
مفاوضات تحت الطلب؟!
د. حسين المناصرة
منذ اتفاقيات أوسلو سيّئة الذكر عام 1993 ؛ أي خلال عشرين عاماً أصبحت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ، مفاوضات "تحت الطلب" ؛ بمعنى أوضح: أنه كلما وجدت أمريكا نفسها في مأزق في سياستها الخارجية في العالم العربي،لا بدّ أن تسعى إلى أن تحسّن صورتها ؛ فيصرح أحد مسؤوليها تصريحًا ساذجًا؛ ينتقد فيه "إسرائيل" ، وبالذات من خلال انتقاد الاستيطان ، ثم تكون هناك دعوة إلى التفاوض ، ثم يجتمع "كبار" المفاوضين من الجانبين ... ثم تبدأ عملية اليأس من إيجاد الحلول لأبسط المسائل، مثل: إيقاف الاستيطان، الذي يزداد في أثناء أية مفاوضات وبعدها مباشرة ، فتعلن حينئذ أمريكا أن الطرفين غير مؤهلين للوصول إلى حل في الوقت الراهن، وفي الغالب يتحمل الفلسطينيون هذا الفشل!! وحينئذ تتمادي إسرائيل في التنكيل بالفلسطينيين، ويصبح الدور الفلسطيني " لا في العير ولا في النفير"، خاصة بعد الانقسام الفلسطيني إلى دويلتين متحاربتين ، وصلت الأمور بينهما إلى ما بين الكوريتين الشمالية والجنوبية!!
ولعلّ اللافت في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية الأخيرة، في السنوات الخمس الأخيرة تقريبًا، هو تلك التصريحات الصادرة عن الصهيونية "تسيبي ليفني" كبيرة المفاوضين الإسرائيليين ، حيث أكدت مرارًا أنها مارست الجنس مع بعض كبار المفاوضين الفلسطينيين، وأنّ هذه الممارسات مصوّرة لديها، وأنها تستطيع أن تضغط عليهم لابتزازهم في أي وقت، والحصول منهم على التنازلات الضخمة...إلخ!! كان هذا التصرف منها بعد أن عدتها الديانة اليهودية بطلة قومية في خدمة المصالح الإسرائيلية جنسيًا، وذلك عندما أفتى أكبر "حاخامات" اليهود بأنه "يحق لها أن تنام مع الغرباء، وتمارس الجنس شرط أن يخدم ذلك إسرائيل".
ما تقوله الصهيونية "ليفني" عن ممارساتها الجنسية بصفتها (عاهرة) صحيح ، وهي فعلاً استخدمت جسدها المبتذل في علاقات موسادية مقصودة ، ومن ثمّ اخترقت المفاوضين الفلسطينيين ، الذين بكل تأكيد لم يقدموا للفلسطينيين أي شيء في هذه المفاوضات العبثية... وكانت المحصلة أن أخذت إسرائيل كل شيء ، وبإمكانها أن تأخذ أي شيء من هؤلاء المفاوضين التعساء، ولا مجال في السياسة الفلسطينية للتنازل عن هؤلاء المفاوضين الذين اهترأت جلودهم من فسادهم، وليست تصريحاتهم السياسية الحريصة على المصلحة الفلسطينية سوى على "عينك يا تاجر" !!
لم يبق أي شيء تريده إسرائيل من مفاوضاتها مع الفلسطينيين لم تأخذه ، حتى الاعتراف بها دولة يهودية ، حدث أن اعترف بها هؤلاء المفاوضون ، وأكدوا أن من حقها أن تسمي نفسها بأي اسم تريده.. ولأن هؤلاء المفاوضين الفلسطينيين البائسين لم يحققوا أي شيء لفلسطين في هذه المفاوضات التي غدت إسرائيلية – إسرائيلية ، قد تعروا من كل شيء ، ويريدون أيّ شيء ، حتى ولو في الكلام ، والكلام - في المحصلة- لا تصرح به إسرائيل لمصلحة من خانوا وطنهم وشعبهم .
هؤلاء المفاوضون أصبحوا كبلاط المراحيض ، لا يمكن أن ينزل مستواهم إلى أكثر مما هم فيه؛ لذلك تتخلى إسرائيل عن عملائها أو من تبتزهم، عندما لا تعود هناك أية مصلحة لها من ورائهم... وهذا يعني أنّ إسرائيل اليوم تبحث عن مفاوضين آخرين، ربما من غزة ، لأنها "شبه ابتلعت" الضفة الغربية ، ومن ثمّ فإن الدولة الفلسطينية الوحيدة الممكنة في التصور الصهيوني هي غزة ، وحماس التي استطاعت أن تكون قوية في تحكمها بالأمور في دويلتها، وفي حرصها على عدم الدخول في مصالحة فلسطينية – فلسطينية، والمطلوب الآن أن تكون غزة فقط هي الدولة الفلسطينية المنتظرة ، وهذا هو الحل الذي فرض منذ اتفاقيات أوسلو ، إذ إنّ كل التحليلات السياسية الفلسطينية المنطقية منذ بداية أوسلو كانت تقول: إن نهاية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية هي " غزة أولاً وأخيرًا"... وهذا ما حدث فعلاً!!
صحيح أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في الماضي كانت تحت الطلب لامتصاص النقمة العربية على الدور الأمريكي في المنطقة ، لكنها اليوم تغيرت؛ لتصبح تحت الطلب الإسرائيلي لنشر بعض الفضائح عن المفاوضين الفلسطينيين ، وبهذا كانت الاعترافات "الليفنية" الفضائحية مؤخرًا عن ياسر عبد ربه وصائب عريقات اليوم ...وغدًا ستكون عن فلان وعلان ... الله يستر من آخرتها!!