قراءة هادئة لمهمة مستحيلة

تابعنا على:   11:34 2020-12-25

أمد/ ربما تحين خلال أسابيع أو أشهر لحظة الحقيقة في رسم مستقبل الشعب الفلسطيني فإما أن يبقى مشكلة دائمة في المنطقة أو أن يكون للدولة الفلسطينية الموحدة دور في بناء الشرق الأوسط الجديد.

يبدو أن المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية المرتقبة سوف تكون بإشراف الإدارة الأميركية الجديدة فقط، ولن يساهم فيها الأوروبيون أو العرب أو الأمم المتحدة، كما يرغب الفلسطينيون، وستجري وفق الثوابت الإسرائيلية المرسومة منذ عام 1949، بخصوص التفاوض المباشر والمنفرد مع الدول العربية ومع الفلسطينيين.

ويبدو أيضا أن المقترحات الفلسطينية التي تطايرت من خلال الأفكار المتعلقة بمفاوضات عربية – إسرائيلية، أو دولية -إسرائيلية، لم تلق تأييدا أميركيا، وبالطبع إسرائيليا، كما هو متوقع.

يعود بنا الزمن اليوم إلى ثلاثة عقود مضت على مرحلة المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، في بدايات العقد التاسع من القرن العشرين.

تلك المفاوضات التي توقفت وكرّست سريان الوضع الراهن، ما أتاح لإسرائيل فرصة لابتلاع المزيد من الأرض الفلسطينية، وبناء العديد من المستوطنات، وهدم قرى وضواحي المدن وتهويد القدس، دون مانع أو رادع.

التغير اللافت في مسرح العلاقات الدولية، والذي يتضمن العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، هو الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته الجديدة.

ومتوقع أن تقفز السياسة الأميركية من مرحلة الصدام الذي كان القاسم الأعظم لها إبان فترة رئاسة دونالد ترامب، إلى سياسة الحوار التي تغلف السياسة الخارجية تحت إدارة بايدن، لتسود سياسة الحوار دون التخلي عن المصالح العليا، العسكرية والأمنية والاقتصادية، للولايات المتحدة.

يتحتم على القيادات الفلسطينية التوافق حول المطالب الوطنية، السياسية والأمنية والاقتصادية، كما يتحتم التوصل إلى تسمية وفد للتفاوض. كفء وموحد ومؤهل وغير حزبي

ولن يتوانى الرئيس بايدن عن استمرار فرض العقوبات على الاتحاد الروسي والصين وإيران وفنزويلا، إلا بشروط جديدة وصعبة.

ويتحدث بعض أعضاء الإدارة الأميركية الجديدة اليوم عن دولة فلسطينية قادمة، ويشيرون إلى ضرورة وقف ضم الأراضي المحتلة، ومنع حصار غزة، ومعالم جدية لتأييد إعلان دولة فلسطينية مستقلة بعاصمة لها في القدس.

الخطورة في موقف إدارة بايدن تجاه تلك الرؤية، تتمثل في أن ذلك كله مشروط بأن يتم من خلال مفاوضات إسرائيلية – فلسطينية، ما يقود إلى نفس النتائج لتجربة عام 1992، حيث ساد في النهاية سريان الوضع الراهن المميت.

يدرك الذين تعايشوا وعاشوا فترة المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية بإشراف أميركي في العقد الأخير من القرن الماضي، صعوبة تلك المفاوضات التي انهارت وفق ترتيب إسرائيلي – أميركي، والدور الذي لعبه دينيس روس، المشرف على تلك المفاوضات، حيث كانت ثمة مواقف رفضها الراعي الأميركي قبل عرضها على الجانب الإسرائيلي. 

كان الانحياز الأميركي للمصالح الإسرائيلية خلال تلك المفاوضات فاضحا، وقاسيا على الجانب الفلسطيني، وفاشلا في النهاية من التوصل لسلام عادل.

يتخوف العديد ممن يتابعون مجريات التطورات للوضع الراهن في الشرق الأوسط، والدور الأميركي، والموقف الإسرائيلي المعروف والمتزايد الثقة، من أن تكون العقبة الأكبر للتوصل إلى اتفاق عادل بالنسبة إلى المطالب الشرعية تكمن في المواقف المتضاربة للقيادات الفلسطينية التي تسيطر على ما تبقى من الأرض، وتحكم ما تبقى من الشعب.

ربما تحين خلال أسابيع أو أشهر معدودة لحظة الحقيقة في رسم مستقبل الشعب الفلسطيني، فإما أن يبقى مشكلة دائمة في منطقة الشرق الأوسط الذي يتبلور بواقع جديد، أو أن يكون للدولة الفلسطينية الموحدة دور في بناء الشرق الأوسط الجديد.

يتحتم على القيادات الفلسطينية التوافق حول المطالب الوطنية، السياسية والأمنية والاقتصادية، كما يتحتم التوصل إلى تسمية وفد للتفاوض. كفء وموحد ومؤهل وغير حزبي.

لا يمكن تحقيق ذلك إلاّ بإجراء انتخابات عامة، رئاسية وبرلمانية، تشرف عليها قيادة فلسطينية مستقلة، وتسلّم الحكم لمن اختارهم الشعب الفلسطيني وليس من تقاسمهم الأحزاب والحركات والفصائل الحاكمة.

ولا يوحي الوضع الفلسطيني، منذ أكثر من ثلاثة عشر عاما، بأن الفصائل الفلسطينية تشغل نفسها بمثل تلك المهام، بل يبدو أنّ الفصيلين الأكبر (فتح وحماس) يفضلان التوصل كل منهما على حدة إلى تفاهمات.

متوقع أن تقفز السياسة الأميركية من مرحلة الصدام الذي كان القاسم الأعظم لها إبان فترة رئاسة دونالد ترامب، إلى سياسة الحوار التي تغلف السياسة الخارجية تحت إدارة بايدن، لتسود سياسة الحوار دون التخلي عن المصالح العليا

فأحدهما يبحث عن اتفاق مستقل مع الاحتلال الإسرائيلي لمزيد من الأرض وعاصمة لدويلة صغيرة، وثانيهما يسعى من خلال وسطاء لمزيد من الكهرباء والغاز وفسحة من البحر وحقائب من المساعدات.

ليس سرا، أن إسرائيل تفضل وتدعم التفاوض مع كل من الفصيلين الفلسطينيين الحاكمين، فتح وحماس، كل على حدة، وترحب بالتفاوض الثنائي لأمور ثانوية تتعلق بتعديل مساحات أرض أو تسهيل تنقل أو بضائع أو إعلان دولة أو تعيين عاصمة، بعيدا عن تفاوض فلسطيني موحّد وحازم ومؤيد من كل المواطنين لإقامة دولة قابلة للحياة تضم الفلسطينيين المتمسكين بالبقاء على أرض أجدادهم.

يشير الواقع الراهن، إلى أن أي تفاوض ثنائي مع إسرائيل، ربما يكون أسهل من التوصل إلى اتفاق بين حركتي فتح وحماس.

العودة إلى نمط التفاوض القديم صعب المنال فقد تعترض حماس على مفاوضات مع إسرائيل، إذا لم تأخذ السلطة الوطنية برأيها حول الشروط الفلسطينية، وعضوية الوفد المفاوض، بينما سوف تعترض إسرائيل على ممثلين من حماس، فيما لو وافقت الحركة على المشاركة، وقد تعترض إسرائيل على شرعية الوفد المفاوض بتمثيل قطاع غزة، فلا ولاية أو وجود أو سيطرة للسلطة الوطنية في قطاع غزة.

ربما تقتصر إسرائيل على الاعتراف بتمثيل الوفد الفلسطيني المفاوض على الضفة الغربية فقط، أو أن تقبل بأن يمثل الوفد كل الأرض والسكان الفلسطينيين يقينا منها بأن أي اتفاق يتعلق بغزة لن يتم دون موافقة حماس المسيطرة على القطاع، وفق القنوات غير المباشرة بين إسرائيل والحركة.

ومنتظر أن ترفض الولايات المتحدة، وتدعمها إسرائيل، أي مشاركة رسمية من ممثلين لحماس في الوفد التفاوضي الفلسطيني الرسمي، فيما لو جاء تشكيل الوفد نتيجة لاتفاق بين الفصائل.

وتعتبر واشنطن حركة حماس إحدى القوى المشاركة والمؤيدة لإيران، وسيتم التعامل معها، سلما أو حربا، بعد التعامل المباشر مع طهران نفسها، بينما يتم التعامل الحالي للسيطرة على القوى الفلسطينية المؤيدة لإيران من خلال إسرائيل القادرة على كبح النشاط المعارض للولايات المتحدة وحلفائها.

إن عدم مشاركة حماس في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية سوف يفشّل الغرض منها. فهل هذا الواقع المعقد يدفع لبدء مفاوضات جديدة تضم إسرائيل وحركة فتح وحلفائها، للتوصل إلى سلام خاص في الضفة الغربية، ومفاوضات أخرى بين إسرائيل وحركتي حماس والجهاد للتوصل إلى سلام لقطاع غزة أو إمارة غزة القادمة؟

اخر الأخبار