علاقة الهبة بالنكبة

تابعنا على:   12:24 2021-05-16

عمر حلمي الغول

أمد/ جاء إحياء ذكرى النكبة الثالثة والسبعون هذا العام باكرا حين حاولت حكومة التطهير العرقي الإسرائيلية فرض أجندتها الإستعمارية في القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين عموما وحي الشيخ جراح خصوصا مع بداية شهر رمضان المبارك (13 ابريل 2021)، والذي وصل الذروة في الثامن والعشرين من الشهر الفضيل، الموافق الحادي عشر من مايو الحالي عندما دعا قطاع الطرق العنصريون من جماعة الفاشي بن غفير وسموتيريتش لإقتحام المسجد الأقصى والسيطرة عليه، وطرد العائلات ال28 الفلسطينية من منازلهم في حي الشيخ جراح، الذين تكالبت عليهم ثلاثة قوى لتحقيق الهدف، وهي الحكومة بزعامة نتنياهو واجهزته الشرطية والأمنية والقضاء الإسرائيلي بالإضافة لعصابة "لهافا" الفاشية، مرورا بالصراع بين ابطال العاصمة والمستوطنين في ساحة باب العامود.

وزادت الهبة اشتعالا مع إشتداد الرياح على الجبهة الجنوبية، التي زجت بنيرانها المتحركة مساء الثلاثاء الماضي، مع دخول جبهة قطاع غزة على خط المواجهة، والذي تلازم مع التحاق ابناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة في أتون المواجهة والهبة الأربعاء الماضي، فباتت فلسطين التاريخية من بحرها إلى نهرها كتلة لهب مشتعلة، ونتاج الاستهداف المباشرمن قبل مجرمي الحرب الصهاينة سقط عشرات الشهداء ومئات الجرحى من الفلسطينيين،

ومازالت هبة القدس العظيمة بعواملها ومعطياتها المتفجرة تقيد النيران، فأعادت إحياء النكبة ال73 كما لم تحييها من قبل، وأكدت للقاصي والداني، ورغم اهداف وخلفيات نتنياهو وأضرابه، وحسابات واجندات بعض القوى السياسية، أن فلسطين وشعبها الواحد الموحد كانت وستبقى الرقم الصعب في معادلة الصراع التاريخي مع العدو الصهيوني، ولا يمكن لكائن من كان القفز عنه،

وأكدت أن عمليات التطهير العرقي والضم للعاصمة الفلسطينية سقطت سقوطا مدويا، وكرست وحدة العاصمة البطلة تحت راية وعلم الشعب الفلسطيني دون سواه، ولن تكون يوما إلا عاصمة لفلسطين وشعبها العملاق، وكل إجراءات ومخططات دولة العدو الصهيونية أحرقتها شعلة الهبة العظيمة. وردت بشكل واضح وعميق على القوى التي حاولت تقزيم اهداف وثوابت الشعب العربي الفلسطيني في حدود إمارة كرتونية، ووجهت صفعات قوية لهم حتى لو تمكنوا للحظة في فورة الانفعالات العاطفية من تضليل الجماهير. وقلبت حساب المعادلات السياسية الصغيرة رأسا على عقب،  وخاب رجاء قوى الأعداء والثورة المضادة.

 وإعتقد ان إفتراض تنياهو وحلفائه المعروفين والمستترين، انهم كسبوا الجولة، انما هو اعتقاد وهمي وساذج، ولن يمر مشروع التهويد والتطهير والضم وتمزيق وحدة الشعب العربي الفلسطيني، وهذا ما اكده الشعب وقواه ونخبه الحية في كل التجمعات الفلسطينية بشعاراتهم السياسية وبتلاحمهم وفرادة ديالكتيك العلاقة الناظمة لوحدتهم، وإعلانهم للدنيا باسرها، انهم على قلب رجل واحد، وان لا دولة في غزة، ولا دولة بدون غزة، ولن تمر الأسرلة، وسيداس الجبناء والعملاء حلفاء نتنياهو وبن غفير وسموتيريتش وبينت اينما كانوا باحذية ابطال ورواد الوطنية الفلسطينية، حتى لو تمكن زعيم الليكود الفاسد من تشكيل حكومة مؤقتا.

هذا واكدت هبة مايو 2021 ان الدولة المزورة والمركبة بقطع فسيفسائية من مختطفي الديانة اليهودية الصهاينة، باتت ديمومتها محل شك لدى قاطنيها من مرتزقة المشروع الكولونيالي الصهيوني، وما تشهده الساحة الإسرائيلية من إحتدام التناقضات التناحرية وتفجرها تشي بذلك، حيث كشفت ظهر الدولة، كدولة هشة وعاجزةوفاقدة الأهلية، حتى لو بدت لبعض المتساوقين معها، وداعميها عكس الواقع. 

كما ان ذكرى النكبة المتلاحمة مع هبة زهرة المدائن أكدت بما لا يدع مجالا للشك، ان العلاقة الجدلية بين الوطنية الفلسطينية والقومية العربية أعمق من ان تهزها الأنظمة الفاسدة والغارقة في مستنقع التطبيع المذل والإستسلامي. ولعل المظاهرات والإعتصامات في مختلف العواصم العربية، ومواقفهم الشجاعة والنبيلة على مواقع التواصل الاجتماعي أعادت للواجهة مجددا روح التكافل والتعاضد القومية، وحملت في طياتها بارقة أمل في إحداث عملية تحول دراماتيكية في المستقبل غير البعيد في المشهد العربي، وردا على فساد وانهيار مؤسسة النظام الرسمي العربي.

وفرضت هبة القدس الشجاعة القضية الفلسطينية على رأس جدول اعمال العالم واقطابه المركزيين رغما عنهم، وأكدت لهم، ان كل معادلاتهم السياسية، ومراهناتهم على تراجع وإنكفاء أو إستسلام الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية أمام طاغوت الإستعمار الإسرائيلي الفاشي، انما هو رهان خاسر. وما لم يحصل الشعب الفلسطيني على الحد الأدنى من حقوقه الوطنية لن يكون هناك سلام ولا استقرار ولا أمن لإسرائيل أو غيرها، وما لم يتحقق الأمن والسلام للفلسطينيين أولا لن يكون هناك امن لإحد، وعلى راس هذا الأحد دولة الإستعمار الإسرائيلية.

الأمر الذي يملي على ادارة بايدن الأميركية الكف عن المراوغة، والتهرب من استحقاقين أولهما دعوة مجلس الأمن للانعقاد فورا، وإصدار قرار اممي يفرض وقف كل عمليات التطهير العرقي الإسرائيلية، ووقف حرب أرهابها على ابناء الشعب الفلسطيني في أراضي دولة فلسطين المحتلة في حزيران 1967،

وفي داخل الخط الأخضر، والشروع بفرض عقوبات إقتصادية وسياسية وأمنية على دولة الفصل العنصري الإسرائيلية؛ وثانيهما بدء الإعداد الفوري لعقد مؤتمر دولي جاد وإلزامي لإلزام إسرائيل المارقة بالانسحاب من اراضي دولة فلسطين وفي مقدمتها العاصمة الابدية القدس الشرقية، وإزالة كل مستعمريها عن الارض الفلسطينية بغض النظر عن عددهم، وتحميلها كل تكاليف إخلاء مستعمريها، ودفع تعويضات باثر رجعي عن كل جرائمها، وإنتهاكاتها الوحشية ضد الشعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية العليا،

وضمان عودة اللاجئين إلى ديارهم، التي طردوا منها عام النكبة  1948 بغض النظر عن اعدادهم، وترك الخيار بالتقرير بشأن حقهم في العودة لكل فرد منهم، لإن حق العودة، هو حق جماعي عام، وحق فردي كفله القانون الدولي، وفي ذات الوقت المساواة الكاملة لإبناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، والسماح لهم بعودة اللاجئين منهم لمدنهم وقراهم، التي طردوا منها.

إذا الهبة أعطت زخما عميقا لإحياء ذكرى النكبة هذا العام، كما لم تعطه منذ ثلاثة عقود خلت، تحديدا منذ إنتفاضة الشعب الكبرى عام 1987/ 1993، وأحيت الذاكرة الجمعية للشعب، واعادت تجديد لحمته، وإحياء شبابه وفولذته وعظمته، وأكدت ان أمد وزمن ومستقبل الصراع مرهون بمدى حصول الشعب العربي الفلسطيني لحقوقه الوطنية دون قيد او شرط.

كلمات دلالية

اخر الأخبار