غريب على باب الرجَاء

تابعنا على:   17:31 2021-01-06

 جمال عبد الناصر أبو نحل

أمد/ من الأمثال الشعبية المشهورة: "الناس مَخَابر، وليس مظاهر"، ولكن عَامة الناس تنُظر للمظهر، وغالباً لا تعرف الجُوهرْ، وتري الظاَهِر، والمظاَهِر، والمُجَاهر، وتجهل الباطِن، والبواطن، والمَكنُون، وتُشاهد المنشور، وتُبهَر بالوردِ المنثُورْ من المشهُور  خلال الظهُور بالصورة، وبعض الناس ترقب الصورة، وأحداث المسيرة، ولكنها لا تعلم السر، والسَيِِرة، والسَرِيرة، والسيرورة!؛ وقد يري بعضنا من يَسبَحَ بين أمواج البحر، فتحسبهُ مُنتعشاً، ومسروراً، فرِحاً، سعيداً، وقد يكون غريقاً، ويُصارع الموج، لعلهُ ينجو من الموت، مُحاولاً التعلق، ولو بقشة تُنجيهِ من الغرق، ولا مغُيث لهُ، لأن الناظر إليِهِ من بعيد لا يعلم بتلك الحقيقة المُرة!!؛ وبعض الناس يسرحون، وينشدهُونْ من جمال ورونق وروعة، وحلاوة ما يشاهدون مما يُحَقَقهُ بعض الناس من انجازات ثقافية، وعلمية، ومعنوية، وأعمالٍ خيرية، من الحصول على مناصبٍ فخرية هُلامية وهمية شكلية، خيالية!؛ أو المشاركة في مؤتمرات كَلامية، كلها كَأحلامٍ وَرَدِيَة، لا تسمن، ولا تغني من جوع!؛ وبعض المشاهدون، والمتابعُون لأولئك، قد يحسدونهُم على ما يَفعلونهُ، ويحَققونهُ من تلك المظاهر الخلابة، والانجازات البراقة، والمناصب الشكلية، ويرجون أن يكونوا مثلهم من الناس الذي ظاهرهُم  أنجزوا الكثير، ونالوا إعجاب أغلب المُتابعين، من خلال بعض أعمالهِم التي تسرُ الناظرين، وتجعل الناس يغبطونهُم، وآخرون يحسدونهُم، بل ويغتاظون حقداً، وغِلاً من عند أنفُسِهم، ويُقلبون كفاً على كف، ويَقولون يا  ليتنا لنا مثل هؤلاء!؛ أو مثل هذا الانسان، والذي يُشَار لهُ بِالَبنَانْ!؛؛ ولكن الحقيقة التي لا يَعلمُونهَا، ولا يعلمهُا إلا الله الذي يعلم السر، وأخفي، أن هذا  الانسان الذي ينظر له أنهُ عَليٌ جليٌ وغَنِي، وشاهق مرتفع كالجبال الرواسي، وصخر صلب من كافة النواحي، وهو قد يكون ينُوحْ، ولا يَبُوح، بِما في ظُلمةِ الليلٍ البهيم، وحالهُ كالمتهاوي، في الردى من شِدة الوحدةِ، في الغُربة، وما فيها من بعض الدواهي، والبلاوي!؛ وقد يتألم، ولكنهُ لا يتكلم؛ ويُقاسي المآسي، ولكنهُ يبتسم لِلناس لأن معدنهُ الإنساني مَاسي،  ألماسي، مُنَتصِرٌ على كل المآسي، ولا يهتم لِكل المناصب، والكراسي، ومع انبلاج الفجر يصُبح حامداً، ومُتناسي، ونَاسي كل ما مر بهِ في الليل من الأسى، والمآسي؛ ولكنهُ مُجدداً قد يعُودْ فيأخذه الشوق، والنجوى، والسلوي، والحب، والحنين، والأنين في الغربة، وطول الأيام، والشهور، كالدِهُور؛ ومن ثُم في وقت السمر، وليل السهر، لا يجد معهُ أنيس، ولا جَليس، فَيكون، وحيداً، وحيداً،  فيأخذهُ الهوى، والنوى فتغرورق مُقلتيه بالدموع، وينهمر في البكاء، ومَا بِهِ داءٍ، أو عندهُ عزاء!؛ لَكنِهُ قد يمرض فلا يجد من يناوله الدواء، ويجوع فلا يجد من يعُد له العشَاء؛ وقد يعطش فلا يجد من يسقيه، ويَناوله شُربةً، أو جرعة ماء؛ وقد تأخذه سنةٌ من النوم فلا يجد من يضع عليه الغطاء، أو يعد لهُ الطعام الغداء، والعشاء، ولا من يختار لهُ الكساء، وفوق كل ما سبق فَقد يموت غريباً، فلا وداع له من الأقرباء، والأحباء!!. فكم من غريبٍ حالهُ كالغَريق يَلفه الألم لفاً، ويعانقهُ الهُم عنِاقاً، وكأنهُ جزاءً وفاقاً، وتحيط به الأحزان بين الجُدران، وهو هائم بين ذاكرة الأحزان، وكأنها جاءت مرصوصة بإتقان، دون استئذان، وتشتد عليه الوحدة، في ليل الغربة، وتضيق عليهِ الدُنيا، كأنهُ يموت، ووضِعِ في التابوُت!؛ تم يأُذنُ لِلفجر فتنجلي الأسارير، وتبتهِج، فتتجلي، وتتحلى، وتتخلي عما قد فات، في أحلامِ لَيَلِ السُبات، وكأنهُ مات، وقد صار رفُاتْ؛ ومع انبلاج الفجر، تتحلي برفع الأذان وبِذكر ذي الجلال والاكرام، وفي كل ذلك ليس امتهان للغريب المُسافِرْ، بل هو امتحان، ورسالة تقول لكم: يا أيهُا الإنسان سيأتي عليك يومٌ، وزَمان في يوم القيامة، والمحشر؛ حيثُ ستكون فيه عِريان، وتَهَدِيِ من شِّدَةِ الأهُوال كالسكران، وما أنت بسَكَرانْ، ولن يكون يومها معك خدم، ولا حشم، ولا صاحبةً، ولا ولَد، ولا أنيس، ولا جليس، ولا سرير، ولا حرير، ولا نومٌ قرير وقتها، لأميرٍ أو غفير!؛ "من مات قامت قيامتهُ"؛ فَحين تموت سيضع عليك التراب أعز الأبناء، والأصحاب، والأحباب، وسَيلقُون عليك نظرة الوداع قبل الدفن، والغياب، وبعد دهر ستكون نسياً منسياً، ولن يتذكرك ذَاكِرْ شاكر، ومصيرك للنسيانِ سائر!؛ لذلك رُبَما وحشة الغربة، والوحدة هي درس كبير فيه تذكرة، وموعظة أليمة، عظيمة من غير وليمة، وفيها سَكَيِنَةَ لا لطيمة، وكلهُ سوف يمُر، ولن يضر، مهما كان مُرٌ، مرير، كالقمطرير، سيمُرْ، ولن يكون شَر  في القبر لمن كان مؤمن حُرْ مقدامٍ بالبرِ، سفير للخير، وترك خلفهُ طيب الأثرَ حُلوٌ كالثمر.

كلمات دلالية

اخر الأخبار