فتح وحماس منشغلون في أي شيء إلا فلسطين

تابعنا على:   14:02 2020-12-18

د. طلال الشريف

أمد/ معاناة الشعب الفلسطيني في العقود الثلاثة الأخيرة فاقت الحدود.

انقسام حاد في الجغرافيا والإدارة والمال والسلاح بين الفلسطينيين.

سيناريوهات تصفية القضية أصبحت واقعا ملموسا وبشراسة فاقت التصورات بعد أن كانت خيالات نظرية وأحلام نستهزئ بها وكأننا قادرون على إفشالها، فهل أفشلتموها أم تنتظرون الرئيس الأمريكي الجديد ليس لإفشالها فهي أصبحت واقعا؟ أم تنتظرون جو بايدين لتحسين مواقعكم وتحكمكم في الشعب الفلسطيني وقمعه وتمزيقه.

ستة عقود مضت نصفها الأول كان قصير النظر محدود الرؤية من البناء نحو التحرر ثبت بأنه ساذج بسذاجة الواقع العربي وضعفه، صنع وهما كبيرا هلاميا لا يتناسب مع المطلوب لعملية تحرر واستقلال حقيقيْ، أو، حتى ممكن، هيمنت فيه قيادة "رجعية" عكست ثقافة رجعية عربية صنعت هذا النموذج على شاكلتها، ولم يكن في المنظور العملياتي انتاج شيئا آخرا بمواصفات أفضل، لأن هذا النموذج هو انعكاس لثقافة القطيع العربي، ومن ضمنه الثقافة الفلسطينية المشكلة بجزيئات عربية لأنظمة حكم عربية متعددة تداخلت بخلافاتها التبعية إجباريا في نموذج الثورة الفلسطينية التي قادت الحركة الوطنية الفلسطينية بانطلاقتها الحديثة بقيادة حركة فتح منذ العام ١٩٦٥م.

في النصف الثاني وحتى اليوم أي في حقبة تنشيط الإسلام السياسي في الواقع العربي بشكل عام وفي الواقع الفلسطيني بشكل خاص التي تحاول الهيمنة عليه قوى دينية " ظلامية" تقودها حماس الممتدة خارجيا عبر حركة الإخوان المسلمين، وهي أيضا عكست ثقافة بعض من قطيع عربي واسلامي حاول منذ البدء ومازال الاحلال وامتلاك قيادة المشهد الفلسطيني، وعكس أيضا حالة ثقافية ماضوية تستهوي الحكم لا تختلف كثيرا عن حالة الرجعية العربية التي قادت وتقود المشهد الفلسطيني منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية الحديثة.

لاحظوا أن :
النموذج الأول الرجعي الفلسطيني العربي الذي قادته حركة فتح لم يفلح في تحرير فلسطين.
والنموذج الثاني الأسوأ الاسلاموي الظلامي الذي تقوده حماس الذي يصارع على الحكم وقيادة الحركة الوطنية اذا جازت التسمية، لم يفلح أيضا، ليس فقط في عملية التحرر، بل دمر الثقافة الركيكة الأولى وقسم الجغرافيا وأشعل صراعا داخليا حادا أطاح ليس بأحلام وأهداف النموذج الأول فقط، بل بأحلام وأهداف شعبنا كله، وشارك بنفس العنجهيات الشعاراتية في إضعاف الحالة الضعيفة أصلا اذا قورنت بمستلزمات التحرر والانعتاق الحقيقي من الاحتلال، والمستلزمات لا تعني فقط القوة المسلحة كما يدعي قادته وحتى اللحظة، وهي متوفرة لديهم أكثر من أي وقت مضى، وتصدأ دون قرار استخدام أو نوايا استخدام، متعاكسة في ذلك مع ما يقوله الشعار، بل القوة المسلحة تحتاج وحدة حال وتناغم شعبي وتعبير عن المجموع وعدل اجتماعي للمجموع وليس تعبيرا عن جماعة واحتكار كل شيء وتمييز نفسها عن باقي شعبها تصل أحيانا لحد خطير من شيطنة وتكفير وتخوين الآخرين لمصلحة جماعة الحزب والجماعة أولا، وليس الوطن أولا، كأسلوب قديم استخدمه الاسلامويون منذ نشأتهم، وأفكار وسلوكيات انعزالية تكسبية لا تجمع شعب بل تفرق حتى أي شعب متحد.

الأسوأ من كل ما جرى، غير ضياع القدس والأرض وتهديد أخطر بالتهجير، هو تمزيق الوحدة والنسيج المجتمعي بتقسيمات فئوية عفنة جاهلة بين فلسطيني وفلسطيني، ومناطقية ستوصلنا لروابط القرى، يعرف ويشعر بها كل الفلسطينيون.

الآن وبعد كل هذا العبث، يظهر الأثر الكبير لتلك النماذج القاصرة عن التحرير بسياساتها وسلوكياتها وخطاباتها الرنانة وشعاراتها الكاذبة في أغلب الأحيان، هذا الأثر الظاهر في أنهم جميعا تركوا كل استراتيجي في قضيتنا، وأصبح همهم هي قضايا قشرية تهتم بالذات والفئة والحزب والوظائف والصراع على القيادة والكسب من مقدرات وأموال الشعب وإهمال كل ما هو استراتيجي يهجم على الاحتلال وليس يتصدي عند اللزوم، ناهيك عن الصفقة، ينشغلون في التطبيع هروبا وتغطية الفشل، وضاعت القدس والأرض أمام أعينهم وايديهم كما يقولون على الزناد، ولا يتصالحون، ويصادرون حق شعبنا في الانتخابات، ويحتكرون الوظائف ويقمعون الرأي ويعتقلون المعارضين كليهما، ويدافعون عن تركيا وقطر وإيران أكثر مما يهتمون بمعاناة الفلسطينيين، ويقاومون مناويئي تلك الدول أكثر من مناوئة والاحتلال بالمقاومة الشعبية المغيبة.

الأسوأ دخول النموذجان في تحالفات خارجية عربية وإسلامية أيضا حسب التمويل ودعم الوجود والبقاء في الكرسي وليس الاعتناء بالشعب ومعاناته باسم تحرير فلسطين، فليس فقط الإسلاميين والرجعيين الخارجيين هم من يتاجرون بالقضية الفلسطينية، بل أصبحت الرجعية والظلامية الفلسطينية هم أيضا يتاجرون بالقضية الفلسطينية كما يقول حالهم بشكل فاقع، لا يحتاج تأويل، والا لماذا هم منقسمون؟ ولماذا تضيع القدس والأرض وهم ساكتون؟ وترتفع معاناة شعبنا تحت حكمهم ولا يفعلون شيئا بل يجبون الضرائب منهم؟ ..

الرجعية تعاقب شعبنا من رام الله، والظلامية في آخر إبداعاتها الكلامية وهذه الهبة المؤتمرية الأخيرة بمناسبة الانطلاقة لا يتذكرون شعبنا ومعاناته ومآسييه ولا يتذكرون في بياناتها وتصريحاتهم إلا كيف علت حركة حماس وكيف هي في أحسن حال وتماسك كما يدعون، ولم يذكروا أن القضية والأرض تضيع بسببهم والشعب في أسوأ حال وتمزق .. نعم بقيت حماس وضاع الوطن والشعب، ولا يقولون كيف؟ وما هو دورهم ؟ وأخطاؤهم؟ ولا حتى يعبرون عن ندمهم، تماما كما الرجعية في رام الله سايقين فيها وطنية، ولا يسألون أنفسهم أين أصبحت القدس و أراضي الضفة الغربية؟ وأين الشعب الفلسطيني بحاله المزري؟ والأهم لا يخبرونا عن دورهم وتقاعسهم في هذا الضياع؟ وكأن الشعب هو من انقسم على نفسه وأضاع قضيته وكليهما أبرياء.

.. كل شيء في فتح تمام، وكل شيء في حماس تمام، والشعب والوطن ضاعا في خبر كان ... نعم بقيت الرجعية والظلامية وضاعت فلسطين .. مبروك لفتح وحماس.

يبدو أن مفاهيم السياسة أصبحت بعيدة عن المنطق في بلادنا والكل مازال يكذب فبعد صراع مرير أدخل الاسلامويين إلى حظيرة السياسة الفلسطينية وإلى الخارطة السياسية والاجتماعية الفلسطينية منذ ثلاثة عقود ونيف فضاعت البلد وهم مازالوا يدعون ومازالوا يشرحون لنا أن لولاهم لضاعت البلد وناسيين أن البلد ضاعت بهم أيضا.

المحزن أن هذا النظام الفلسطيني البائس برجعيته وظلاميته وأحزابه وقادته وسياسييه وكتابه ومثقفيه لازالوا يتفنون ويتفهلوون بالتحليل والتنظير لعلهم يبقون على رأس هذا الشعب .. إتركوه من فضلكم فالمشكلة فيكم ...

حلوا عن ظهر هذا الشعب الذي ضاعت بلاده وآماله على أيديكم، فقد كان الأولون من أهلنا أكثر وعيا لقضيتنا، وأكثر انتماءا، وأرقى سلوكا، وحتى أرجل منكم، فلتغادروا المنصة، والشعب كفيل بتدبير حاله وإدارة الصراع.

كلمات دلالية

اخر الأخبار