إسرائيل: وسياقات أحداث واشنطن

تابعنا على:   19:24 2021-01-08

مصطفى إبراهيم

أمد/ أحداث الكابيتول في واشنطن لم تكن نهاية المشهد الذي شهده الشعب الأمريكي في السنوات الأربع الماضية، بما في ذلك تفاقم الإستقطاب الإجتماعي، فهو حدث تاريخي  سيظل عالقا في إذهان الأمريكيين وجموع البشر في جميع أنحاء العالم، وسوف يلقي بظلال طويلة ومظلمة على كل الذين رؤا في الولايات المتحدة نموذجا لقيم العدل والحرية.

ما جرى يتجاوز بكثير الصراع المعتاد بين الديمقراطيين والجمهوريين ودون استبعاد إمكانية العودة إلى الوضع الذي كانت عليه الولايات المتحدة قبل الرئيس الامركي دونالد ترامب، وفي تعقيد معنى السياسة والديمقراطية، وإرثها عندما أكد الرئيس الأمريكي السادس عشر أبراهام لينكولن عن أن حكومة الشعب، في أيدي الشعب، من أجل الشعب، والمفروض أن يكون هذا كبديهية، وأن أي حكومة منتخبة من الشعب تعمل من أجل الشعب.

كما ان التاريخ يتشكل من قبل قوى متعددة، وليس من قبل رئيس واحد. غير أن ترامب مثل خروجا عن التقاليد الأمريكية، هو رأى الحياة في العالم على أنها صراع أحادي لتحقيق مكاسب تجارية، متجاهلاً فكرة وجود مجتمع من الدول والثقافات ودوره تعزيز الولايات المتحدة وقيادتها.

أجج المشاعر العنصرية بين البيض والسود ورفع لواء الرجل الأبيض بوضوح، ولم يدرك ماذا تعني الامة وأهمية دورها واحترامها لذاتها، وأهان البشر في الولايات المتحدة وخارجها.

ترامب منح كل المتعصبون اليمينيون البيض والأنجليكانيون والحركات العنصرية واليمينية والفاشية والشعبوية والاستعمارية الاستيطانية الحرية في العمل بحرية وتهديد وتدمير العالم، وهذا يوضح حقيقة تهديد الشعبوية وزعزعة قواعد الديمقراطيات، وانتخاب القادة الشعبويين الذين يدعون أنهم يتصرفون نيابة عن الشعب.

وحرب ترامب على مؤسسات إنفاذ القانون والصحافة، وعدم إحترام القانون والقانون الدولي هي حرب صديقه الحميم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وأوجه التشابه بينهما كبيرة في الطريقة التي يهتم بها كلاهما ببقائهما في السلطة، تصرفا كأنهما توأمان سياميان، تجاه سلطة القانون، الكراهية لـ’الدولة العميقة’، التحريض ضد أي أحد ليس في معسكريهما، التحريض الأرعن ضد الصحافة الحرة، نشر نظريات مؤامرة حقيرة في مواقع التواصل الإجتماعي، وتحطيم كامل لقيمة الحقيقة.

تناول أمس الخميس عدد من المحللين الإسرائيليين ما جرى في واشنطن، وتحذيرهم من تكرار المشهد في إسرائيل، وأن تاريخ فصول العنف، والحاضر العنيف الحاصل، وأنه يمكن أن يحصل أسوأ منه بكثير في إسرائيل. وأوجه التشابه بين ترامب ونتنياهو الذي يفعل كل ما بوسعه من أجل إضعاف أجهزة الحكم والقانون، ويرفض منذ أكثر من سنة تعيين مدع عام، وأرجأ تعيين مفتش عام للشرطة بسبب ملفاته الجنائية الشخصية.

واستذكر بعضهم تاريخ العنف والإرهاب الذي مارسته إسرائيل واغتيال رئيس الحكومة ايتسحاك رابين وأجواء التحريض التي مارسها نتنياهو في حينه، وكذلك استعراض عمل تنظيم سري سعى إلى تفجير المسجد الأقصى، وتنفيذ عمليات عنيفة أخرى، ومحاولة اغتيال رئيس بلدية نابلس الاسبق بسام الشكعة وأدت إلى قطع ساقه، ومقتل متظاهر بإلقاء قنبلة خلال مظاهرة لحركة السلام الآن. ومهاجمة المتظاهرين المحتجين على نتنياهة منذ شهور بعننف جسدي وكلامي.

وان ما حصل في واشنطن كاد يحصل في إسرائيل، عندما حاول يائير نتنياهو والصحافي يعقوب بردوغو النشر أن لجنة الانتخابات المركزية سرقت الانتخابات. وفوق كل ذلك، وان إسرائيل سجلت لنفسها فصولا فاخرة من العنف الداخلي الشديد.

وفي مقال للكاتب جال أوحبوسكي نشره على موقع القناة الـ 12 الألكتروني قال فيه: خاض كل من نتنياهو وترامب حربًا ضد وسائل الإعلام، وضد النيابة العامة والمحاكم، على طول الطريق طردوا منحزبهم ومحيطهم كل شخص يعتبر لهم عمود فقري وأساسي. كلاهما يتصرفان كما لو أنهما أباطرة، ناهيك عن العنف، كلاهما لهما أفراد من العائلة يؤثرون عليهما، والأسوأ من ذلك كله، كلاهما على استعداد للقيام بأي مناورة سياسية لإنقاذ أنفسهم من المصير المحدد لهما.

وأضاف، سيقال الكثير عن هذا الحدث، من الواضح أنه لو كانت مظاهرة للسود لقُتل العشرات، ليس من الواضح سبب تعامل الشرطة المحلية بلطف مع هؤلاء المشاغبين، ولن نجري الآن مقارنة بين متظاهري ترامب وشباب التلال، والأهم من ذلك، فشل دونالد ترامب في إحداث انقلاب في أمريكا.

بينما قال المحلل العسكري في موقع "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني، رون بن يشاي، بأنه: ليس فقط المؤسسة السياسية والسلطوية الأميركية ينبغي أن تستخلص وتستوعب العِبر من أحداث أمس في الكونغرس. فزعماء شعبويون وحشود متعصبة، تشعر أنها مظلومة ومنصتة لتغريدات ومقاطع الفيديو التي ينشرونها في الشبكات الاجتماعية ليست موجودة في الولايات المتحدة فقط. ولم يخترعوا في واشنطن سياسيين يؤيدون، من أجل بقائهم ونجاعة سياسية وتملق، زعيما مستبدا يحاول بمساعدتهم النشطة ليّ وإخضاع مؤسسات الحكم الديمقراطي و’حراس العتبة’ لاحتياجاته الشخصية. ولذلك يجدر في إسرائيل أيضاأن ينتبهوا إلى المخاطر الكامنة في المنحدر اللزق الأملس.

وتسائل المحلل القانوني في موقع "واللا" الإلكتروني، باروخ كْرا، "هل تعتقدون حقا أنه هذه قصة أميركية لا يمكن أن تحدث هنا؟ ماذا بالنسبة لوزيرة المواصلات، ميري ريغف، التي تسعى إلى كسب التأييد بين مجموعات عنيفة، وتلتقط صورا مع أعضاء تنظيم عنيف، تجول أعضاؤه في الشوارع حاملين العصي من أجل ضرب متظاهرين ضد السلطة. وماذا بالنسبة لوزير أمن نتنياهو، أمير أوحانا، الذي بعث برسالة تهنئة علنية عبر الفيديو إلى شخص دعا خلال مظاهرة (نجل نتنياهو) يائير نتنياهو إلى الاعتداء جنسيا على القاصرات في اليسار، وعدد لا نهائي من الدعوات إلى استخدام العنف ضد متظاهري ضد نتنياهو.

في ضوء ذلك والجرائم التي ارتكبتها الصهيونية ضد الفلسطنيين ولا تزال ترتكب، والعنف الممارس داخليا لبس من الصعب أن نعرف إلى أين سؤدي هذا التشابه في ظل التنافس بين الليكود ومن على يمينه من الأحزاب اليمينية الدينية والصهيوينة القومية في مجتمع دولة الإحتلال. ولكن من الواضح أن هذا التشابه يكشف السياق التاريخي لدولة الاحتلال والتركيبة الاثنية، وتفشي العنصرية والفاشية والشعبوية التي عززها نتنياهو والعلاقات الاجتماعية، تستحق الدراسة.

كلمات دلالية

اخر الأخبار