إحياء الذكرى الـ(80) للراحل "محمود درويش" بمركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية

تابعنا على:   12:29 2021-03-17

أمد/ القاهرة: نظم مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية، محاضرة بعنوان «الذكرى الثمانون لمحمود درويش.. سنوات القاهرة»، بمقر المركز بجاردن سيتي، وذلك ضمن برنامج دراسات القوى الناعمة.

وبدأ الكاتب السياسي أحمد المسلماني، قائلا: المركز معني بقضايا الفكر أو الثقافة سواء في مصر أو في العالم، ولذلك نظمنا أكثر من ندوة في هذا الإطار ضمن برنامج دراسات القوى الناعة وقد احتفينا بالشاعر الكبير عبدالرحمن الشرقاوي، وقبل أسبوع نظمن ندوة بمناسبة مرور 200 سنة على الأديب الروسي دوستوفيسكي، ونحتفل اليوم بالشاعر محمود درويش، كبير شعراء فلسطين وأحد أكابر الشعراء العرب، وقد كان لي لقاء مع محمود درويش في أحد فنادق القاهرة بحضور بغض القيادات الفلسطينة واستمر اللقاء نحو 3 ساعات واعتبرها مقابلة تاريخية مع شاعر كبير من كبار الشعراء في القرن العشرين.

وتابع المسلماني: ومن ضمن الاحتفال أيضا الاحتفال بإطلاق كتاب «محمود درويش في القاهرة.. المتن المجهول» للكاتب الصحفي الصديق سيد محمود، وهو تحقيق استقصائي طويل يروي سنوات محمود درويش في مصر، ومشيدا تابع: والكتاب على درجة عالية من التمحيص والتدقيق والمستوى الرفيع من الكتابة، وعبر السرد الرائع يكشف الكاتب كثير من الجوانب غير المعروفة للبعض، وقدم المسلماني كذلك رحب بالدكتور الكاتب محمد خالد، مختص بالتاريخ والحضارة بجامعة الأزهر، والذي أدار الاحتفالية.

وتوجه سيد محمود بالشكر إلى أحمد المسلماني، لاهتمامه بالقوى الناعمة، قائلا: أنها واحدة من أدوات التصنيف والامتيازات بين الدول، وهناك إجماع أن مصر تمتلك رصيدا من الثقافة والفكر الفنون، وفي التصنيف الحالي فرموز الثقافة المصرية هم أرصدة حضارية.

متابعا: هذه أول ندوة عن الكتاب، وأدهشني شكل استقبال الكتاب رغم ارتفاع سعره، لأن الناشر لبناني، مؤكدا أن تجربة محمود درويش في مصر تجربة مهمة جدا تؤكد على كفاءة الدولة المصرية في توظيف القوة الناعمة.

محمود درويش لما كان يقرأ شعر في مصر كانت الشوارع بتتقفل

وقال سيد محمود: «محمود درويش لما كان يقرأ شعر في الجامعة الأمريكية أو في دار الأوبرا في مصر كانت الشوارع بتتقفل حرفيا، وكان لي الحظ أن أجري حوار معه في بداية تجربتي المهنية، رغم أنه مُقل في إجراءات اللقاءات الصحفية، لأنه كان ممثلا للقضية الفلسطينة، ونشر في صحيفة (الحياة) لدولية، وبفضل هذا اللقاء اطمأن لي وبعدها تواصل معي يبدي إعجابه بدقة الحوار كما كان كريما معي، وبفضل ذلك أجريت معه عدة حوارات فيما بعد خلال زيارته لمصر».

وعن بدايات فكرة الكتاب تابع: «في 2003 بمناسبة احتفال مرور 20 سنة على رحيل أمل دنقل، بمكتبة الإسكندرية، وكان حدثا مهما، عقب الاحتفاء بأمل دنقل في القاهرة، وسألني وقتها عن المسرح الروماني في الإسكندرية، فسألته عن السبب فقال إنه عاش لمدة سنتين في مصر في السبعينات، فقلت له لماذا لم تكتب عن فترة إقامتك في القاهرة، رغم أنك كتبت عن إقامتك في بيروت وفي تونس، فابتسم، وقال إنه غادر مصر بسرعة ولم يكن لديه متسع من الوقت لجمع المقالات، وقال لي إنه كما كنت أعمل صحفيا في الأهرام، ولفتت نظرى المفارقة أني أعمل في الأهرام أيضا».

وأكمل: «فقلت له سأجمع المقالات، لكني لاحظت أنه لا يرغب في الاستفاضة، وظلت الفكرة في ذهني لسنوات طويلة، حتى بعد لقاءاتي معه في أكثر من عاصمة، وبعدها انشغلت في عدة قضايا، ثم تحدث سيد محمود عن كواليس عدد كبير من لقاءاته بمحمود درويش، قائلا: وبعد رحيله وفي 2018 بعد 10 سنوات على رحيله، لكني أحسست أني بحاجة إلى عمل الكتاب باعتباره وصية».

بدايات العمل على الكتاب

قال سيد محمود: «هو كان يحكي عن فترة 1972، فبدأت البحث في دار الكتب، فوجدت بعض الإشارات، وتذكرت قوله أنه كان موظفا في الأهرام، وفتشتت في شؤون العاملين، فعرفت أن الأهرام لا تعين غير المصريين، إلا أن الأستاذ هيكل كان يجد صيغة للعمل بمكافأة بأجر، فوجدت كشف مجلة (الطليعة) وكانت أحد منابر اليسار الذي فتحته الدولة في الستينات، وجدت شيىئا مدهشا، ووجدت كذلك إيصالات باسمه محمود سليم درويش، ووجدت قرارا وتوصية من محمد حسنين هيكل بتعيين محمود درويش محررا في مركز الأهرام للدراسات الفلسطينة بمرتب 140 جنيها، وهذا الرقم كان ضخما آنذاك».

وتابع أنه ومن هنا بدأ السؤال كيف جاء محمود درويش إلى مصر وهو فى سن الـ29 عاما، وعدت إلى الوراء في الأرشيفات مرة، إلى أن وصلت إلى سنة النكسة، وعبر هذه الرحلة وجدت أن مجلة «الهلال» كانت مهتمة بشعراء الأراضي المحتلة، فوجدت مقالا للكاتب الكبير غسان كنفاني في «المصور»، عقب النكسة، يبشر بموهبة كبيرة اسمها محمود درويش، ثم وجدت مقالا لرجاء النقاش، وكان رئيس تحرير الكواكب وعمل حلقات عن ظواهر شعرية كبيرة، ثم وجدت قصائد منشورة لمحمود درويش باعتباره الشاعر السجين، ثم وجدت مقالا: انقذوا الشاعر السجين في سجون إسرائيل، ووجدت خطابا يؤسس للتعامل مع محمود درويش كحالة منفردة عن باقي شعراء الأرض المحتلة.

ولفت سيد محمود: «ولكن أهم حدث وقتها أن الأستاذ كامل الزهيري كان رئيس تحرير (الهلال) ناشر ديوان لمحمود درويش في المجلة، بمقدمة طويلة، بل إن رجاء النقاش تفرغ لأعداد طويلة للكتابة عن محمود درويش، كما كتب رجاء النقاش وقتها أول كتاب عن الشاعر وبشر به».

وذهب محمود درويش قبل مجيئه إلى مصر للدراسة في موسكو لمرتين وكانت موسكو وقتها على علاقة جيدة بالعرب، وفي موسكو التقى السفير المصري مراد غالب، والذي كان يميل إلى مجالسة الشعراء والمثقفين، موضحا أن وقتها «اتخلقت فكرة وجود محمود درويش في مصر».

وأشار إلى تزامن ذلك مع زيارة أحمد بهاء الدين إلى موسكو لمدة شهر، كتب مقالا عن الزيارة وكان رئيس تحرير المصور، وتحدث عن محمود درويش وأشاد بها إشادة واسعة بعد لقائهما في موسكو، ومن خلال اللقاء أشار محمود درويش إلى أنه لا يعرف إلى أين يذهب بعد موسكو، ومما كتبه أحمد بهاء الدين «الشاب ده ممكن يروح فين»، وبعد أسبوع كان محمود درويش في مصر، بتدبير سايسي كبير من الدولة بكل أجهزتها لاستضافة محمود درويش.

وصل مصر في احتفال مهيب، في فبراير 1971، واستقبلته أجهزة الدولة في رحلة لمشاهدة الآثار، ثم بعد عودته من رحلة الآثار تم عمل مؤتمر صحفي وتم الإعلان أن محمود درويش سيعمل محللا في إذاعة صوت العرب، ولأن أحمد بهاء الدين قابله من قبل، فأوصله للعمل في دار الهلال، موضحا أن وقتها القومية العربية والقضية والفلسطينة كانت تشغل الرأي العام، وتشكل 90% من اهتمامات أحمد بهاء الدين، وقتها نظم بهاء الدين احتفال العيد ميلاد الـ30 لمحمود درويش، وعرفه على كبار الكتاب منهم يوسف إدريس وغيره.

وتابع أنه وخلال 3 أشهر وفرت الدولة المصرية شقة للشاعر الفلسطيني في جاردن سيتي، وعمل في صوت العرب ودار الهلال، لكن بعدها بفترة السادات سجن معظم هؤلاء الذين استقبلوه، وحدث له حالة من انعدام التوازن، «أحمد بهاء الدين نقله السادات إلى روزاليوسف، وحسب اعتقادي أن بهاء الدين هو من قدم محمود درويش لهيكل لتعيينه في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، وكان المركز مخصصا في الصراع العربي الإسرائيلي، وكان محمود درويش أصبح حرا في التحرك خارج مصر، ومن هنا عمل في مجلة الطليعة مع مجموعة كبيرة من النقاد، وكان مسؤولا عن قسم الشعر، كما كتب مجموعة من المقالات المهمة عن الصراع العربي الإسرائيلي».

لماذا غادر محمود درويش مصر.

يقول سيد محمود: «أتصور أنه ترك القاهرة لعدة أسباب منها أنه جاء إليه عرض عمل جيد في بيروت، ولأنه أيضا رأى أن السادات سيتعامل مع القضية الفلسطينة بشكل مختلف، كما بدأ يقابل نوعا من الخطاب الإعلامي الذي ينتقد وجوده في مصر للحديث عن النضال الفلسطيني، كما أصبح موضوعا للتهكم والمناوشات من الحركة الثقافية المصرية وأصبحت توجه إليه الأسئلة: هل تناضل لأجل فلسطين من مصر؟، وهو ما أزعجه، خاصة أنه شخص لا يحب الفضاءات الشعبوية، ومن هنا ذهب إلى بيروت».

ويؤكد: «محمود درويش عُرف في مصر سياسيا، لكن أؤكد أنه صناعة مصرية، وهذا لا يعني أنه لم يكن موهبا، ولكن هو أن مصر خلقت لموهبته مناخا ساد على ازدهاره، كما أنه جاء في ظرف سياسي معقد، وكانت الدولة لديها أزمة في علاقة «صوت العرب» مع الناس بعد النكسة، وكانت مصر بحاجة أن تعيد تأثيرها الإعلامي داخل مجتمع الفلسطينيين، وبالتالي كان اختيار محمود درويش اختيارا سياسيا بالأساس، لذلك كان اختياره للعمل في «صوت العرب» ولم يكن اختيارا جزافيا، بل دولة كاملة تعمل لهذا الهدف، وكتب العديد من النصوص في مصر وطور تجربته في هذه الفترة، ثم ذهب إلى بيروت شاعرا مكتملا».

البوم الصور

اخر الأخبار