صحيفة: أزمة إسرائيل في غياب "القامات" السياسية

تابعنا على:   11:24 2021-04-08

أمد/ تل أبيب: المقربون من الرئيس الإسرائيلي، رؤوبين رفلين، يؤكدون أن قراره إسناد مهمة تكليف رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، مرة أخرى، بتشكيل الحكومة المقبلة، كان أصعب قرار سياسي وأخلاقي يتخذه في حياته. ويمكننا أن نصدقه، فهو لا يرى فقط أن هذا هو أفضل القرارات السيئة، بل يشعر بأنه أجبر عليه. وفقا لتقرير نشره نظير مجلي في صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية.

وهم يقولون صراحة إنه ما كان يريد أن يسجل في تاريخه أنه سلم مقود رئاسة الحكومة إلى رجل يمثل أمام القضاء في ثلاث تهم خطيرة بالفساد. وما كان يحب أن يتيح لنتنياهو أن يتولى مهمة كهذه، بعد ساعات قليلة من ظهوره أمام الرأي العام وهو يهاجم النيابة، ويهدد القضاة الذين يحاكمونه. وليس هذا فقط، بل إنه يعد نتيجة الانتخابات الأخيرة قد عبرت عن رغبة غالبية المواطنين في إسرائيل في ألا يكون نتنياهو رئيساً للحكومة. فالأحزاب التي رفعت شعار إسقاط نتنياهو حصلت على 64 مقعداً، من مجموع 120 مقعداً في الكنيست، لكنها قامت بأداء سياسي سيئ جعلها تدفع رفلين إلى أن يقدم هذه الهدية لنتنياهو.

لقد تكلم رفلين بألم شديد عن هذا القرار. وبعد ساعات من إعلان قراره، ظهر أمام الكنيست (البرلمان)، في جلسته الأولى بعد ظهر أمس، وتحدث عن «أزمة سياسية خطيرة تهدد الحصانة القومية لإسرائيل». وقال إن إسرائيل تحتاج إلى قادة يدركون الأخطار، ويتصرفون على أساسها. لكن أقواله لم تهز أولئك الذين تسببوا في هذا الوضع، وهم -في الواقع- غالبية النواب.

في معسكر اليمين، أوصى 52 نائباً بتكليف نتنياهو، بقناعة آيديولوجية وانتهازية واضحة، وهم: نواب الليكود أولاً الذين يسيرون وراء نتنياهو بشكل أعمى. وحتى من يتذمر منه، ويرى أن عهده يجب أن ينتهي، وأن حساباته الشخصية هي التي تتغلب على حساباته الوطنية، لا يجرؤ على التعبير عن هذا الموقف. ومعه الأحزاب الدينية، واثنان من رؤسائها متورطان في قضايا فساد، ويقفان إلى جانب نتنياهو ضد الجهاز القضائي. وهناك تكتل أحزاب اليمين المتطرف (الصهيونية الدينية) الذي يعود الفضل لنتنياهو بالعمل الحثيث على توحيدهم في قائمة واحدة، وكان في لقاءاته مع المستوطنين في المناطق الفلسطينية المحتلة يخير الجمهور بين أن يصوت لليكود أو لهذا التكتل. وقد خصص لهم مقعداً مضموناً في قائمة الليكود، على حساب أحد نوابه. لذلك، فقد ضمن نتنياهو هذا التكتل قبل الانتخابات.

صحيح أن هذا المعسكر يتحمل مسؤولية أساسية في استمرار نتنياهو في الحكم، إلا أنه من الصعب انتقاد قادته، فهم في خندق واحد مع نتنياهو بكل ما تعنيه الكلمة، سياسياً وأخلاقياً.

في المقابل، فإن «معسكر تغيير نتنياهو» الذي حصل على أكثرية 64 مقعداً بهدف التغيير أقدم على كل ما يمكن من تصرفات تمنع التغيير، ومنح نتنياهو هدية من السماء لمحاولة تشكيل الحكومة. وعندما نقول: تمنع التغيير، فالحديث يجري عن منع أي تغيير، وليس فقط نتنياهو، فقد كان بإمكانهم أن يسقطوا نتنياهو، وأن يسيطروا على الكنيست، وينتخبوا رئيساً جديداً له من طرفهم، وأن يترأسوا لجنة النظام التي تتمتع بصلاحيات وضع نظام عمل الكنيست وجدول أبحاثها.

والسبب يتلخص في كلمة من ثلاثة حروف: «أنا». فقد اختلف قادة أحزاب المعسكر المناهض حول أمور ضيقة تنحصر في المصالح الذاتية للحزب أو لقائده، وبدا واضحاً أن الثقة فيما بينهم معدومة. ففي هذا المعسكر، يوجد مرشحان اثنان لرئاسة الحكومة: يائير لبيد رئيس حزب «يوجد مستقبل» الذي حصل على 17 مقعداً، والثاني نفتالي بنيت رئيس تحالف أحزاب اليمين «يمينا» الذي حصل على 7 مقاعد.

وقد وضع بنيت شرطاً بأن يترأس «حكومة التغيير»، ولبيد وافق وعرض عليه تقاسم رئاسة الحكومة، ومنحه فرصة أن يتولى الرئاسة في النصف الأول من الدورة، لكن لبيد اشترط أن يتعهد بنيت بألا يسرق التكليف، ويذهب للتفاهم مع نتنياهو من وراء ظهره، مشترطاً التعهد بألا يشارك في حكومة مع نتنياهو، فرفض بنيت، وقام كل منهما بالتوصية لدى رئيس الدولة بنفسه.

وكان بالإمكان أن يتنازل لبيد مؤقتاً عن بنيت، ويشكل تحالفاً يوصي عليه من 56 نائباً، ويفوز بالتكليف، إلا أن حزب «أمل جديد»، بقيادة غدعون ساعر، رفض التوصية بلبيد، خشية أن يعاقبه معسكر اليمين في الانتخابات المقبلة لو أوصى على مرشح «الوسط واليسار».

وليس هو وحده، فقد امتنعت القائمة المشتركة للأحزاب العربية عن ترشيحه، وأبلغت رفلين بأنها لا توصي بأي منهما لأنها لا تضمن ألا تكون هناك حكومة يمينية. كما أن الحركة الإسلامية امتنعت عن التوصية بأحد، فهي تميل إلى التحالف مع نتنياهو، مع أنه يعجز عن إقناع حلفائه بذلك.

وهكذا، فإن من رفعوا شعار التغيير فشلوا في أول اختبار لهم. وبدلاً من التغيير، منحوا نتنياهو هدية الاستمرار في الحكم. وحتى لو فشل في تشكيل الحكومة، ودفع نحو انتخابات جديدة، سيبقى رئيس حكومة لشهور مقبلة. وبهذه السلوكيات، يظهر في إسرائيل عمق الأزمة السياسية، وخطورة أزمة القيادة. ففي إسرائيل لا يوجد قادة سياسيون ذوو قامة.

كلمات دلالية

اخر الأخبار