"كلنا إخوة".. رسائل ومحطات البابا فرنسيس خلال زيارته التاريخية للعراق

تابعنا على:   23:30 2021-03-07

أمد/ بغداد: اختتم البابا فرانسيس، مساء الأحد، جدول أعمال زيارته التاريخية إلى العراق، التي بدأها الجمعة الماضي، وشملت مناطق في 5 محافظات، هي بغداد والنجف وذي قار ونينوى وأربيل. 

وتعد هذه الزيارة الأولى من نوعها في تاريخ العراق، والأولى للبابا إلى الخارج منذ بدء جائحة كورونا.

رسالة البابا التي جاءت تحت عنوان "كلنا إخوة"، كانت محور هذه الزيارة، حيث يصلي ويطلب من الكل الوقوف على أرضية حوار أساسها روح الأخوة، مؤكداً الحاجة إلى التعايش السلمي، لذا تعتبر زيارته للعراق ذات طابع ديني وإنساني.

"أرض عانت لأعوام كثيرة"

وقال البابا في تصريحات موجزة للصحافيين على متن الطائرة التي أقلعت به إلى بغداد "يسرني القيام بزيارات من جديد" في إشارة إلى جائحة كورونا التي منعته من السفر.

وأضاف في تصريحاته "إنها زيارة رمزية وواجب تجاه أرض عانت لأعوام كثيرة". ثم وضع كمامة وحيا الصحافيين دون أن يصافحهم باليد.

وقبيل الساعة الثانية ظهر يوم الجمعة، حطت طائرة بابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية في مطار بغداد، لتبدأ زيارته التاريخية.

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي كان في طليعة المستقبلين للبابا فرنسيس وسط ترحيب وفعاليات فنية وفلكورية، أضفت مزيدا من الترحاب.

بعدها تحرك موكب البابا يتقدمه رتل من الدراجات والسيارات نحو قصر بغداد الرئاسي، حيث كان ينتظره رئيس الجمهورية فؤاد معصوم وجمع من القوى السياسية والحكومية في العراق.

وفور وصول البابا فرانسيس عزف النشيد الوطني وسار الحبر الأعظم جنباً إلى الرئيس العراقي وصولاً إلى باحة القصر.

هدية ثمينة

الرئيس العراقي صالح قدم هدية وصفت بالثمينة والنادرة للبابا فرنسيس، وهي عبارة عن منحوتة تشكل نسخة مصغرة للوحة "درب الصليب" التي حفرها أحد أشهر نحاتي العراق على جدار كنيسة بغدادية، وصنعت خصيصاً على شرف الحبر الأعظم.

بعدها، ألقى بابا الكنيسة الكاثوليكية كلمة أمام أكثر من 150 شخصية سياسية، أكد فيها أهمية تعزيز الحوار والبناء والحفاظ على حقوق المكونات، وضرورة البدء بتلك الخطوات من قبل القوى السياسية العراقية، مشدداً بالقول "فلتصمت الأسلحة".

كنيسة "سيدة النجاة"

بعدها توجه البابا فرنسيس إلى كاتدرائية "سيدة النجاة" بمنطقة الكرادة وسط بغداد، وسط احتفاء عالٍ من قبل أبناء المكون المسيحي، الذين حضروا لتأدية القداس مع بابا الكنيسة الكاثوليكية.

وتوجه البابا من الكاتدرائية التي استهدفت في 2010 باعتداء تخللتها عملية احتجاز رهائن، انتهت بمقتل 53 شخصا، بكلمة إلى المسيحيين قائلا: "نجتمع اليوم في كاتدرائية سيدة النجاة لنتبارك فيها بدماء إخوتنا وأخواتنا الذين دفعوا هنا ثمن أمانتهم للرب غاليًا".

ليلة في بغداد

ووسط إجراءات أمنية مشددة تحيط بالموكب البابوي، مكث البابا فرنسيس ليمكث ليلته في القصر الرئاسي ببغداد، ليستكمل رحلته التاريخية في اليوم التالي.

وفي صباح السبت، كانت طائرة البابا فرنسيس قد وصلت إلى مدينة النجف للقاء المرجع الديني علي السيستاني، فيما بدت المدينة القديمة القريبة من ضريح الإمام علي، تتزين بالصور ولافتات التآخي بين المكونين المسيحي والإسلامي استعدادا للزيارة.

وبكلمات ترحيب متبادلة، جاء لقاء بابا الكنيسة الكاثوليكية والمرجع الديني الأعلى في النجف، والذي استمر نحو 55 دقيقة، تناول خلالها الجانبان آليات نشر المحبة والتعايش والتصالح بين كافة المكونات والقوميات والإثنيات.

صلاة الأديان

وعقب انتهاء الزيارة، كانت طائرة البابا استعدت للإقلاع نحو قاعدة الإمام علي الجوية في ذي قار، القريبة من مدينة أور التاريخية التي كانت المحطة الثانية في برنامج زيارته السبت.

وبعد وصول البابا فرنسيس كان جمع من مختلف الديانات ينتظر عند المبنى التاريخي "بيت النبي إبراهيم" لإقامة صلاة موحدة تجمع بين شتى أنواع المذاهب والقوميات .

وفي كلمة للحبر الأعظم بعد انتهاء القداس، أكد فيها أنه "لن يكون هناك سلام من دون التعايش السلمي وبدون أناس يساعد بعضهم بعضا".

مناسبة وطنية

في تلك الأثناء أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يوم السادس من مارس/آذار من كل عام، يوما وطنيا للتسامح والتعايش في العراق، بمناسبة لقاء بابا الكنيسة الكاثوليكية المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني.

وأضاف الكاظمي، في تغريدة عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، مساء يوم، السبت، بـ"مناسبة اللقاء التاريخي بين قطبي السلام والتسامح، سماحة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، وقداسة البابا فرنسيس، ولقاء الأديان في مدينة أور التاريخية، نعلن عن تسمية يوم السادس من مارس من كل عام يوماً وطنياً للتسامح والتعايش في العراق".

وأصدر مكتب المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني بياناً تحدث فيه عن اللقاء الذي جمعه بالبابا فرنسيس.

ودار الحديث، حسب البيان، حول التحديات الكبيرة التي تواجه الإنسانيةَ في هذا العصر، وأهمية الالتزام بالقيم الأخلاقية السامية في التغلب عليها.

وتحدث السيستاني خلال اللقاء عن معاناة شعوب المنطقة من الحروب وأعمال العنف، والحصار الاقتصادي وعمليات التهجير، ولا سيما الشعب الفلسطيني، حسب ما ذكر البيان.

كما أكد السيستاني على اهتمامه بأن يعيش المواطنون المسيحيون كسائر العراقيين في أمن وسلام وبكامل حقوقهم الدستورية.

قداس "مار يوسف"

وعند مساء يوم السبت، عاد بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى العاصمة بغداد، وزار كاتدرائية "مار يوسف" في منطقة الكرادة بالعاصمة بغداد؛ التي شهدت إقامة قداس بحضور كبير للقسيسين والكهنة، فضلا عن عدد من المسؤولين الحكوميين بينهم رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي.

ودعا قداسة البابا فرنسيس من "مار يوسف"، أبناء المكون المسيحي في العراق إلى "البقاء في هذه البلاد والتشبث بالأرض"، مؤكداً أن "البشر سواسية عند الله وعلى الجميع العمل من أجل الوحدة".

بابا الفاتيكان في الأراضي المحررة من داعش

قام البابا فرنسيس، يوم الأحد، بزيارة إلى الموصل التي كانت يوماً ما معقلاً لتنظيم داعش.

وقدّم بابا الفاتيكان في كنيسة حوش البيعة في الموصل صلاة لمتضرري الحرب في الموصل. وقال البابا من الموصل إن "التناقص المأساوي" بأعداد مسيحيي الشرق الأوسط "ضرر جسيم لا يمكن تقديره".

وبينما زغردت النساء وأُطلق سراح حمامة بيضاء، في إشارة إلى السلام، افتتح البابا فرانسيس نصبًا تذكاريًا للموتى. وصلّى "من أجل ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة"، مؤكداً أن "الرجاء أقوى من الموت، والسلام أقوى من الحرب".

وقال البابا في كلمته يوم الأحد من الموصل "إنها لقسوة شديدة أن تكون هذه البلاد، مهد الحضارات قد تعرّضت لمثل هذه العاصفة اللاإنسانية، التي دمّرت دور العبادة القديمة"، مضيفاً "آلاف الآلاف من الناس، مسلمين ومسيحيين وأيزيديين وغيرهم هجروا بالقوة أو قتلوا".

ووصل البابا إلى الكنيسة التي دُمرت في 2017 خلال المعركة لطرد تنظيم داعش من المدينة، بسيارة مصفحة. وكان البابا قد نُقل بطائرة هليكوبتر من مدينة أربيل القريبة إلى الموصل، في اليوم الثالث والأخير من زيارته التاريخية للعراق. ورافقت مروحيته خمس مروحيات عسكرية عراقية.

وبعد زيارته لكنيسة "حوش البيعة"، وصل بابا الفاتيكان إلى بلدة قرقوش التي دمّرها تنظيم داعش في العام 2014، حيث التقى بمسيحيي سهل نينوى، بعد تحرير المنطقة من داعش.

واستقبل موكبه بترحيب كبير من مسيحيين عادوا إلى بلدتهم بعد ثلاث سنوات من التهجير، وقد حملوا سعف النخيل وارتدوا ملابس تقليدية. وأدى البابا صلاة بكنيسة في قرقوش تم ترميمها خصيصاً لزيارته.

وحاول البابا فرنسيس، بلسمة جراح أبناء بلدة قرقوش التي وقف سكّانها على جوانب الطرق، حاملين سعف النخيل وأغصان الزيتون، ترحيبا بالزائر غير العادي، فيما رفع صليب عند مدخل البلدة.

وترأس البابا صلاة على أرواح "ضحايا الحرب" في منطقة كانت مسرحا لانتهاكات تنظيم داعش قبل سنوات قليلة، وتحدث آسفا في كلمة ألقاها عن "التناقص المأساوي" لأعداد المسيحيين في الشرق الأوسط.

وفي اليوم الأخير من زيارته التاريخية للعراق التي تتم وسط إجراءات أمنية مشددة، قال البابا قبل أن يبدأ الصلاة قرب أنقاض كنيسة الطاهرة السريانية الكاثوليكية القديمة والمدمرة، "هذا التناقص المأساوي في أعداد تلاميذ المسيح، هنا وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط إنما هو ضرر جسيم لا يمكن تقديره".

وأضاف "ليس فقط للأشخاص والجماعات المعنية، بل للمجتمع نفسه الذي تركوه وراءهم". 

أربيل .. آخر المحطات

في اليوم الثالث من زيارته التاريخية، أحيا البابا أكبر قُدّاس له في أربيل، وهو النشاط الديني الأخير له بعد صلوات أقامها في الموصل.

وتم القداس في ملعب في أربيل بحضور آلاف المصلين. وفيما يتسع هذا الملعب لعشرين ألف شخص، إلا أنه لم يمتلئ تماماً بالحضور، على خلفية تفشي وباء كوفيد-19، في وقت لا يزال العراق بالمراحل الأولى من حملة التلقيح ضد الفيروس، علماً أن البابا نفسه قد تلقى لقاحاً.

وقد أغلقت أربيل منافذها مع محافظتي نينوى وكركوك قبيل وصول البابا فرانسيس.

وتحمل هذه المحطة من زيارة البابا فرنسيس للعراق أهمية كبرى، لا سيما أن محافظة نينوى، وعاصمتها الموصل، تشكّل مركز الطائفة المسيحية في العراق، وتعرّضت كنائسُها وأديرتها التاريخية لدمار كبير على يد التنظيم المتطرف.

وألقى البابا كلمة في القدس، قال فيها إن "في العراق كثيرين ممن يحملون جراح العنف"، مضيفا: "يجب أن يكون قلبنا نقيا وطاهرا من الأكاذيب والنفاق".  

وتابع: "نحن بحاجة أن نزيل من قلوبنا الطمع بالسلطة، بينما يعاني إخوتنا وأخواتنا"، مخاطبا العراقيين بالقول: "صبركم هو الذي جعلني أحج إلى العراق".  

 وشدد البابا فرانسيس على أن الإرهاب يسيء للأديان كافة، واصفا العداء والتطرف والعنف بخيانة للدين.

كما وصف الإرهاب بأنه يستغل الدين، مضيفا: "نحن من يجب أن نمنع من يستغله كغطاء، لأن الإرهاب والعنف لا يأتيان من الدين".

وقال: "العداء والتطرف والعنف لا تولد من قلب ديني، إنها خيانة للدين. نحن المؤمنين لا يمكن أن نصمت عندما يسيء الإرهاب إلى الدين. في الواقع، نحن مدعوون بشكل لا لبس فيه لتبديد سوء الفهم. دعونا لا نسمح بأن تطغى غيوم الكراهية على نور السماء. تجمعت غيوم الإرهاب والحرب والعنف القاتمة فوق هذا البلد. عانت كل طوائفه العرقية والدينية".

وأضاف: "سأغادر إلى روما لكن العراق باق في قلبي دائما"، مؤكدا على ضرورة نشر السلام، والتعاون من أجل خدمة الصالح العام.

وغادر البابا أربيل متوجها إلى العاصمة بغداد بعد انتهاء آخر محطة في زيارته، والتي تمثلت بإقامة قداس كبير حضره الآلاف في ملعب فرانسوا حريري.

من جانبه، قدم المتحدث باسم اللجنة المنظمة لزيارة البابا، أحمد الصحاف، الشكر لجميع الجهات الوطنية التي ساهمت في إنجاح الزيارة، قائلا في مؤتمر صحافي: "باختتام اليوم الثالث من جدول زيارة البابا فرنسيس إلى العراق، نتقدم بالشكر الجزيل للجهات الوطنية المساهمة في إنجاح الزيارة، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وحكومة كردستان واللجان الفرعية وفرق المراسم في رئاسة الجمهورية والوزراء".   

وقدم شكره أيضا لـ"الجهود الإعلامية والخدمية والقطاعية وفرق المتابعة والدعم اللوجستي، والقوات الأمنية، على مشاركتهم في إنجاح الزيارة". 

وبعد اختتام جدول زيارته إلى العراق قال البابا فرنسيس في تغريدة على موقع "تويتر": "اليوم أستطيع أن أرى وألمس لمس اليد أن الكنيسة في العراق حية، وأن المسيح حي ويعمل في شعبه المقدس والمؤمن". 

 

اخر الأخبار