ما الذي سيفعله الفلسطينيون؟

تابعنا على:   10:43 2020-12-31

مروان كنفاني

أمد/ الوقت حان لوضع حل للصمت الذي يغلب على قيادات فتح وحماس في مناقشة الخيارات المتاحة لتمتين القوة التفاوضية وتحشيد المؤيدين من الدول التي تكاد تشمل دول العالم بأسره

قد يكون عنوان المقال خادعا أو صادما للواقع الفلسطيني الحالي الذي يعرفه ويتخوف منه الجميع. فهناك احتمال يكاد يكون معدوما في برنامج وطني يمثل كل الفلسطينيين وفصائلهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهناك احتمال آخر يتمثل في وجود برنامجين، أحدهما من الضفة والآخر من غزة، وثمة احتمال في برنامج دولي لن يُقبل من جانب الفلسطينيين والإسرائيليين، أو برنامج أميركي يتم فرضه على الطرفين، أو كالعادة تترك الأمور كما هي وفق سريان الوضع الراهن، وربما، لا سمح الله، تندلع حرب إقليمية تعفي الجميع من تبعات أي برامج أو اتفاقات.

تتضاءل الخيارات أمام الفلسطينيين بسبب فشل قياداتهم، وبالتحديد فريق السلطة الوطنية الذي تقوده حركة فتح، وفريق حركة حماس، وحركة الجهاد، في التوصل إلى اتفاق أو رؤية مشتركة، وبالتالي الالتفاف حول أهداف موحدة لمواجهة ما ينتظره الشعب الفلسطيني في الأشهر القليلة المقبلة.

المتوقع في تلك الأحجية العودة إلى اتفاق أوسلو وما تلاه من اتفاقيات في عامي 1992 – 1993 وما أعقبهما، ولم يتم تنفيذها حتى الآن، أو طرح أفكار أميركية وأوروبية جديدة. وهذا التوجه بالطبع لن يشمل كل الفلسطينيين ومؤسساتهم وأحزابهم، لأنه مخصص فقط لإسرائيل والضفة الغربية. فهل يستكمل الاتفاق ليشمل الجميع بالتوصل إلى اتفاق جديد وشروط مؤلمة مع حركتي حماس والجهاد؟ تكمن صعوبة التوصل إلى ذلك الهدف في الحاجة إلى حرب مع إيران تنتصر فيها الولايات المتحدة.

يسجل التاريخ أن الضربة القاصمة التي أصابت النضال الدامي وأرست الانقسام الفلسطيني لم تأت من إسرائيل أو الولايات المتحدة، لكنها جاءت من الفلسطينيين أنفسهم ممثلين في أحزابهم وفصائلهم.

ولم تعد اليوم عملية فصل الضفة عن القطاع هدفا لإسرائيل أو أميركا، لأنه تحوّل بشكل واقعي وواضح هدفا لحماس، وربما حلا مقبولا ومريحا للسلطة الوطنية في رام الله. فهل تعترف إسرائيل اليوم، كما اعترفت عام 1994 بوحدة الأرض في الضفة وغزة أو ما تبقّى منهما؟

لا تتوافق الأحزاب الفلسطينية على برنامج تفاوض مشترك وموحد مع إسرائيل، ولا تتفق على برامج مشتركة سياسية أو اقتصادية أو مجتمعية. فلا تقبل حركة حماس الاعتراف بأنها جزء من السلطة الوطنية. وترفض حركة فتح والسلطة الاعتراف بكون حماس جزءا أساسيا من التوليفة السياسية، وأنها فازت فعلا بأصوات في القطاع والضفة في آخر انتخابات فلسطينية.

تتكاسل الحركتان في خوض انتخابات عامة، رئاسية وبرلمانية، ويحكم كلاهما ما تمت السيطرة عليه من أرض وشعب، بلا دعم وتأييد وطني، بل بالقوة المطلقة، ويدفع كلاهما اقتناع بالاتجاه نحو الانفصال. فهل تعمل الأحزاب نحو توحيد العمل النضالي والسياسي؟ وهل لدى الأحزاب الفلسطينية أرضية مشتركة للتفاوض، بعد أكثر عشر سنوات من الانفصال، للتوحد والاتفاق؟

تبدو في الأفق القريب جملة من التحديات الصعبة أمام مسيرة الفلسطينيين لتحقيق الحد الأدنى من مطالبهم الشرعية، هناك ضرورة لتجنيد “التطبيع” العربي الإسرائيلي بما له وما عليه لصالح تأييد الأهداف الفلسطينية، بدلا من أن تتحول إلى تأييد كلامي أو حيادي.

لقد حان الوقت لوضع حل للصمت الذي يغلب على قيادات فتح والحماس في مناقشة الخيارات المتاحة لتمتين القوة التفاوضية وتحشيد المؤيدين من الدول التي تكاد تشمل دول العالم بأسره. ليس القادم للصدام مع أحلام الفلسطينيين مزيدا من العمل المسلح، لأن كل الدول المؤيدة لهذا الاتجاه لا تقدر ولا تريد القتال.

القادم هو استراحة المقاتل وتصدّي السياسي والمفاوض لجبهة التماسك والثبات والتحالفات التي ترسم مستقبل الفلسطينيين والمنطقة العربية، فالمفاوضات تتطلب الخبراء والاستناد إلى القرارات الدولية، والتمسك بالدعم العربي والإسلامي، والأهم من كل ذلك الاصطفاف الوطني الصارم.

على الفلسطينيين أن يحسموا الأمر الآن، إذا أرادوا أن يتفاوضوا معا كما قاتلوا واستشهدوا معا، لكن أن يكون جزءا ممن يقاتل أو يدعي أنه يقاتل، وجزءا آخر يدعي أنه يفاوض باسم الجميع الفلسطيني وهو قانع أن ذلك لن يتحقق، وهو ما تريده إسرائيل وتدعمه واشنطن كحل مؤقت.

هل ستفرض إسرائيل شروطا قاسية لقبول التفاوض الجماعي الفلسطيني، وهل ستضع حماس العوائق وترفض المشاركة في وفد فلسطيني موحد، أم تنتهي المفاوضات المتوقعة إلى اتفاق سلام مع السلطة الوطنية، واتفاق تهدئة مع حركة حماس؟ وماذا إذا تفاوضت السلطة فقط مع إسرائيل بدون حماس، وسعت نحو إنجاز اتفاقين، أحدهما مع السلطة الوطنية حول مستقبل حل الدولتين، والآخر مع حماس بشأن تثبيت التهدئة؟

كلها أسئلة ملحّة وتطرحها المعطيات الراهنة، ومن الضروري التفكير فيها، والبحث عن الآليات اللازمة للتعاطي معها.

العامل الأكثر تأثيرا في الوضع الفلسطيني ويترك انطباعا إيجابيا على مجمل المهام المتعلقة بالأبعاد السياسية والمجتمعية والاقتصادية، هو مصير الانتخابات. فقد حان الوقت لبدء الترتيبات اللازمة لإضفاء شرعية على الأشخاص والأحزاب والحركات السياسية التي تحكم الشعب الفلسطيني.

تظل الانتخابات هي الطريق الوحيد لاستعادة وحدة الشعب وحقه في اختيار ممثليه عن جدارة، فالانتخابات التي يرسمها ويشرف عليها الذين فرضوا أنفسهم على السيطرة الحالية لا يمكن أن تؤدي إلى قيادة شرعية قادرة على حماية الشعب وضمان مستقبله، أو مؤهلة لتحشيده خلفها للتوصل إلى حقوقه وصون كرامته.

يتحتم التوصل إلى توافق على تسليم الحكم والأمن، وترتيب مراقبة الانتخابات وحماية نتائجها، لسلطة مستقلة قانونية ونزيهة، على غرار الانتخابات التي مارسها الشعب الفلسطيني عام 2006.

الجديد في التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي المنتظر أن مبدأ “حل الدولتين” قد يرى النور بعد أن وافقت معظم دول العالم على ذلك، وحيث أن هناك دولة (إسرائيلية) قائمة، فمن المتوقع أن توافق الولايات المتحدة وإسرائيل على الاعتراف بالدولة الفلسطينية لاستكمال هذا المبدأ، سواء شاركت حركة حماس أم لم تشارك.

يبدو أن وضع قطاع غزة سوف يبقى موضوعا فلسطينيا – فلسطينيا، محكوما باتفاقات تهدئة ووساطات مصرية، ويستبعد حدوث تفاوض إسرائيلي مع حماس أو تفاوض تقوم به السلطة الفلسطينية مع الحركة حول مستقبل قطاع غزة. وسوف يبقى محور التفاوض حول حل الدولتين بين السلطة الوطنية وإسرائيل، بينما يبقى انضمام غزة للدولة الفلسطينية من عدمه شأنا محليا بحتا. لذلك ستكون المفاوضات المقبلة أصعب ما يمرّ به الشعب وأكثره ألما فوق ما يحمله من جراح.

عن العرب اللندنية

اخر الأخبار