الأوضاع الفلسطينية بين لحظة الحقيقة والفرصة الأخيرة

تابعنا على:   12:14 2021-01-27

اللواء محمد إبراهيم الدويري

أمد/ أعتقد أن كل من يتعامل مع القضية الفلسطينية ويتابع تطوراتها يجد أن هناك تعبيرات دارجة فى أدبيات هذه القضية فى ماضيها وحاضرها ، وبالتحديد هناك تعبيرين رئيسيين يتم إستخدامهما بصفة دائمة وهما الفرصة الضائعة والفرصة الأخيرة ، وبرغم قناعتى أن الفلسطينيين يتحملون قدراً من المسئولية فيما وصل إليه الوضع الفلسطينى الحالى لاسيما حالة الإنقسام الكارثى الذى يوازى فى رأيى نكبة 48 ، إلا أنه من الإنصاف القول أن الفلسطينيين لم يضيعوا أية فرصة حقيقية لإقامة دولتهم المستقلة حيث أن كافة المبادرات التى قدمت إليهم لم ترق إلى مستوى طموحاتهم فيما عدا مبادرة السلام العربية المطروحة منذ أكثر من عشرين عاماً التى لم تجد حتى الآن أية فرصة للتسويق أو التنفيذ ولازالت حبيسة الأدراج .

أما تعبير الفرصة الأخيرة حتى وإن كان يعد توصيفاً غير منطقى عندما نتحدث عن قضية تجاوز عمرها أكثر من نصف قرن ولا نعلم متى تنتهى ، إلا أننى أجد نفسى هذه المرة مقتنعاً بأن المرحلة المقبلة التى ستشهد محاولة إعادة البعث للوضع الفلسطينى والإنتقال إلى مرحلة أفضل تكاد تكون بلا مبالغة هى الفرصة الأخيرة أو الفرصة الثمينة للخروج من الأنفاق الفلسطينية المظلمة إذا أحسن الفلسطينيون إستغلالها وقبضوا عليها بالنواجز .

هناك ثلاثة أسئلة منطقية تطرح نفسها هنا ويطرحها أيضاً الكثيرون ولابد من الوصول إلى إجابات عليها وهى تتمثل فى الآتى : 

السؤال الأول: ما هى طبيعة هذه الفرصة التى نتحدث عنها ؟ وهل بالفعل يمكن إعتبارها بمثابة الفرصة الأخيرة للفلسطينيين ؟

السؤال الثانى : هل يمكن إستثمار هذه الفرصة  ؟ وكيف يمكن أن تحقيق ذلك ؟ وماهى أدوات التحرك الممكنة ؟ .

السؤال الثالث: ماهى التداعيات التى يمكن أن تترتب على ضياع هذه الفرصة ؟ وهل يمكن أن تكون هناك فرصاً أفضل فى المستقبل ؟ أم أن البوصلة سوف تضيع وعلينا أن ننتظر عقوداً أخرى ونترك القضية للأجيال القادمة ؟ .

بداية يجب أن نوضح أهم المحددات التى تتسم بها طبيعة الوضع الفلسطينى الراهن على المستويين الداخلى والخارجى وهى فى رأيى لا تصب فى صالح الموقف الفلسطينى حالياً أومستقبلاً ، ويمكن توضيح هذه المحددات فيما يلى:

إستمرار الإنقسام الفلسطينى الذى بدأ فى منتصف عام 2007 أى منذ حولى عقد ونصف ولا توجد حتى الآن دلائل ملموسة على إمكانية تحقيق المصالحة وإنهاء هذا الإنقسام الكارثى . 

توقف تام للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية منذ إبريل 2014 أى أنه لم يحدث أى تحريك من أى نوع فى عملية السلام خلال هذه السنوات الطويلة بل إستثمرت إسرائيل هذه الفترة فى تنفيذ مزيد من مخططاتها الإستيطانية ولاسيما تهويد القدس ورسم مسار الضم المتدرج لأجزاء كبيرة من الضفة الغربية . 

قيام الولايات المتحدة خلال فترة حكم الإدارة الجمهورية السابقة إلى الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس وهو أمر من الصعب أن تعود عنه الإدارة الديمقراطية الجديدة رغم أنها ستتراجع فعلياً عن قرارات أخرى خاطئة إتخذها الرئيس السابق ترمب تتعلق بوضعية السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير . 

توقيع إسرائيل إتفاقات تطبيع مع كل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب وهى كلها تأتى فى إطار العلاقات الثنائية بعيداً عن أية علاقة مباشرة من شأنها أن تدفع القضية الفلسطينية للأمام .

عدم قدرة الدول العربية على بلورة رؤية  واقعية تدفع من خلالها المجتمع الدولى وتجذبه إلى التدخل الفعال ومحاولة التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية .

إستمرار تولى الحكومات الإسرائيلية المتشددة التى تتعامل مع القضية الفلسطينية بالشكل الذى يسقط أية إمكانية قد تؤدى إلى قيام دولة فلسطينية طبقاً للرؤية العربية والفلسطينية .

إذن فإن تقييم الموقف الحالى يقودنا إلى نتيجة واحدة وهى أن القضية الفلسطينية تتزايد تعقيداتها على المستويين الداخلى والخارجى وتتضائل فرص الحل بمرور الوقت , ومن ناحية أخرى فإن إسرائيل تواصل تحقيق مزيدأ من المزايا والمكاسب لصالحها وتتجه حكوماتها الإئتلافية إلى مزيد من  التطرف ، كما أنها لم تقدم أى تنازل من أى نوع مقابل إتفاقات التطبيع التى وقعتها مع بعض الدول العربية . 

وقد شهدت الساحة السياسية مؤخراً متغيرين رئيسيين فى قمة الأهمية لابد من البدء بإستثمارهما بالشكل الملائم الذى يحقق فى النهاية المصالح الفلسطينية وهذين المتغيرين هما:

المتغير الأول : أن هناك إدارة أمريكية ديمقراطية جديدة لديها رؤية مغايرة لحل القضية الفلسطينية تختلف بشكل كبير عن رؤية إدارة الرئيس ترمب التى طرحت ما يسمى بصفقة القرن المرفوضة والمجحفة تماماً بالحقوق الفلسطينية وتقضى على أية آمال لإقامة الدولة المستقلة .

المتغير الثانى : إصدار الرئيس أبو مازن مرسوماً رئاسياً يوم 15 يناير  الجارى بإجراء الإنتخابات التشريعية فى مايو المقبل ثم الإنتخابات الرئاسية فى يوليو ثم إنتخابات المجلس الوطنى فى أغسطس 2021.

إذن فالظروف الحالية أصبحت مهيأة لنقل الموقف الفلسطينى إلى وضع أفضل ، والسؤال هنا كيف يمكن أن نستثمر هذين المتغيرين ونعتبرهما بمثابة الفرصة الأخيرة لصالح الموقفين الفلسطينى والعربى ونتعامل مع هذا الوضع الجديد بكل جدية ومصداقية وشفافية دون تأخير أو تأجيل ، وهو ما يتطلب التحرك خلال المرحلة المقبلة على مستويين رئيسيين الأول على مستوى الإدارة الأمريكية الجديدة والثانى على مستوى الداخل الفلسطينى . 

بالنسبة للتحرك مع الإدارة الأمريكية الجديدة فإن المطلوب بداية ألا تكون هناك مبالغات فلسطينية وعربية فى إمكانية حدوث تغييرات حادة فى الموقف الأمريكى تجاه القضية الفلسطينية على الأقل قبل إنتهاء الإنتخابات الإسرائيلية المزمعة فى مارس القادم ، ومن ثم أرى أن يتم التعامل مع واشنطن فى الإطار التالي:

إعادة التواصل الفلسطينى مع مسئولى الإدارة الأمريكية الجديدة وإنهاء القطيعة السياسية التى كانت بين السلطة الفلسطينية وإدارة ترمب .

إمتلاك الموقفين الفلسطينى والعربى رؤية سياسية لحل القضية الفلسطينية تكون قاعدة لحوار موضوعى مع الإدارة الجديدة التى لديها خبرة جيدة فى التعامل مع هذه القضية ، على أن تشمل هذه الرؤية الحدود الدنيا والقصوى للموقف الفلسطينى حتى يكون الحوار مثمراً ويؤدى إلى نتائج إيجابية .

إيجاد تفاهمات مشتركة مع الإدارة الجديدة للوصول إلى أكبر قدر من التوافق بين الجانبين فى إطار مبدأ حل الدولتين الذى تؤمن به إدارة الرئيس بايدن ، مع ضرورة الإبتعاد قدر المستطاع عن المواقف الخلافية أو تلك التى لن تستطيع واشنطن تنفيذها أو الإلتزام بها .

القبول المبدئى بإستئناف التفاوض مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة وأية أطراف أخرى متوافق عليها وذلك على قاعدة تنفيذ حل الدولتين مع الإتفاق على آليات العملية التفاوضية .

أما فيما يتعلق بالموقف الفلسطينى الداخلى فمن الضرورى مراعاة أهم المبادئ التالية:

يحب أن يدرك الفلسطينيون أن الوضع الحالى لا يمكن أن يستمرإلى ما لانهاية حيث أنه يزيد من تعقيد المشكلة ويؤدى إلى تباعد حلم الدولة الفلسطينية لاسيما فى ظل الظروف الإقليمية والدولية الحالية .

ضرورة توافر الإرادة السياسية لدى كافة الأطياف الفلسطينية بأنه لابد من تضافر جهود الجميع من أجل تغيير الوضع الراهن إلى الأفضل .

أهمية أن تسير الأمور فى طريق إجراء الإنتخابات التى حددها المرسوم الرئاسى الفلسطينى وأن تجرى فى مناخ من الحرية والشفافية بعيداً عن العنف والتشكيك والتخوين مع أهمية توفير المناخ العام الملائم لها .

ضرورة أن يكون كافة المرشحين على مختلف مستوياتهم على قناعة بأن الإنتخابات لا تمنح أياً منهم أو أياً من الفائزين أية مميزات خاصة سواء للأفراد أو القوائم وإنما هى مسئولية وخطوة ضرورية للإنتقال لمرحلة أفضل ، كما يجب على الجميع أن يكونوا على قناعة بأنه لا مزايا لأحد منهم والجميع يرزخ تحت الإحتلال الإسرائيلى .

ضرورة أن تعلو كافة الفصائل والتنظيمات فوق الأمور الحزبية وأن يكون كل التركيز – فى ظل المنافسة الشريفة – على مصلحة الوطن فقط وليس مصلحة التنظيم وهذه هى المسئولية العليا التى يجب أن يتحملها ويتحلى بها الجميع . 

أهمية أن تشهد الإنتخابات أكبر قدر من المشاركة من الناخبين خاصة من الشباب وهؤلاء هم القادرين على رسم صورة المرحلة القادمة .

ضرورة قبول الجميع بنتائج الإنتخابات أياً كانت فلا يوجد أحد فوق القانون أو فوق إرادة الشعب.

ومع التسليم بأن الوصول إلى المصالحة الفلسطينية وإنهاء الإنقسام يعد أمراً صعب التحقيق قبل الإنتخابات رغم أنه أمل يراود الجميع ، إلا أن الواقع يقتضى أن يتم الإتفاق على كافة الأمور المرتبطة بسيناريو المصالحة خلال حوار الفصائل المزمع عقده قريباً حتى يمكن وضع هذا السيناريو موضع التنفيذ فور إنتهاء الإنتخابات ، كما لا يجب ربط مستقبل المصالحة بطبيعة النتائج المتوقعة .

وفى نفس الوقت يجب أن يشهد الحوار الفلسطينى المرتقب أكبر قدر من التوافق ونبذ الخلافات الجوهرية بين التنظيمات والفصائل وهذه هى أهم خطوة لإنجاح الإنتخابات ، كما يجب ألا تظهر هذه الحوارات وكأنها ترجمة لأية إنشقاقات أو خلافات ، وفى رأيى أنه لابديل عن نجاح هذه الحوارات بل ومن غير المقبول تماماً وتحت أية ظروف أن تفشل وتلك هى مسئولية كل من يتولى منصباً رسمياً أو ينضوى تحت لواء مؤسسة أو حركة أو فصيل أو تنظيم فلسطينى .

وفى ضوء ما سبق فبالرغم من أن الفلسطينيين لا يمتلكون فى أيديهم كل الأدوات اللازمة لإقامة الدولة الفلسطينية التى يحلمون بها وبإذن الله سيصلون إليها ، إلا أنه من المؤكد أنهم يمتلكون وحدهم القدرة على إعادة ترتيب البيت الفلسطينى بالشكل الذى يؤسس لمرحلة سياسية جديدة من المؤكد أن آثارها الإيجابية سوف تمتد لعملية السلام وللوضع الفلسطينى ككل .

ومن المؤكد أن الجميع الفلسطينى وخاصة كل من يتولى منصباً رسمياً أو تنظيمياً يتحمل مسئولية الإنتقال إلى وضع أفضل من خلال ثلاثة خطوات وهى إجراء الإنتخابات وإنهاء الإنقسام ودفع عملية السلام بدعم مصرى وعربى ، وإذا كانت الفترة الأخيرة قد أوضحت بصورة لا تقبل الشك أن كل الدول تتحرك طبقاً لمصالحها ، إذن يجب على الفلسطينيين أن تكون تحركاتهم فى هذا الإطار بحثاً عن مصالح وطنهم فقط التى سوف تنتهى بإقامة دولتهم المستقلة . وفى النهاية إذا لم يستثمر الفلسطينيون هذه الفرصة التى يمكن أن تكون الأخيرة فسوف يكونوا مسئولين أمام الله عز وجل وأمام الأجيال القادمة التى سيكون حكمها عليهم قاسياً إذا ضاعت هذه الفرصة التى قد لا تتكرر ، وبالتالى فالمطلوب الآن أن نبدأ تنفيذ خطة التحركات الفلسطينية والعربية ، ودعونا نسارع الخطى نحو المستقبل بضمير ووعى ومسئولية وجدية ومصداقية بعيداً عن أية مناورات أو مزايدات أو تحقيق مصالح شخصية أو حزبية ثم نرى ماذا يمكن أن تحمله المرحلة القادمة من تطورات والتى ستكون أفضل كثيراً إذا ما أحسنا التحرك .

اخر الأخبار