بعد العدوان الموقف الفصائلي على المِحَك

تابعنا على:   19:57 2021-05-24

عائد زقوت

أمد/ لقد وضعت الحرب أوزارها، بما حملته من مشاهد بربرية وحشية آلمت القلوب وأشجت النفوس حيث لم تترك مدينة ولا شارع إلا وتركت فيه معلماً يشير إلى مدى الحقد والكراهية الدفينة في قلوب هذه الشرذمة الصهيونية ، ولكنَّ الفلسطيني أحالها بثباته وصموده إلى وقود يستمد منه طاقته لاستمرار كفاحه لاسترداد حقوقه المسلوبة، وكذلك وضعت القوى السياسية والفصائلية الفلسطينية حَملها، وكبَّرنا وهللنا بهجة وسعادة بغيظ المحتلين، ولكننا كالعادة عدنا إلى معادلة الهدوء مقابل الهدوء سواءً كان محدوداً أو ممتداً، والدعوة إلى إعادة إعمار ما دمرته آلة البطش الصهيونية، بما يحمل من خلاف دائم حول الجهة المشرفة عليه، ولا يفوتهم ضرورة التأكيد للعودة إلى المسار السياسي وتفعيل المفاوضات، وهذا يعني إعادة الكُرة إلى الملعب السياسي الفلسطيني من جديد، مما يُحتّم بالضرورة استخلاص العبر والدروس من التجارب المتكررة مع الاحتلال وخاصة ممن يتمسكون برؤية واحدة لإدارة الصراع مع المحتل، إذ أنَّه من المُعيب أن نبقى غارقين في الاختلاف حول شكل المقاومة ففريق حصر المقاومة المشروعة في المقاومة السلمية فقط، وأنها الفعل الوحيد المشروع أخلاقيًّا وسياسيًّا، فهذا الفريق يتعين عليه إجراء مراجعة حقيقية موضوعية، ويقارن بين الإنجازات والإخفاقات للرؤية والنهج الذي سار عليه خلال الحقبة الماضية، ليقدم كشف حساب دقيق للشعب موضحاً أين أصبنا وأين أخفقنا، وحيث أنَّ الشواهد على الأرض تَشي بأنّ السنوات الطوال التي انقضت في العملية السياسية لم تصل إلى ما تصْبوا إليه من إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وفي ذات الوقت يتعين على الفريق الآخر الذي يرى أنَّ المقاومة مشروعة بكل وسائلها ويعني العسكرية منها، بشرط تحقيق الملاءمة في الوسيلة المستخدمة في الزمان والمكان، وهذه الملاءمة مرتهنة بأمرين أولهما أن تكون المقاومة تؤلم العدو بأكثر مما تؤلم الشعب الفلسطيني من حيث الخسائر المادية المتعلقة بالأرواح والبنى التحتية واللوجستية ومقدرّات الشعب من مؤسسات وغيرها، أو فيما يتعلق بالخسارة المعنوية، وثانيهما حيث يمكن استثمارها سياسيًّا فيما بعد والبناء عليها، وبناءً على هذا لا بد من اسقاط نتائج المواجهة مع الاحتلال وفق هذه الرؤية، وقياسها على تلك القاعدتين ليتسنى لنا رؤية نتائج موضوعية مجردة من العواطف والأماني والتجميل، وحيث أنَّ الشواهد على الأرض تشي أيضاً أننا لم نحقق من خلال هذه الرؤية ما يتطلع إليه الشعب من الحرية والاستقلال، وبالمقارنة بين النهجيْن نجد أنَّ كلاً منهما لم يصل بالشعب الفلسطيني إلى مبتغاه، بل حصرت القضية الفلسطينية في إطار إنساني خدماتي وسمحت للاحتلال أن يتغوّل على أراضي الضفة الغربية وغزة، وتسريع جذوة الاستيطان، والعمل المتسارع على تهويد كل ما هو عربي في القدس، وتشجيع أعداء الشعب الفلسطيني التغول على الحق السياسي للفلسطينيين والتعامل معه من جانب إنساني فقط، مما أتاح الفرصة لظهور شخصيات فلسطينية تقبل بقيام دولة فلسطينية خدماتية لا تمتّ لمفهوم الحرية والسيادة والاستقلال بشيء، ولتفويت الفرصة على مثل هؤلاء، ولكي لا تضيع الدماء الزكية والتضحيات الكبيرة هباءً منثوراً، ولكي نتمكن من البناء على حالة التعاضد والتكاتف الشعبي في جميع المحافظات الفلسطينية والهبة العربية المساندة والتعاطف الشعبي العالمي، فلا بد أن ترتقي فصائلنا وقياداتها إلى مستوى تلك التضحيات والعمل على دفع عجلة الوحدة الفلسطينية ومعالجة القضايا الخلافية، وتعضيد البيت الداخلي؛ وعلى اعتبار أنَّ أنصار الفريق الثاني قبلوا بدولة فلسطينية على حدود67، فإنَّه يتطلّب منهم الكفّ عن السعي للسيطرة على التمثيل والقرار الفلسطيني وفق أجندته الحزبية وبنائه الفكري وتحالفاته الإقليمية ويُعطي مؤشرات عمليّة وذلك بالانخراط في النظام السياسي الفلسطيني دون اشتراط المحاصصة، وكذلك يتوجب على أصحاب الفريق الأول عدم العودة إلى المفاوضات إلا بعد اعتراف مجلس الأمن الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية راعي العملية السياسية، بدولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة حسب مقررات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ثم يُسار إلى مفاوضات بين دولة فلسطين وكيان الاحتلال لترتيب علاقة الجوار بينهما، رافدة ذلك بتوسيع وتفعيل رقعة الاشتباك الشعبي مع توفير بيئة رافعة لنجاحها، ودون ذلك سيكون عبثياً وإهداراً لمقومات الصمود الفلسطيني، وكذلك لا بُد من التراجع عن سياسة تغليق الأبواب و العمل على فتحها بلا مواربة للمشاركة الفعلية لمن التحق بركب الثورة الفلسطينية للمشاركة الفاعلة في وضع السياسات الفلسطينية بما يخدمُ برنامج الحرية والاستقلال واتخاذّ القرارات ذات الصلة بمستقبل القضية الفلسطينية، وألّا تبقى تدور في ذات الرحى أمداً بعيداً والذي ينعكس سلباً على دفع القضية الفلسطينية قُدماً نحو تحقيق أهدافها، وسيبقينا تحت طائل كل حزب بما لديهم فرحون.

كلمات دلالية

اخر الأخبار