أي مصر؟

تابعنا على:   10:28 2013-11-07

هشام ملحم

"تضطلع مصر بدور محوري في القيادة السياسية والثقافية والاقتصادية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا".
جون كيري

ما قاله كيري في الثالث من الشهر الجاري في القاهرة، صحيح، لكنه متأخر قرابة نصف قرن. هكذا كانت مصر خلال معظم حقبة ما بين الحربين العالميتين، والى حد ما حتى هزيمة 1967. في العقود الاخيرة نجح العسكر والاسلاميون في تدمير الكوسموبوليتية التي جعلت القاهرة والاسكندرية (وبيروت ودمشق وبغداد القديمة) مدناً عريقة تتفاعل فيها فسيفساء بشرية غنية بتنوعها الثقافي والاتني والديني حوّلها مراكز ثقافية تنتج الادب والفنون والموسيقى على خلفية أنظمة تعليم ليبرالية الى حد ما، وفي مناخ سياسي لم يكن ديموقراطياً بالمعنى الكامل لكنه كان منفتحاً متنوراً الى حد كبير. طبعا، من الضروري ألا نتعامل مع هذه الحقبة "الليبرالية" برومانسية لا تعترف بأننا نقصد الى حد كبير نخباً مدينية كانت تعيش بمنأى عن ريف أو "داخل" لم يكن ينعم بما تنعم به هذه المدن. لكن احتلال الريف لهذه المدن لاحقاً، حوّلها أيضاً أرضاً يباساً أو "ريّفها" في ظل العسكر والإسلام السياسي.
إذا سألنا هل لدى مصر اليوم أفضل جامعة أو مختبر أو صحيفة أو إذاعة أو فضائية أو مستشفى أو دار نشر أو مركز أبحاث في العالم العربي، فإن الجواب الصريح المؤلم للمصريين (ولجيلي من العرب الذين تربّوا على عطاءات مصر) هو قطعاً لا. تأثير مصر اليوم محدود أو حتى معدوم في لبنان وسوريا أو العراق، ولا ثقل استراتيجياً لموازنة إسرائيل وإيران وتركيا. تأثير مصر حتى على غزة محدود. مصر حتى لا تسيطر كلياً على سيناء، وهي محبطة في تعاملها مع خطط اثيوبيا لبناء سد على النيل يمكن أن يؤثّر جذرياً على نوعية الحياة فيها.
هذه الحقيقة المرّة تبدو نافرة لدى مقارنتها بالوطنية المفرطة Hyper-Nationalism التي عصفت بمصر بعد إطاحة الرئيس مرسي والإخوان والتي لها انعكاسات نابية على دولة ضرورية لعافية مصر مثل أميركا، وتنعكس أيضاً على المعاملة السيئة للفلسطينيين فيها، أو السوريين الذين لجأوا اليها من جحيم بشّار الأسد. هذه الوطنية لن تلغي حقيقة كون الاقتصاد المصري غير قابل للحياة من دون مساعدات أو هبات خارجية، وأن مصر التي كانت تعتبر مصدراً لاستقرار المنطقة، يمكن أن تصير مصدراً للاضطرابات من سيناء. مصر التي انفتحت على طروحات طه حسين وعلي عبد الرزاق وسلامة موسى وعانقت أدب نجيب محفوظ، لا تستطيع أن تتحمل سخرية باسم يوسف؟ المصريون يرفضون الاعتراف بهذه الحقائق ومعالجتها، والى أن يفعلوا ذلك، لن تبدأ مصر باستعادة مكانتها السابقة.

عن النهار اللبنانية

اخر الأخبار