"كورونا" والأسرى والمطلوب فعله

تابعنا على:   14:33 2021-01-02

عبد الناصر عوني فروانة

أمد/ مضى عام 2020، وانقضى من العمر عام حمل بين طياته الكثير من المحطات الصعبة والأحداث القاسية بالنسبة للأسرى وذويهم. كان عاماً استثنائيا من حيث زحمة الأحداث وتراكم الصعاب وانتشار جائحة "كورونا" في المنطقة، أوائل آذار/مارس من العام الماضي، والتي اخترقت جدار السجون وداهمت الأقسام والغرف واصابت أكثر من مئة وخمسين أسيرا، بفعل كثير من الأسباب والعوامل. ولعل أبرزها: سوء الرعاية والخدمات الطبية واستمرار الاستهتار الإسرائيلي بحياة الأسرى والمعتقلين وأوضاعهم الصحية.

ولم يعد هناك فرقاً ما بين "كورونا" والسجان الإسرائيلي، فكلاهما "فايروس" قاتل، يُهاجم الأجساد ويُعذِب الإنسان ويؤذي النفس والجسد ويقتل الروح. هكذا كان السجان دوماً، وهذا هو فايروس كورونا المستجد. وان اجتمع السجان الإسرائيلي و"كورونا" المستجد تفاقمت معاناة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.

ففي زمن "كورونا"، لم تتوقف الاعتقالات، وسُجل منذ انتشار الجائحة في المنطقة في آذار مارس من العام الماضي اعتقال أكثر من (3600) فلسطيني/ة، وبقيت ظروف الاحتجاز في سجون الاحتلال على حالها، وقواعد المعاملة وظروف التحقيق وأدوات التعذيب دون تغيير، كما ولم تُخفض ادارة السجون من مستوى اجراءاتها التي تُنفذها يومياً بدواعي (الأمن)، دون مراعاة لخطورة الاحتكاك والمخالطة واحتمالية انتشار العدوى، ولم تتخذ ادارة السجون اجراءات السلامة وتدابير الحماية، ولم توفر أدوات الوقاية، حتى بات الفايروس ضيفاً ثقيلاً يتنقل بين السجون ويُهاجم أجساد الأسرى ويُؤذيها، فأصاب (156) أسيراً، حتى كتابة هذه السطور، وفقاً للرواية الإسرائيلية المشكوك فيها دوما وأبداً، وكل المؤشرات تدلل على أن هذا العدد مرشح للارتفاع.

لم تكتفِ سلطات الاحتلال بذلك، وإنما سعت للتحايل على القانون الدولي ومطالبات المؤسسات المعنية عبر اتخاذ بعض الاجراءات داخل السجون، كما وسعت الى توظيف فايروس "كورونا" لمعاقبة الاسرى وذويهم ومفاقمة معاناتهم، وكأن التعذيب النفسي والجسدي والإهمال الطبي وتجويع المحجوزين لم يعد كافياً لإشباع نهمها الانتقامي وتنفيس حقدها، فصادرت الحق في زيارة الأهل ووضعت عراقيل أمام زيارات المحامين وفرضت اجراءات استثنائية بذريعة "كورونا"، والتي يُخشى ان تتحول الى قاعدة يحتاج تغييرها وإعادة الاوضاع الى ما كانت عليه قبل زمن "كورونا" إلى كثير من التضحيات والخطوات النضالية.

وأمام هذا الواقع الصعب وتزايد الاصابات بالفايروس القاتل بين صفوف الأسرى والمعتقلين، فإننا بحاجة الى بذل مزيد من الجهد، وبحاجة الى كثير من الخطوات، وأبرزها:

- إجراء تقييم شامل وموضوعي، لأدائنا، كمؤسسات وأفراد ومنظمات حقوق الإنسان المحلية ووسائل الاعلام العاملة في فلسطين كافة، منذ بدء ازمة كورونا، على كافة الصعد والمستويات المحلية والاقليمية والدولية.

-تفعيل ادائنا أكثر بما يضمن توسيع دائرة المتضامنين والداعمين لقضايا الأسرى، وجعل الحجر المنزلي فرصة لاستشعار معاناة المحجوزين في سجون الاحتلال. مع تقديرنا العالي لكل الجهود التي بُذلك على المستوى الدولي وخاصة من قبل أصدقائنا في التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين.

-الضغط اكثر على المؤسسات الدولية، لإجبارها للارتقاء بمستوى خطابها وفعلها وتأثيرها، والضغط على الاحتلال كي يفتح ابواب سجونه امام الوفود الطبية الدولية المحايدة، واحترام الاتفاقيات والمواثيق الدولية في تعامله مع الاسرى والمعتقلين وحمايتهم من الموت او الاصابة بالفايروس والامراض الخطيرة.

-وهذا يقودنا الى مطالبة المؤسسات الدولية، وخاصة منظمتي الصحة العالمية والصليب الأحمر، الى ارسال وفد طبي دولي محايد الى السجون، وقد بات هذا مطلبا عاجاً وضروريا، للاطلاع عن كثب على طبيعة الأوضاع الصحية هناك وتقديم العلاج اللازم للأسرى المرضى والاشراف على اجراء فحوصات شاملة لكافة الأسرى واعطائهم اللقاحات اللازمة. حيث أننا لا نثق بإدارة السجون ونواياها.

-الاستمرار في المطالبة بالإفراج عن الاسرى المرضى والأسيرات وكبار السن والاطفال، باعتبارهم الفئات الاكثر عرضة لخطر الإصابة بفايروس "كورونا"، على غرار ما فعلت عشرات الدول وافرجت عن السجناء لديها، بما فيها دولة الاحتلال التي افرجت عن مئات السجناء الاسرائيليين مع بداية ازمة كورونا وترفض الافراج عن اسير فلسطيني،  في خطوة تعكس العنصرية والتمييز العنصري.

-العمل الجماعي والتعاون المشترك من أجل توظيف كافة الأدوات السياسية والآليات الدولية لحماية الأسرى المرضى من خطر الموت وحماية الآخرين من خطر الاصابة بالأمراض وفايروس "كورونا" القاتل. فتوفير الحماية الإنسانية والقانونية للأسرى والمعتقلين بات ضرورة ملحة. وقد آن الأوان للتحرك الجاد والفاعل لتحقيق ذلك. وهذه مسؤولية جماعية ومهمة الجميع.

وفي الختام لابد وأن ندرك أن الحق يُنتزع ولا يُوهب، وحقوق الأسرى والمعتقلين في الرعاية الصحية وبما ينسجم مع القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، لن تتوفر دون فعل ضاغط وعمل مؤثر يُشارك فيه الجميع.

كلمات دلالية

اخر الأخبار