القدس والانتخابات

تابعنا على:   07:38 2021-04-21

غازي الخليلي

أمد/ هل بتنا أمام أحد خيارين، إما تأجيل/إلغاء الانتخابات في ضوء عدم تجاوب إسرائيل مع الطلب الفلسطيني بتمرير صيغة الانتخابات السابقة بشأن القدس، أو الذهاب للانتخابات كما هو مقرر بغض النظر عن الموقف الإسرائيلي، واعتبار القدس ومشاركة المقدسيين بحرية في الانتخابات عنوان لمعركة سياسية كبرى ضد الاحتلال الإسرائيلي، تعيد تموضع القدس على الخارطة السياسية الإقليمية والدولية بقوة.
والسؤال الذي لا بد منه، هل كان تكتيك "لا انتخابات بدون القدس" بالصيغة المشددة التي يطرحها البعض تكتيكا صائبا عزز موقف القيادة الفلسطينية إزاء القدس ومشاركة المقدسيين في الانتخابات، أم أنه على العكس من ذلك، كان تكتيكا خاطئا حشر القيادة الفلسطينية في خيارات ضيقة، وأتاح للبعض استغلاله وتوظيفه في عملية منهجية بغطاء وطني، للتغطية على نواياه المضمرة ورغبته، بعدم إجراء الانتخابات أصلا، لأنه مرتاح لوضعه الحالي، ويخشى أن يكون للانتخابات نتائج تمس وضعه وما يتمتع به من امتيازات ومواقع.
والسؤال الآخر، ماذا لو كان الشعار الذي رافق العملية الانتخابية حول القدس صيغ كالتالي "ذاهبون إلى الانتخابات مع القدس وفي القدس"، أما كان مفعوله سيكون أقوى وأبعد أثرا، سواء في التعبئة الجماهيرية حول القدس والانتخابات، أو في تبديد أية شكوك بجدية القيادة الفلسطينية في الذهاب إلى الانتخابات، وعلى قاعدة مقولة القائد الفلسطيني أبو عمار "شاء من شاء وأبى من أبى".
فكلنا يعلم أن الدول الاوروبية لا تملك من أمرها شيئا لإجبار إسرائيل على السماح بإجراء الانتخابات في القدس، حتى ولو جرت بصيغتها المقلصة جدا كما جرت في الانتخابات السابقة 1996 و2006.
وكلنا يعلم أن إسرائيل لا تريد لهذه الانتخابات أن تتم، لأنه ليس من مصلحتها أن ينتج عن هذه الانتخابات واقع جديد يوفر إمكانيات عملية لإنهاء الانقسام البغيض وإعادة توحيد الجغرافيا الفلسطينية وتجديد الشرعية الفلسطينية، حتى لو نجم عنها عودة العديد من الوجوه القديمة.
وكلنا يعلم أن الإدارة الأميركية هي القوة الوحيدة التي يمكن أن تضغط على إسرائيل، ولكنها وهي تخوض الآن حوارها مع إيران من اجل تجديد التزامها في الاتفاق النووي ليست في وارد الضغط على إسرائيل، وهي، كما أعلنت ليست معنية أصلا، جرت الانتخابات أو لم تجر، فالموضوع الفلسطيني لا يزال في آخر سلم اهتماماتها حاليا. واكتفت بتقديم بعض الدعم المالي، وباقي الأمور التي وعد بها بايدن في حملته الانتخابية، لم تغادر الادراج.
وكلنا يعلم أن الصراع الدائر الآن حول القدس يتركز، كما اعلنت لجنة الانتخابات المركزية منذ يومين، حول حق 6300 مقدسي لتمكينهم من التصويت عبر إيداع ظروف بريدية تتضمن تصويتهم في الستة مراكز بريدية الموجودة في القدس الشرقية، وهو ما تنتظر السلطة الفلسطينية موافقة إسرائيل عليه، ولا يبدو أن إسرائيل ستعطي السلطة الفلسطينية هذه الموافقة على هذه المسألة الجزئية جدا والشكلية جدا، طالما أنها باتت عقب أخيل، تُمكن إسرائيل من التحكم بالقرار حول الانتخابات، سلبا أو إيجابا. وخطورة هذه المسألة، إذا تمت، ستتكرس كسابقة تعزز من السيطرة الإسرائيلية على القدس.
أما باقي المقدسيين والبالغ عددهم 150000 ناخب، فقد حددت لهم لجنة الانتخابات المركزية 11 مركز اقتراع في مواقع مختلفة في محافظة القدس. وحق المقدسيين في الترشح للانتخابات مصان بحكم تواجد العدد الواسع من المقدسيين في القوائم الـ 36 التي تقدمت للانتخابات.
وإذا صدقت المعلومات التي تقول ان الأوربيين تقدموا ببعض الحلول العملية كبديل عن تصويت ال6300 مقدسي في مراكز البريد بوضع صناديق اقتراع للتصويت في قنصليات الدول الأوروبية في القدس، فإن هذا الحل العملي قد يشكل مخرجا يمكن البناء عليه، ومن الخطأ رفضه أو تجاهله.
أما ادعاء البعض أن أي مس بحرية المقدسيين في المشاركة في الانتخابات، مهما كان بسيطا وشكليا، يحمل في طياته ما يعني الموافقة الفلسطينية على "صفقة القرن" الترمبية، فهو مهزلة، ومضحك فعلا.
قضية القدس، كما يدرك الجميع، وكما عشناها طيلة السنين الماضية، هي أكبر وأسمى من أن نختزلها في هذه المسألة الجزئية، على أهميتها ورمزيتها، لأن القدس شكلت ولا تزال تشكل، العنوان الأكبر لمعاركنا الكبرى ضد الاحتلال الإسرائيلي في كل المراحل النضالية، قبل وبعد اوسلو. ونصرة القدس والنضال من أجل الحفاظ على فلسطينيتها وعروبتها، له أشكال ومجالات نضالية وعملية عديدة، ليس بالشعارات الرنانة، ولكن بالبرامج العملية ورصد الميزانيات التي تدعم صمود أهل القدس، وبناء الأداة الوطنية الموحدة والقادرة، التي تجعل من القدس عنوانا وأرضا لمعركة حقيقية ونواة صلبة ضد الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين وكل من يساندهم.
وقبل أن أختم أتساءل، كما يتساءل كثيرون، من هم هؤلاء (أفراد وأطراف) الذين يتصدرون المشهد فلسطينيا ويدفعون بعدم إجراء الانتخابات، بذريعة القدس أو غيرها. أليسوا هم الخائفون من احتمال فقدانهم مواقعهم وامتيازاتهم كنتيجة محتملة لهذه الانتخابات إذا تمت.
وقبل أن أختم أيضا، لا بد من القول إن هذه الانتخابات إذا تأجلت وتم التراجع عنها، بالطريقة التي يجري الحديث عنها حاليا، سيكون لها تبعات وتداعيات خطيرة على مستقبل وآفاق حركة النضال الفلسطيني، وهو أمر لا بد من أخذه بعين الاعتبار، أما إذا تمت، وهو ما أرجوه واتمناه، وجرت بالحماسة التي عبرت عنها أوساط شعبية عديدة، شبابية وغيرها، ومن مكونات اجتماعية مختلفة، سيكون لها العديد من التداعيات الايجابية، وستعزز الشرعية الفلسطينية، وتكسبها زخما ومصداقية، سواء على الصعيد الدولي أو الإقليمي.
قد لا تكون الانتخابات الحالية، إذا تمت، الانتخابات المثالية التي نتمناها، وقد لا ينتج عنها الكثير الذي نأمله، وقد تأتي بواقع جديد، ربما لا يرضي البعض، أو الكثير من المواطنين الذين بنوا آمالا كثيرة عليها، ولكنها المدخل لرمي حجر كبير في مياه البركة الراكدة، وتكريس مبدأ التغيير الديمقراطي، باعتباره الوسيلة الأنجع لإحداث التغيير الذي ننشده كمواطنين، والذي قد لا يتم كما نأمل الآن، ولكنه يشق الطريق نحو مستقبل أفضل.
إنني على ثقة، بالرغم من أي نتائج قد تسفر عنها هذه الانتخابات، إذا جرت، فإن تجربة انتخابات 2006 لن تتكرر، لان الاستقطاب الثنائي الذي عشناه بعد انتخابات 2006، وتداعياته المأساوية على حياتنا ومسارنا النضالي ضد الاحتلال، سيتكسَّر وستنشأ قوى جديدة وإن كانت لاتزال جنينية ومحدودة التأثير حاليا، ولكنها ستنمو وستتطور عبر زج قوى شابة جديدة وحيوية، تشق طريقها نحو الحياة والمستقبل بقوة.

اخر الأخبار