نساء غزّة.. "بنك الأهداف" في العدوان الإسرائيلي

تابعنا على:   09:48 2021-05-20

د. تغريد شعفوط

أمد/ عادةً ما تدفع النساء، وفي كل الحروب وحالات النزاعات المسلحة ثمنًا فادحًا جراء تعرضهن لمختلف أشكال القتل والترهيب والتشريد وغيرها من صنوف المعاناة، ووقوعهن فريسةً سهلة ضمن أهداف القوى المتصارعة، وهنَّ يفتقرن لسُبل العيش ومقومات البقاء التي يكفلها القانون الدولي الإنساني زمن الحرب، فلا تقيد ولا التزام بالحصانة والحماية الخاصة التي توفرها اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، في هذه الأوضاع والظروف وسواها.
الشاهد، أنَّ هذه الأوضاع وتلك المخالفات تنطبق تمام الانطباق على النساء في عموم الأرض الفلسطينية المحتلة وفي قطاع غزة، الذي تعرض ولم يَزل لعدوانٍ إسرائيلي مفتوح طال المدنيين حصرًا خلال السنوات الإثنى عشر الأخيرة، ففي العدوان الحربي الإسرائيلي الأعوام 2008/2009- 2012-2014-2021 وما بينها، كانت النساء الغزيّات هدفًا للطائرات الحربية الإسرائيلية وهي تَدُك الأعيان المدنية في مدن وقُرى القطاع دون رحمة ودون احتكام لأدنى القيم الأخلاقية أو لقواعد القانون الدولي، وكأنهنَّ- أي النساء- يشكلنَّ مصدر تهديد لدولة الاحتلال ولجيشها ولطائراتها في أثناء غاراتها واستهدافاتها المباشرة والمستمرة على القطاع.
لم تكن المرأة في قطاع غزة- الذي يتعرض في هذه الأوقات لعدوان حربي مفتوح ولليوم العاشر على التوالي- استثناءً، ذلك لأنَّ النساء الفلسطينيات عامة ومنذ سنة النكبة تدفعنَّ ثمن بقاءهنّ وصمودهنّ فوق الأرض الفلسطينية وحمايتها، ورغم خُطط التهجير والنزوح الجماعي وسياسات التشريد التي لحقت بالشعب الفلسطيني في مُدنه وقُراه التاريخية، ظلّت المرأة مُمسكةً بحقها في المقاومة والدفاع وتربية الأجيال وغيرها من أدوات الصمود والحماية وأساليبها، وقد دفعت نظير هذا كله أثمانًا باهظة من المعاناة: قتلًا، وتشريدًا، وجرحًا، واعتقالًا، وتعذيبًا، في مشهدٍ مأساوي ممتد حتى يومنا هذا، غير أنَّ الاستثناء- هذه المرة- هو أنَّ جرائم الاحتلال الإسرائيلي ووحشيته لم تعد مخبوءة، بل أضحت أمام مرأى ومسمع العالم بأسره دون أنْ تتطلب عناء البحث عنها؛ فانتقلت صورة معاناة المرأة الفلسطينية- الغزية بسهولة ويسر، وافتضح أمر الاحتلال الإسرائيلي و"بنك الأهداف" المزعوم في عدوانه على قطاع غزة وعلى المدنيين من أهله، بالصوت والصورة عبر وسائط الإعلام كافة ومنصات التواصل الاجتماعي.
المشهد هنا في غزّة، عصيٌّ عن الوصف ولا يقبل التحليل ولا التأويل، هو مشهد روايات البطولة والقصص الدامية من حناجر الفلسطينيين أنفسهم، وهو مشهد المرأة الفلسطينية تحت النار في ظلمة ليلٍ وإشراقة صباح.. تحت قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية المدعومة والمُمولة أمريكيًا.
في العدوان المفتوح على غزة، والمفتوح على الوساطة والهدنة أو التهدئة، استُشهدت (39) امرأة، وجُرحت نحو (300) امرأة، وشُردت ونزحت آلاف العائلات، نساءً، رجالًا وأطفال، وأخريات من النساء فقدن بيوتهن وأسرهن دون إنذار وفي واحدة مشاهد الأسى والحزن المتكررة في غزة. تقول احدى الأمهات التي فقدت ابنتها وأحفادها: "رغم أن زوجي يعمل في فرق الإنقاذ لم يستطع انقاذ ابنته وأحفاده واخراجهم من تحت الركام بعد قصف منزلهم المكون من أربع طوابق على رؤوسهم". وتقول احدى النساء الناجيات من قصف الاحتلال والتي فرت مع عائلتها: "شعرنا كأننا في فيلم رعب.. كانت الطائرات فوقنا، وكانت الدبابات والبحرية تقصف بشكل عشوائي، ولم نتمكن من الحركة، وكان الأطفال والنساء يصرخون في وقت الألم دون مغيث".
سيضع العدوان أوزاره وآثاره الثقيلة، وسيكف المقاتلون عن القتال، لكن المؤكد أنَّ نساء غزة ستعيش على ألم الذكريات ومرارة الفقد والتهجير القسري وتمزق الأسر والعوائل، ولسوف تعيش على المعاناة وعلى كوابيسٍ مرعبة من صرخات أطفالهن، فمنهن من فقدت زوجها وباتت هي الرجل بعده وعليها منذ اليوم مسؤوليات لا تنتهي، وعلى كاهلها مهام رعاية أسرتها وأبنائها الأيتام وتدبر أمرها في هذه الحياة البائسة في ظل الاحتلال وفي ظل العدوان، ومع تنكر الناس أجمعين لغزة ولنساءها ولحقهن في الحياة والعيش والمستقبل!

كلمات دلالية

اخر الأخبار