كيري.. بابا نويل 2013

تابعنا على:   10:15 2013-11-08

نبيل عمرو

كان إنجاز السيد جون كيري، بإعادة المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، يستحق الاحتفاء، كونه الإنجاز الوحيد للدبلوماسية الأميركية المتعثرة في الشرق الأوسط.

إلا أن هذا الإنجاز ومنذ أيامه الأولى، وهو يترنح تحت وطأة التحديات المتنامية التي تحيط به، فضلا عن الخلل الجوهري الذي يجسده وجود حكومة استيطانية في إسرائيل، ومطلوب منها تجميد الاستيطان أو أن تخفف من وتيرته، وهذا بمثابة دعوة لحكومة كهذه إلى الانتحار الطوعي.

السيد كيري، يدرك أكثر من غيره أنه إذا كانت إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات من الأمور الصعبة التي أنجزت، فإنه صار يدرك بفعل الصعوبات التي نشأت خلال الأشهر الثلاثة التي انقضت أنه يتحرك ضمن هامش ضيق يكاد لا يرى، وصفه في زيارته الأخيرة.. بأن السلام ليس مستحيلا، ومن بين السطور فهم أنه ليس ممكنا كذلك.

ومع تسارع تسرب الرمل في الساعة الزجاجية بحيث لم يتبق سوى ستة أشهر على الأكثر، كي تنتهي المهلة المحددة لإنجاز الاتفاق النهائي، فإن السيد كيري أشهر تواضع تطلعاته، مكتفيا بمجرد المحافظة على مقاعد الطاولة حتى لو كان الجالسون عليها يمضون كل وقتهم في الشجار وتبادل الاتهامات، ولكي تظل الطاولة زاخرة بالجالسين فلكل طرف هدية، وقيمة الهدية التي يقدمها الوزير المواظب تتناسب مع قيمته ووزنه في اللعبة.

هدية الإسرائيليين مثلا تبدأ بشهادة حسن سير وسلوك للحكومة اليمينية التي يزكيها السيد كيري كحكومة تسعى فعلا للسلام، رغم أنها تقوم بعمل لطالما عدته أميركا غير شرعي وهو الاستيطان، ومن أجل التخفيف على الإسرائيليين يقول: إلا أننا والفلسطينيين كنا نعرف أنهم سوف يواصلون الاستيطان ومع ذلك ذهب الجميع إلى المفاوضات. وهذه هدية يعدها الإسرائيليون متواضعة بالقياس مع الطلبات الأخرى، حيث القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل، والأغوار تؤجر لنصف قرن، أو أقل قليلا، ثم صرف النظر عن حدود 1967 كأساس للمفاوضات، ووضع العربة أمام الحصان بالشروع في ترتيبات أمنية تستبق مجرد الحديث عن الحدود، هذا ما تريده إسرائيل فلسطينيا.

أما على صعيد الإقليم، فهي تريد كل شيء تقريبا، تريد حق الرقابة على التسويات المحتملة بين إيران وأميركا، وهذا مطلب معلن وصريح، ذلك غير المطالب الأخرى المتصلة بكل الملفات المفتوحة الآن في المنطقة.

وتبدو الإدارة الأميركية متذمرة وقليلة الحيلة في ذات الوقت، وتسريب أوباما عن شوكة نتنياهو مع تحديد مكانها الحرج في الجسد الأميركي يظهر درجة من التذمر وقلة الحيلة كذلك.

الفلسطينيون في دنيا الهدايا، كان لهم إطلاق سراح الأسرى القدماء، مما أدخل الفرح والأمل إلى نفوسهم، ولهم كذلك أمل الحصول على الحل الاقتصادي الذي نشر كيري رذاذه مع مطلع هذا الشتاء، ومن ذات المكان المخصص تاريخيا لشجرة أعياد الميلاد في بيت لحم. ومع أن كيري لم يرتدِ اللباس الشائق لبابا نويل، إلا أنه فعل فعله ونشر هداياه حين أعلن أنه يقرن الأقوال بالأموال (وهذه خمسة وسبعون مليون دولار) كمقدم حساب للحل الاقتصادي الذي جامله بالقول دون أن نفصل الاقتصادي عن السياسي.

هنالك تعبير مناخي يستخدم عادة في تقريب الأفكار والاستنتاجات السياسية، وهو الهدوء الذي يسبق العاصفة، وعندنا على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي الواقف على حافة المستحيل، يمكن تبديل المصطلح بالعاصفة التي تسبق الهدوء، وهذا ما حدث بين يدي زيارة كيري الأخيرة، فقد هبت عاصفة تذمر فلسطيني أنذرت بمغادرة طاولة المفاوضات والذهاب إلى خيارات أخرى، واتحدت مع عاصفة إسرائيلية استيطانية وقمعية، مما رتب على السيد كيري مهمة عاجلة وهي رش الماء على المرجل الذي يغلي.

الماء.. ليس مجرد تقدمة مالية شديدة التواضع أمام الاحتياجات الفعلية للفلسطينيين، وأمام أهمية الهدوء في هذا الجزء من الشرق الأوسط، وإنما تسريب أنباء عن هدية كبرى يجري تجهيزها خلال الفترة المتبقية على تسرب الرمل في الساعة الزجاجية أي الأشهر الستة المقبلة، وهي مبادرة أميركية للحل، بعد أن يكون الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي قد وصلا إلى طريق مسدود.

حتى الآن، لا يتحدث الأميركيون صراحة في هذا الأمر، بل إنهم يحرصون على نفي التسريبات في هذا الشأن، وهذا يكفي للبقاء في دائرة هدايا بابا نويل ولا أكثر، حتى إشعار آخر..

عن الشرق الاوسط السعودية

اخر الأخبار