التّعليم في جمهوريّة الصّومال الفيدراليّة ..

تابعنا على:   18:14 2021-07-06

نبيل أحمد صافية

أمد/ ممّا لا شك فيه أنّ حضارة الأمم تُقاسُ بما تمتلكه من معارفَ وعلوم ٍ، والحضارة لا تُبنَى دون الاهتمام بالعلم ، وتعدّ وزارة التّربية والتّعليم عموماً من الوزارات المهمّة في أيّة دولة كونها تمثّل فلسفة الدّولة ورؤاها وتطلّعاتها ، وتعمل من أجل نشر تلك الفلسفة في مناهجها وتعليمها ، وإنّ الاهتمام بالمناهج أو التّعليم عموماً يؤدّي لمخرجات تعليميّة تعلّميّة متعدّدة ، ولعلّ التّعليم يعدّ أحد أهمّ مرتكزات النّهوض بأيّة دولة في العالم ، كما يعدّ أحد عوامل التّطوّر والازدهار في دول العالم ، وكلّما تحسّن الأداء التّعليميّ ونوعيّته فإنّما يترك آثاره في حضارة الدّول .

وانطلاقاً من ذلك بدأت جمهوريّة الصّومال الفيدراليّة الاهتمام بالعلوم والتّعليم على حدٍّ سواء ، ويُقسَّم التّعليم فيها وفق أربعِ مراحلَ أو مستوياتٍ ، منها : التّعليم ما قبل الابتدائيّ ( مراكز تنمية الطّفولة المبكّرة ) ، والتّعليم الابتدائيّ في مرحلتين الدّنيا والعليا ، وتقَدّم فيه مواد علميّة ونظريّة اجتماعيّة ودراسات إسلاميّة وحرفيّة ، والتّعليم الثّانويّ بقسميه العام والمِهْنيّ ويتم التّدريس فيه باللغة الإنكليزيّة باستثناء الدّورات الصّوماليّة والعربيّة والإسلاميّة ، وهنا لا بدّ من تعميق الاهتمام باللغة العربيّة لخصوصيّتها وأهمّيّتها ، ومن ذلك أيضاً التّعليم العالي ، وتوجد في الصّومال العديد من الجامعات التي عُدَّ بعضها ضمن أفضل مئة جامعة على مستوى القارة الإفريقيّة ، ومنها : جامعة مقديشو وجامعة بنادر وجامعة الصّومال الوطنيّة وجامعة جدو ، وهناك جامعات أخرى غيرها ، وتعدّ وزارة التّربية والتّعليم المسؤولة رسميّاً عنه ،

وتمّ تخصيص ما يعادل خمسة عشر في المئة من ميزانية الدّولة للتّعليم المدرسيّ ، وهناك تعليم غير رسميّ يُقَدَّم للأطفال والشّباب والبالغين خارج المدرسة ، وهي تشمل التّدريب على المهارات المِهْنيّة ، ومحو أمّية للكبار والتّثقيف الصّحّيّ المجتمعيّ وأنشطة الإرشاد الزّراعيّ ، وهناك التّعليم الدّينيّ ويُعرَف بنظام التّعليم المحلّي غير الرّسميّ ويوفّر تعليماً دينيّاً وأخلاقيّاً أساسيّاً ، وتسعى جمهوريّة الصّومال الفيدراليّة لتحقيق أهداف عديدة في التّعليم ،

ولعلّ من أهمّها : نموّ الوعي المدنيّ في مواطنة واعية واجتماعيّة ملتزمة بالتّفاهم المتبادَل وثقافة السّلام والتّعاون وقبول التّنوّع وحلّ الخلافات دون عنف ، والاهتمام بالإدارة السّليمة والاستفادة من البيئة المادية ، والشّعور بالمسؤوليّة عن السّلام وتحسين العلاقات على المستوى الفرديّ والأسريّ والمجتمع المحلّيّ والوطنيّ والدّوليّ ، وتنمية قيم الولاء والاعتماد على الذّات والتّسامح والتّعاون والاجتهاد والانفتاح والتّحقيق والفكر النّقديّ والصّدق والعدالة والإنصاف والسّلام ، والوعي بضرورة تعزيز العدالة الاجتماعيّة في سياق الإسلام ، وحدّدَتْ أهدافاً وطنيّة لقطاع التّعليم ، كان منها : بناء الأساس الذي يلتزم المتعلّمون فيه الحفاظ على ثقافتهم والقيم الإسلاميّة وإثرائها ، وتزويد المتعلّمين بالمعرفة والرّؤى والمهارات والقيم المناسبة بالإضافة إلى تمكينهم من تحقيق إمكاناتهم التي ستمكّنهم من تقديم مساهمات جديرة بالاهتمام للمجتمع ،

وتزويد الأطفال بمهارات الاستماع والتّحدّث والقراءة والكتابة باللغات الصّوماليّة والعربيّة والإنكليزية ، وتوفير أساس سليم للحساب وتطبيق الرّياضيّات على المشاكل العمليّة ، وبناء الأساس للمتعلّمين في مجالات العلوم الثّلاثة مع تطوير مهارات التّطبيق العمليّ لهم ، وإرساء أسس تِقنية المعلومات الأساسيّة والتّوعية بدور التّكنولوجية في التّنمية الوطنيّة ، ودعم المتعلّمين في اكتساب المهارات العمليّة والبراعة اليدويّة من خلال الأنشطة الإنتاجيّة المدمجة في المنهج الدّراسيّ الفعليّ ، وتزويد الطّلّاب بفرص تقدير التّعلّم وتنمية الرّغبة في مواصلة التّعلّم ، وإعداد الطّلّاب للتّعليم العالي والتّدريب التِّقْنيّ والمِهْنيّ ،

وتزويد الشّباب بالمهارات الأساسيّة التي تساعدهم في الإسهام في تربية الحيوانات وصيد الأسماك والزّراعة والميزانيّة ورعاية الأسرة وتنمية المجتمع ورعاية البيئة وصحّة المجتمع واللياقة البدنيّة في مختلف أراضي الصّومال ، ورفع مستوى الوعي بين الطّلّاب حول قضايا صحّيّة مختلفة مثل : الصّحّة الإنجابيّة وفيروس نقص المناعة البشريّة ( الإيدز ) والأمراض المنقولة جنسيّاً ، وهناك أهداف خاصة بالتّعليم والتّدريب التِّقْنيّ والمِهْنيّ ، منها توفير فرص التّدريب للمتسّربين من المدارس لتمكينهم أن يكونوا مواطنين منتجين ومعتمدين ذاتيّاً ، وتوفير التّعليم التِّقْنيّ والفنّيّ والمِهْنيّ والتّدريب الذي له صلة بالاحتياجات الصّناعيّة والتّجاريّة والاقتصاديّة ، وتقليل التّفاوت من خلال زيادة فرص التّدريب للمعوقين والمتعلّمين من المجتمعات المحرومة .

وعُقِد في العاصمة مقديشو في الشّهر السّادس من عام 2013م مؤتمر وطنيّ لمدّة ثلاثة أيام بهدف إعادة هيكلة التّعليم في الصّومال تحت رعاية منظّمة الأمم المتّحدة للتّربية والعلوم والثّقافة ( يونيسكو ) وصندوق الأمم المتّحدة للطّفولة ، وتركّزت المناقشات على بحث الإطار الشّرعيّ لنظام التّعليم وفرص الحصول على التّعليم والجودة والتّعليم العالي وتعليم الشّباب والحلول الممكنة من أجل إزالة العوائق في طريق تطوير نظام التّعليم ،

ونتج عن المؤتمر توصيات عديدة منها : تبنّي مشاريع فعّالة وإطار شرعيّ مرن لنظام التّعليم وتقوية المؤسّسات التّعليميّة الحاليّة ، ووضع أساس إداريّ متين للمؤسّسات التّعليميّة التي سيتمّ تأسيسها لاحقاً وتوحيد سياسة التّعليم ، والاستفادة من تجارب الحكومات الإقليميّة ورفع مستوى توعية المجتمع الصّوماليّ بمكانة التّعليم ، وتمّ تركيز الاهتمام على سكّان البدوّ وإنشاء مدارس بالمناطق الرّيفيّة ، وتتبنّي حملة وطنيّة لمحو الأمّيّة ودمج المدارس القرآنيّة بالمرحلة التّعليميّة الأساسيّة وإعادة تأهيل المدارس الحاليّة وتوسيعها ،

وتوفير التّعليم المجانيّ ، ومراجعة المناهج التّعليميّة في كلّ المستويات ليتجاوب مع متطلّبات المجتمع والسّياسة الوطنيّة للتّعليم ، والقيام بتدريب مناسب للمدرّسين الحاليين والجدد ورفع طاقاتهم ، ووضع معايير صحيحة لاختيار المدرّسين ، وتُقدِّر إحصائيّةٌ نسبةَ الأمّيّة في الصّومال بستّين في المئة .

وعُقِد في الخامس من الشّهر العاشر ( أكتوبر ) من عام ألفين وعشرين مؤتمر تشاوريّ لإعادة تشكيل اللجنة الرّابعة لتطوير اللغة الصّوماليّة والعمل على سبل تطوير تعليم اللغة الصّوماليّة والعقبات التي تواجهها وكيفيّة التّغلّب عليها .

وبصورة عامة للتّربية والتّعليم في مختلف الدّول فإنّ العمل التّربويّ والتّعليميّ لا يحتاج مكاتب يجلس خلفها إنسان كي يسعى للتّميّز ، لأنّ الميدان هو أساس العمل التّربوي لتطويره بما يخدم المصلحة العامة والبيئة التّعليميّة لتطوير العملية التّربوية وإحداث نهضة تعليميّة حقيقيّة تعكس تطلّعات المجتمع وتحقّق الأهداف العامة التّربوية للدّولة وتوفّر الاحتياجات الأساسيّة وتحسّن القدرات التّعليميّة للمتعلّمين عموماً ، ويحتاج التّعليم في جمهوريّة الصّومال الفيدراليّة للمزيد من التّطوير لتحقيق الجودة المطلوبة ، ويمكن اعتماد مبدأ التّربية الشّموليّة التي تمثّل رؤية تربويَّة وعلميّة وتنمويّة وحضاريّة ثقافيّة لإعداد الإنسان في مواجهة التّحدّيات في القرن الحادي والعشرين ، وهي فلسفة أكثر منها نظام تِقْنيّ ، وتعمل على توسيع آفاق الطّالب وتجعله مدرِكاً انتماءاته المتعدّدة وعلاقته بالمجتمع ، كما تعطي الفرد القدرة على ممارسة حياته وإثبات ذاته .

 وكي تستطيع التّربية _ من منطلق شموليّ _ أن تحقِّق أهدافها المنشودة لابدّ من مراعاة الآتي :

 تنمية روح المسؤوليّة الجماعيّة والمبادرة الفرديةَّ والتَّمسّك بقواعد السّلوك الاجتماعيّ المتحضّر واحترام النّظام الاجتماعيّ العام والالتزام الطّوعيّ به وتعزيز السّلوك الأخلاقيّ والعمل على وضع مفرداته في مناهج التَّعليم العامّ والجامعيّ وتأكيد دور الأسرة في تربية الأجيال النّاشئة تربية حسنة صالحة بعيداً عن الظواهر السّلوكيّة المنحرفة في المجتمع وإبراز وسائل الضّبط الاجتماعيّ الأخرى التي لها دور في مكافحة الفساد كعلم الاجتماع أو وسائل الإعلام والثّقافة وإبراز بعض الفقرات التي تضمَّنتها اتفاقية مكافحة الفساد التي وضعتها الأمم المتحدة وتعزيز مفهوم الشّفافيّة في خلق ثقافة محاربة الفساد عن طريق التّعليم ، لأنَّ فساد الثَّقافة جاء من ثقافة الفساد ، وبالتَّالي لابدّ من تربية جيل جديد يُربَّى على أساس غير فاسد ،

كما لابدّ من نشر الوعي لبناء الإنسان المدرك لممارسة دوره في الحدّ من انتشار ظاهرة الفساد والعمل على إبراز المفاهيم الخاصّة بالنّزاهة والإخلاص أو التَّفاني في العمل والحرص على المصلحة العامّة لا الخاصّة وتعزيز مفهوم العمل الجماعيّ بديلاً عن المفهوم الفرديّ ، وتنويع أساليب التّعليم كالتّعليم الفرديّ والتّعلّم الذّاتيّ والتّعلّم الجماعيّ وأسلوب الانتقال من الفرد إلى الجماعة أو العكس أي من الجماعة إلى الفرد وصولاً لحالة التّنافس الجماعيّ ، وتفعيل دور المكتبة المدرسيّة ، وتفعيل دور المخابر التّعليميّة في المدارس لتطبيق الأنشطة اللّاصفّيّة في المواد المختلفة ، وتطوير نظام الامتحانات وتوفير الدّوافع والمحفّزات اللاّزمة التي تؤدّي إلى التّفكير المبدع للطّلاّب بما يحقّقه من مخرجات التّعلّم المنشودة لجودة التّعليم .

كلمات دلالية

اخر الأخبار