المفارقة السياسية قبيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية 2021

تابعنا على:   22:43 2021-03-01

تامر سلامة

أمد/ مع بقاء ما يقل عن ثلاثة أشهر من بدء الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثالثة في منتصف شهر مايو المقبل، أصبح الشارع الفلسطيني يتساءل عن وجهته الانتخابية واختياراته المستقبلية بعد خوض تجربتين فقط منذ إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1993، والتي تمثلت بتجربة حكم السلطة الممثلة بحركة فتح حتى عام 2006، ثم تلاها تجربة الانقسام الفلسطيني المرير الذي تمثل بحكم قطاع غزة من قبل حركة حماس، واستمرار حكم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.

والآن في الوقت الذي تقوم فيه الأحزاب والفصائل الفلسطينية والمستقلين بتجهيز قوائمها الانتخابية، والإعداد للدعاية الانتخابية الرسمية، التي بدأت بشكل غير رسمي بالفعل عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة من قبل جميع الأطراف، يجد المواطن الفلسطيني المثقل بأعباء الانقسام السياسي والاحتلال الصهيوني المستمر ومشاكل الحياة المتلاحقة نفسه يقف حائراً ومتفرجاً على المشهد المهيب لتجربة انتخابية قادمة يمكن أن تحدد مصيره ومصير عائلته المستقبلية، وخاصة فئة الشباب التي تم تهميشها بشكل كبير وواسع النطاق خلال السنوات العشر الماضية، وأخص بالذكر هنا شباب قطاع غزة.

ومع تباين الآراء ووجهات النظر التي يمكن سماعها في السيارات والشوارع والجلسات المنزلية الأسرية والجامعات، نستطيع أن نلاحظ حالة من الوعي السياسي الممزوج بالحزبية والخوف وبعض الشك أحيانا من نجاعة المشاركة في الانتخابات، حيث أن المتابع للحالة الفلسطينية يمكنه أن يشخص حالة الكبت السياسي التي بدأت في الانفجار عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ الإعلان عن المرسوم الرئاسي الفلسطيني المتعلق بالانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني منتصف شهر يناير الماضي.

كما أن تسارع الأحداث وإعلان العديد من الفصائل عن رغبتها في المشاركة في الانتخابات الفلسطينية المقبلة، سواء كانت فصائل وأحزاب يمينية تعتبر مشاركتها حتمية مثل حركتي فتح وحماس، نجد تصدراً للمشهد للتيار الإصلاحي الديمقراطي في حركة فتح وخاصة بين فئة الشباب التي ترى فيه مستقبلاً أفضل لها بعد سنوات من الحرمان السياسي والترهل المعيشي والسياسي كالذي طرأ على العديد من فصائل الفلسطينية الأخرى التي هيمنت على الساحة السياسية منذ سنوات طويلة، كحركتي فتح وحماس وتنظيمات اليسار الفلسطيني ذات المواقف المتباينة وغير المفهومة والمرفوضة في كثير من الأحيان حتى من قبل أعضائها وأنصارها.

ففي الحقيقة، وبعيداً عن التوجهات الأيديولوجية والهرطقة الإعلامية والشعارات الرنانة التي لم يعد أحد يلقي لها بالاً، أثبت ظهور التيار الإصلاحي الديمقراطي على الساحة الفلسطينية مؤخراً أنه يمكن أن يمثل حالتي اليمين واليسار في إطار حزبي جماهيري معارض وصلب، يحتضن الفئات الشبابية ويدعم صمود الشعب المثقل بعذابات الفقر والانقسام ولا يتغافل عن موضوع المقاومة أيضا كونه لديه جناح عسكري مثل باقي الفصائل الفلسطينية الأخرى.

والجدير بالذكر أن حالة الازدواجية المعيارية الأيديولوجية التي مثلها التيار الإصلاحي الديمقراطي، لفتت أنظار العديد من الشباب المثقف والواعي سياسياً، والذي يستطيع أن يرى هذه المفارقة التي لم يطرأ مثلها على المشهد الفلسطيني من قبل، حيث أن كونه تيارا إصلاحياً لحركة فتح، يجعله حزبا سياسيا ليبراليا يمينيا من حيث المبدأ، وفي المقابل نجده يصطف إلى جانب الجماهير الفلسطينية المسحوقة و الفئات الشبابية العاطلة عن العمل والعمال والكادحين مقدما لهم يد المساعدة، ويمارس الديمقراطية البحتة في التعامل بين هيئاته الداخلية ورأس هرمه المتمثل بالنائب الفلسطيني و القيادي الفتحاوي محمد دحلان، وهي صفات يفترض تواجدها ضمن الأحزاب اليسارية والديمقراطية التقدمية.

فعند إجراء مقارنات واسعة على المستوى الفكري-التطبيقي، أي ارتهان الفعل بالفكر والعكس صحيح، يمكن أن نجد أن حركتي فتح وحماس، اللتان تمثلان اليمين الفلسطيني الرئيسي، تمارسان الديكتاتورية البحتة والقمع السياسي لكل ما هو ضدهما حتى وإن كان من قبل موظفيهما أو عناصرهما أو حتى مناصريهم.

أما بالنسبة للأحزاب اليسارية الممثلة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية وغيرها من أحزاب منظمة التحرير الأخرى، فقد ابتعدت كل البعد عن تركيبتها الأيديولوجية وباتت أقرب لليمين و الجهة الحاكمة أيما كانت، وتناست مبادئ الديمقراطية و الاصطفاف إلى جانب الجماهير حتى في تعامل قادتها مع قواعدها الحزبية كعناصر ومجرد أرقام للفائدة الشخصية، الأمر الذي أصبح واضحا وضوح الشمس التي لا تغطى بغربال التصريحات المزينة بالصبغة التاريخية والوطنية والشعارات التي عفا عليها الزمن .

وبهذا، على الرغم من أن التيار الإصلاحي الديمقراطي لحركة فتح، يعتبر تنظيما هامشيا في العديد من النشرات الإخبارية بجانب حركتي فتح وحماس، وأنه حديث العمر نسبيا مقارنا بالأحزاب الفلسطينية التاريخية الأخرى، إلا أنه امتداد لحركة فتح وقد نجح في غرس جذور قوية وعميقة لدى الشارع الفلسطيني، حيث أنه آثر الفائدة الجماهيرية ومصلحة الجماهير على المصلحة السياسية الشخصية لنفسه "كحزب أو تنظيم"، واهتم بمشاكل الشباب الفلسطيني المرهق بالبطالة وموظفي السلطة الفلسطينية الذين قطعت رواتبهم بسبب التقارير الكيدية و انتمائهم الحزبي المناهض للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبالعديد من معتقلي الرأي والسياسيين الذين تم اعتقالهم في قطاع غزة من قبل حكومة حماس، وقدم العديد من المساعدات التي استطاع استجلابها من الخارج من دول عربية مثل الإمارات العربية المتحدة أو غيرها لخدمة الشارع الفلسطيني.

وكرد على العديد من المزايدات التي يتراشق بها بعض نشطاء التواصل الاجتماعي من الأطراف المختلفة، وخاصة فيما يتعلق بالتيار الإصلاحي الديمقراطي بسبب تمويله من قبل الإمارات العربية المتحدة، فالأجدر أن لا يتم التغاضي عن أن باقي الفصائل و الأحزاب الفلسطينية بمختلف أطيافها السياسية وتوجهاتها الفكرية تتلقى الدعم المالي من مختلف بقاع الأرض بداية من قطر والإمارات العربية المتحدة و الدول الغربية ووصولا إلى تركيا وإيران، لذلك لا يحق لأحد أن يزاود على أحد من باب الدعم المالي الخارجي، حيث أنه يجب المزاودة في هذا الباب حول الوجهة التي يتم صرف أموال المساعدات تلك فيها.

وفي الختام، فإن هذه المفارقات الكبيرة التي يراها جميع أطياف شعبنا الفلسطيني، سواء أكان معارضا أو مناصرا للتيار الديمقراطي الإصلاحي لحركة فتح، فهو لا يستطيع إنكارها بلا شك، والتي يمكن الارتكاز عليها وجعلها معيارا في انتخاب الطرف الأحق بثقة وقيادة الجماهير الفلسطينية في المرحلة السياسية والحياتية المقبلة لما بعد انتخابات شهر مايو، مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل الأخرى مثل الظروف المعيشية الحياتية ومستقبل القضية الفلسطينية والمشاركة الديمقراطية الشعبية في صنع القرار عند الإدلاء بالأصوات.

اخر الأخبار