في تمجيد المراوغة..«النهضة» التونسية مثالاًً!
محمد خروب
«ليس لدينا أي اسم نقترحه ما عدا المستيري».. هكذا قال زعيم حزب حركة النهضة التونسي راشد الغنوشي، مُطْلِقاً رصاصة الرحمة على حوار وطني لم يكتب له النجاح، رغم كل المحاولات التي بذلها الراعي الرباعي وعلى رأسه الاتحاد العام التونسي للشغل (يرأسه حسين العباسي)، بعد ان نجح الاخير (في اطار الراعي الرباعي) بإقناع الغنوشي وعلي العريّض (رئيس الحكومة) بتقديم تعهد خطيّ كانت تشترطه المعارضة لاستقالة حكومته خلال ثلاثة اسابيع من بدء الحوار ووفق الجداول الزمنية المقترحة للحوار والذي كان يُتوقع ان يخرج بقانون انتخابي جديد وجدول محدد للانتخابات، وإطلاق عملية تبني الدستور الجديد الذي لم يرَ النور رغم مرور عامين على عمل اللجنة المولجة كتابته.
دخلت تونس مأزقها الاكبر الذي قد يأخذها الى اوضاع اكثر تأزما وخطورة بعد ان لم يعد احد ينكر وجود الجماعات السلفية الجهادية المسلحة، كلاعب في المشهد التونسي المحتقن الراهن، حيث غدا جبل الشعانبي بمثابة تورا بورا الافغانية ولا يختلف خطاب جماعة انصار الشريعة عن ذاك الذي يتبناه تنظيم القاعدة وخصوصاً في وصف قوات الامن والجيش «بالطواغيت» ناهيك عن تكفير المجتمع وهدر دم العلمانيين وخصوصا اولئك الذين لا يوافقونهم قناعاتهم على النحو الذي رأيناه في اغتيال شكري بلعيد وخصوصا عضو المجلس التأسيسي محمد البراهمي في تموز الماضي، والذي كان بمثابة «الصاعق» الذي فجّر الاوضاع في تونس، وادخلها في نقطة اللاعودة.. بمعنى رفض المعارضة الرضوخ لأجندة الترويكا الحاكمة التي تتحكم بها حركة النهضة وتدير من ورائها اجندتها الخاصة التي اثارت غضب المعارضة واجبرتها بالتالي عن سحب اعضائها ال(60) من المجلس التأسيسي (الذي انتهت مدته اصلاً وبالتالي لم تعد له شرعية رغم ان المعارضة ومع بدء الحوار اعادت اعضائها الى المجلس لاستكمال جدول اعماله)..
الطرفان في خنادق متواجهة وخيارات الوسيط الرباعي، الذي اضطر لتعليق الحوار.. باتت محدودة, بعد انكشاف لعبة المراوغة التي لجأت اليها حركة النهضة، اثر اضطرارها الى تقديم تعهد باستقالة حكومة علي العريّض قبل نهاية الشهر الجاري, ما يعني أن المسألة لا تكمن في شخص المستيري (88 عاماً) الرجل الذي شكك هو نفسه في قدرته على ممارسة «المهمة» التي يصر الغنوشي على تكليفه اياها, رافضاً أي اسم اخر تقترحه المعارضة، وخصوصاً أن تشكيلات المعارضة لم تقف موقفاً متشدداً وقاطعاً بالنسبة للمرشح الذي طرحته وهو محمد الناصر، بل اقترحت اكثر من ستة مرشحين ولم يجد هؤلاء غير «لا» كبيرة من الغنوشي والعريّض وباقي اعضاء الترويكا الديكورية التي اخترعتها «النهضة» كي تطبق خطتها في التحكم بمفاصل الدولة التونسية, متذرعة بوجود رئيس جمهورية «ليبرالي» وآخر نصّبته رئيساً للبرلمان «المؤقت» رغم تواضع تأثيره «ونوابه» في الفضاء التونسي العام..
أين من هنا؟
ثمة شائعات تروّج بأن الراعي الرباعي وهم بالاضافة الى الاتحاد العام التونسي للشغل, الرابطة التونسية لحقوق الانسان ونقابة المحامين واتحاد الغرف الصناعية والتجارية, يستعد لـ(فرض) مرشح لرئاسة حكومة الكفاءات الجديدة ومن خارج الاسماء التي تداولها طرفا الازمة, الامر الذي قد يترتب عليه انفجار الاوضاع في تونس على نحو شامل، وبخاصة اذا ما رُفض الاسم المقترح من قِبَلِ واحد من طرفي الأزمة (النهضة او جبهة الانقاذ التي تضم غالبية الاحزاب والحركات المعارضة) اضافة بالطبع الى ما قد يترتب على لجوء المعارضة الى «الشارع» وتصعيد اجراءات المقاطعة والعزل وإعلان العصيان المدني كخطوة اخيرة اذا لم تنجح المظاهرات والاحتجاجات في انزال الغنوشي والعريض عن الشجرة العالية التي تسلقاها والعناد الذي ابدياه تجاه اي مرشح يتخطى الرجل الطاعن في السن (احمد المستيري) الذي يدرك التوانسة ليس فقط قربه (السياسي والفكري) من حركة النهضة وانما ايضاً في انه سيكون واجهة (حتى لا نقول دمية) في يد النهضة على نحو يُسقط مفهوم «الكفاءة» عن حكومة تسمى الكفاءات، ويبقى الغنوشي واعوانه «يقودوها» من الخلف كي يضمنوا لأنفسهم انتخابات برلمانية وفق قياسهم وعقدها سيهتفون للديمقراطية وصناديق الاقتراع التي جاءت بهم تماماً، كما فعل اخوان مصر عندما اوصلوا محمد مرسي الى سدة الحكم بعد ان تحكموا في انتخابات مجلس الشعب والشورى وفصّلوا الدستور على مقاسهم ووفق اهوائهم..
بقي السؤال الاخطر... ماذا لو انضم الراعي الرباعي الى احزاب المعارضة ونزل بجماهيره (وخصوصاً الاتحاد العام للشغل) الى.. الشارع؟
اسألوا راشد الغنوشي..
عن الراي الاردنية