فشلت على المستوى الداخلي في تعريف من هو اليهودي، وربما يعود ذلك إلى عدد من العوامل أبرزها الصراع القائم بين التيار العلماني المتمثل بالدولة والتيار الديني، بالإضافة إلى أنها عبارة عن دولة من المهاجرين فهي قد احتلت أرضًا وجمعت مهاجرين من مختلف أنحاء العالم من أجناس وأعراق وهويات مختلفة من أجل رفدها بالمادة البشرية، مما خلق صعوبة بتحقيق تجانس بين فسيفساء مجتمع هذه الدولة، وهي أحد أهم الصعوبات التي واجهتها في أثناء محاولتها خلق هوية وطنية باستخدام سياسة بوتقة الصهر في ظل هذه الانتماءات المختلفة.

فالتصدعات داخل المجتمع الإسرائيلي مازالت قائمة وهي تؤثر بقوة على مكونات الهوية، فلم ولن يكون هناك هوية جامعة لجميع اليهود، فالصراع الديني العلماني يفرض نفسه على المجتمع الإسرائيلي، بالاضافة للصراع العربي الإسرائيلي الذي لم يحسم، فلم يتم تقبل إسرائيل كدولة في الوطن العربي بالأخص على المستوى الشعبي على الرغم من توقيع العديد من الدول العربية والخليجية معاهدات السلام معها، إلا أنها مازالت جسمًا غريبًا غير مرغوب به بكونها تغتصب حقوق وأرض الشعب الفلسطيني وجزءًا من أراضي الشعوب العربية.
لقد حاول الباحثان في هذا الكتاب إثبات أن إسرائيل التي تأسست قبل أكثر من سبعة عقود هي دولة بلا هوية، وتم دعم هذا الافتراض بمجموعة من الحجج التاريخية والحقائق والوقائع التي تتمثل في الصراعات على المستوى الداخلي والخارجي. ومن أجل إثبات هذا الافتراض تم التطرق بداية إلى تعريف عدد من المفاهيم مثل مفهوم الهوية وهوية الدولة والمواطنة وغيرها من المفاهيم. ومن ثم انتقل الباحاثان لمعالجة التناقض بين مركبات الهوية وفي حالة دولة إسرائيل تشمل هذه المركبات الصهيونية واليهودية والقومية والديمقراطية، منذ بداية ظهور الأزمة اليهودية وانبثاق الحركة الصهيونية وصولًا لقيام دولة إسرائيل، كما سيتم مناقشة نظرة اليهود لأنفسهم وللآخر.

وقد سعى الباحثان إلى دراسة النزاع بين التيارين الديني والعلماني في إسرائيل، وذلك من خلال التطرق بداية لأبرز الأحزاب والتيارات اليهودية التي كانت سائدة قبل ظهور الحركة الصهيونية ولغاية اليوم وظروف نشأتها. وتناول الكتاب أيضًا القوميات المختلفة التي تتكون منها دولة إسرائيل وظروف كل منها والانقسامات الحادثة بينها.

ومن ثم عالج الباحثان موضوع يهودية الدولة، من خلال التطرق لبدايات ظهور المصطلح لأول مرة، وصولًا للهدف الذي تسعى إليه إسرائيل من وصف دولتها باليهودية ومطالبة العالم الاعتراف بيهودية دولتها، وماهي الآثار التي ستترتب على هذا الاعتراف وتحديدًا على الفلسطينيين سواء داخل مناطق الخط الأخضر أو مناطق الـ67 المحتلة. إلى جانب ذلك يحلل الباحثان في نهاية الكتاب مستقبل دولة إسرائيل من خلال تناول أبرز التحديات التي تواجه إسرائيل على المستوى الداخلي والخارجي.

كلمات دلالية

اخر الأخبار