الدبلوماسية الشعبية: مدخل لتعزيز الفعل السياسي الفلسطيني

تابعنا على:   16:28 2021-05-23

د. منتصر جرار

أمد/ شهدت هبة أيار الجارية صعوداً لافتاً في التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية، وظهر هذا الصعود في العواصم العالمية سواء كان ذلك بالمسيرات والتظاهرات الضخمة أو في ملاعب كرة القدم أيضا حيث ظهر حمل لاعب ليستر سيتي حمزة شاودري علم فلسطين في نهائي كأس بريطانيا لكرة القدم، ورفع لاعب مانشستر يونايتد بول بوغبا العلم في مباراة فريقه الأخيرة، ولم يتوقف التضامن على الملعب بل انتقل الى الفضاء الرقمي من خلال صفحتي اللاعبيين. كما شكل الدعم الشعبي للاعبين المتضامنين شبكة حماية لهم من أية عقوبات قد تقع من أنديتهم، كما في حالة لاعب أرسنال محمد النني. إن عالم كرة القدم ليس استثناءً، بل يمتد هذا الدعم الى عالم السينما والشخصيات العامة، ومثاله ما صاحب من دعم لمقاطعة بيلا حديد وما تبع من دعوات لمقاطعة  شركة ديور التي قامت بإزاحة صورتها كونها واجهة إعلانية لمنتجاتها. تلقفت الدبلوماسية الرسمية الفلسطينية هذا الفعل الشعبي في بعض الدول وبنت عليها تدخلات رسمية، تمثلت في شكر المتضامنين، ما انعكس بشكل إيجابي على مواقف بعض الدول، وهذا رأيناه بشكل جلي في حجم التفاعل الشعبي من هذه الدول.


ولا يمكن فصل هذا الدعم عن الحراك في الشارع وما حدث في بريطانيا وجنوب افريقيا وأمريكا والعديد من العواصم الأوروبية والعربية، حيث أظهرت استطلاعات الرأي العالمية تراجع تأييد إسرائيل في كل العواصم العالمية، وما رافقه من تنديد شعبي وبرلماني لجرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وتجاهلها لكل القرارات الأممية والقوانين الدولي. وقد أصبح هذا جلياً بعد صدور تقرير لجنة حقوق الانسان هيومن رايتس ووتش والذي اتهم إسرائيل باتباع سياسة الفصل العنصري والاضطهاد بحق الفلسطينيين، حيث قال التقرير أن سياسة الحكومة الإسرائيلية الشاملة تعمل على إبقاء هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين، وتعزز الانتهاكات الجسيمة ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية".

لقد سهلت التحولات الرقمية الوصول والتأثير على شعوب العالم، كما وحدّت من سطوة الاعلام المحتكم للمال السياسي، وشكلت باروميتر للرأي العام ومثال ذلك إنخفاض سعر سهم فيس بوك نتيجة التقيميات السلبية، بعد ما قامت به شركة فيس بوك من سياسة لتقييد المحتوى المناهض لدولة الاحتلال والداعم للقضية الفلسطينية، ما دفع هذه الشركة لمراجعة سياساتها .

الدبلوماسية والدبلوماسية الشعبية هي مفاهيم تصبو لتحقيق نفس الأهداف الوطنية التي تسعى الدول لتحقيقها، سواء كان ذلك على مستوى العلاقات الثنائية أو من خلال توسيع رقعة العمل لتشمل الساحة الدولية، الا انه بواقع الوضع الحالي تختلف الفواعل في كل منها، فالدبلوماسية الشعبية مفهوم قديم جديد إلا أنه تم إعادة طرحه في الفترة الأخيرة بعد التطور الهائل في التكنولوجيا والإعلام، وقد برز هذا المفهوم بشكل واضح بعد أن استخدمته أكبر وأقوى دول العالم في سياستها الخارجية وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 وذلك لتحقيق مآربها بعد استنفاذ كافة الوسائل الأخرى لتحقيقها.

وعلى خلاف الدبلوماسية التقليدية تفهم الدبلوماسية الشعبية بأنها خطوات وبرامج تهدف للتأثير على الشعوب الأجنبية والرأي العام، عبر التشبيك المباشر، يبرز فيها الفاعل غير الحكومي (الشعبي) بهدف تحقيق الأهداف الخاصة بالسياسة الخارجية للدول. وتستخدم الدبلوماسية الشعبية وسائل وآليات معينة أهمها وسائل الاعلام المرئية والمسموعة، والإذاعة والتلفزيون والصحافة ووسائل الاتصال الاجتماعي وتعميق الشراكات الأكاديمية والثقافية، من أجل اقناع الآخرين بالقيم والأفكار والحقائق الثابتة وهذا يعتمد بشكل أساسي على المصداقية والعرض الواقعي للأحداث ومناقشتها بشكل عقلاني ومثالي ومنطقي من أجل اقناع هذه الشعوب بوجهة النظر للدولة، وهي بذلك تعمل على كسب ثقة الجماهير العالمية وجلب تأييدهم وتحقيق الأهداف المعلنة من الدولة والتي تسعى بشكل واضح وعلني لتحقيقها، وتختلف الدبلوماسية الشعبية عن غيرها من الأساليب الدبلوماسية باستمراريتها وعدم اقترانها بأزمة معينة أو مدة زمنية.

وتستخدم الدبلوماسية الشعبية أساليب مختلفة للتعبير عنها من خلال تنظيم المسيرات والمظاهرات من أجل لفت انتباه الأنظمة والتأثير عليها من أجل تبني خطابات هذه المسيرات والتظاهرات، ومن الأساليب الأخرى تنظيم زيارات للوفود الشعبية والاتحادات والنقابات للدول الأخرى لحشد التأييد والتأثير على الأرض وتفعيل الضغط، كما وتعتبر الشراكات الأكاديمية والثقافية من أهم وسائل تعميق الدبلوماسية الشعبية .

وفي ظل هذا التطور التكنولوجي الهائل وخاصة على وسائل الاعلام وتنوع وسائل التواصل الاجتماعي يجب علينا كفلسطينيين (مؤسسات رسمية حكومية ومجتمع مدني واتحادات ونقابات ) أن نقوم  بتوظيف هذا التقدم لخدمة مصالحنا السياسية والاقتصادية والثقافية من خلال تفعيل الاتصال المباشر وغير المباشر مع الشعوب الأجنبية والعمل على  وضع استراتيجية محددة الأهداف وقابلة للتطبيق من أجل المضي قدماً في التأثير على هذه الشعوب وتحشيد الرأي العام العالمي اتجاه قضيتنا العادلة وذلك بعد محدودية العمل الدبلوماسي التقليدي وخصوصا في بعض الدول التي تربطها مصالحها مع دولة الاحتلال سواء كانت مصالح اقتصادية أو سياسية. ويحتاج نجاح الدبلوماسية الشعبية في الحالة الفلسطينية إلى استمرارية المقاومة بكافة أشكالها والسلمية منها بشكل خاص، حيث نقل المعاناة والتصدي للاحتلال والدفاع عن المقدسات الأماكن الدينية وإظهار الاضطهادات الإنسانية والجرائم الاحتلالية، لقد انعكس نقل هذه المعاناة بشكل أساسي على حشد التأييد الشعبي ومساندة الجهود الدبلوماسية والقانونية والسياسية من أجل الضغط وتعرية دولة الاحتلال والدول المساندة لها .

إن أهم الاستنتاجات أن دعم الشعوب ممكن، ومقاربة تعزيز الدعم لفلسطين بمنهجية مختلفة تبدأ من أسفل وتصعد للتأثير على صناع القرار ناجعة، ولعل حجم التفاعل مع القضية الفلسطينية والذي رأيناه في الأيام الأخيرة في مختلف دول العالم يؤكد على طهارة قضيتنا وعدالتها ويدعي للتأكيد على أهمية تفعيل الدبلوماسية الشعبية وحشد كل الامكانيات من أجل تفعيلها في كل دول العالم، وبذلك فان الدبلوماسية الشعبية والتي هي رديفة للدبلوماسية الرسمية بكافة اتجاهاتها لعبت دور هام في تعزيز الترابط والتعاطف الإنساني والسياسي الدولي مع القضية الفلسطينية، وغطت بشكل رئيسي ما عجزت عن تحقيقه الدبلوماسية التقليدية الرسمية. من هنا يجب الاستثمار بالمخرجات، وتوحيد جهد المنصات الرقمية، والعمل مع الجاليات، ورفع قدرات الدبلوماسية الرسمية في مجال الدبلوماسية الشعبية ودعم مبادراتها، والاستثمار بالنجوم والمؤثرين الداعمين.

اخر الأخبار