ولي كبد مقروحة من يعيرني بها كبدا ليست بذات قروح 

تابعنا على:   22:54 2021-01-20

ا.د محمد صالح الشنطي

أمد/ بداية أتمثّل قول أبي فراس الحمداني وأبدّل فيه بما يناسب المقام: 

أنا مقهور وعندي لوعة       ومن كان مثلي لا يطاع له أمر 

قضيتان تؤرّقاني في المسألة الوطنية الخاصة بالوضع الفلسطيني: الأولى تتعلق بأولئك الحيارى الذين يطلق عليهم وصف العالقين على جانبي معبر رفح، وفيهم المرضى بأمراض مستعصية وخطيرة والعجزة من الشيوخ والأطفال والنساء، أغلبهم ذهبوا إلى مصر للاستشفاء - ومصر أم الدنيا التي طالما اتّسع صدرها للغرباء والعلماء والدارسين والوافدين والضّيفان من كل أقطار العروبة - وقد تقطّعت بهم السبل وشحّ المال في أيديهم ومع افتقارهم إلى ما يقيم أودهم فقدوا الرجاء والأمل أو كادوا، ولا من يعيرهم أدنى اهتمام، صمت الجميع إعلاما ومعنيين بالأمر من ذوي النهي والأمر، وإني لأعجب – والله - من هذا الصمت الكسول؛ بل والمريب أيضا، إخواننا في غزة ممن بيدهم مقاليد السلطة وإخواننا في رام الله، وهم مسؤولون عن رعاياهم في غزة، ولا أتدخّل في شؤون مصر وهم الطرف الثاني المسؤول وربما كانت لهم أسبابهم ؛ ولكن المسؤولون في السلطة الوطنيّة لا يجوز لهم أن يصمتوا؛ بل لا بد من أن يتدبّروا الأمر مع الإخوة في مصر، وعليهم أن يعلموا أنهم أمناء على مصالح ومقدرات شعبهم فلمَ يصمتون ويتجاهلون هذه المأساة، قدّمت السفارة الفلسطينيّة في مصر – كما تناهى إلى سمعي – بعض المساعدات؛ ولكن هل يكفي ذلك؟ أناشد الإخوة القياديين في رام الله وفي غزة والإعلام الفلسطيني أن يثيروا هذه القضية وأن يجدوا لها حلّا.

أما المسألة الثانية فهي موضوع الانتخابات؛ والتوافق عليها شيء مبشّر، ولكن، هناك ملاحظتان : الأولى تتعلق بحركة فتح، وهي الحركة الوطنية الأم ولا أحد يستطيع المكابرة في هذا الشأن (وأنا مستقلّ ولست أدعي شرف الانتماء لفتح) فلا ينبغي أن تخرج أصوات من هنا وهناك من المنتمين لهذه الحركة العتيدة تجهر بالنصائح والانتقادات عيانا بيانا وكأنّه تشهير مقصود؛ فما ينبغي أن يقال في الاجتماعات الحركية المغلقة لا يجوز أن ينشر على الملأ لأن هناك خصوصية كمن يبوح بأسراره الخاصة فتكون مسيئة له والله أمر بالستر ومعالجة الأمور بلا ضجيج؛ وهنا أشير إلى فيديوهات الأخ نبيل عمر وهو الذي نحترمه وكنا نعتب عليه في بعض الأمور،  وخاصة تلك التي تتعلق بالانتخابات؛ وكأنه يحمّل المسؤولية لحركته في تأخر إجراء هذه الانتخابات، ويشكك في النوايا وينحي باللائمة على القيادة، وهو يقدم فيديوهاته تاركا الأمر لمن يعلّق أو يعقّب دون أن يكلّف نفسه الرّد ؛ وكأني به غير مهتمّ لآراء الغير : قل كلمتك وامضِ، وهذا لا يجوز، عليه أن يردّ على التساؤلات وألا يكتفي برصد هذه التعليقات ويطلّ عليها من برجه العاجي دون أدنى التفاتة ؛ فكل يؤخذ منه ويردّ عليه إلا صاحب هذا القبر (صلى الله عليه وسلم ). 

وأقول لأولئك الذين يرون إشراك تيار فتحاوي انتحى جانبا وأسلم أمره إلى الآخرين، وتم إبعاده بعد كل ما وُسم به من تجاوزات واستغلال للأزمات والأموال وما قيل عن تورطه في أزمات الإقليم واتصالاته المشبوهة مع الغير أنه لا يجوز أن يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، و أن الذين يزعمون أن له ثقله في الساحة، أود أن أذكّر أن مثل هؤلاء الذين يشكّلون طابورا خامسا معروفون في تاريخ الثورات، وليس هناك حركة تحرّر واحدة في العالم لم تشهد انقساما بل واحترابا أيضا ؛ فلا تجوز المزايدة والحرص المزعوم على وحدة الحركة ؛ ولا يجوز لأحد أن ينبري لتصفية حساباته صادقا أو مدّعيا.

إن الانتخابات – في رأيي – لن تحل المشكلة ؛ بل ربما زادتها تعقيدا، فالحرب الإعلامية تمتلك من الأسلحة الدعائية ما يفوق كل ترسانات الأسلحة المادية : وتزييف الوعي على قدم وساق وترسانة الكذب والتضليل مدجّجة بالفيديوهات والنشرات والتعليقات والكلام المقطوع عن سياقه ؛ فضلا عن النوايا المسبقة والمناورات والاتهامات الجاهزة للطّعن في الانتخابات والتدخّلات الدولية والإقليمية ؛ فلا يظنّن أحد أن للانتخابات الكلمة الفصل وأن مجرد إجرائها سينقذنا من هذا الوضع، فما زالت المرحلة مرحلة تحرر وطني؛ وهناك الكثير مما يجب فعله قبل أن نكون جاهزين لديمقراطية حقيقية ؛ ديمقراطية غابة البنادق التي كان يفخر بها القائد الراحل أبو عمار (رحمه الله) كانت في إطار كوكبة من الثوار الذين نذروا أنفسهم لوطنهم، فكان هناك مسوّغ للاطمئنان إلى الطّهر والّنقاء إلى حد ما ؛ أمّا والوطن أشتات وجزر يحيط بها العدو الذي يستولي على الأرض ويستولى على نفوس من باعوا ضمائرهم للشيطان فلا أمان ولا اطمئنان. ولكن لا بد مما ليس منه بدّ. 

اخر الأخبار