الواقع العربي والتحديات المستعصية

تابعنا على:   13:08 2020-12-17

محمد علوش

أمد/ ما كشفته التقارير الإعلامية الأخيرة والمعلومات المرافقة حول تطور علاقات التنظيم الدولي لحركة الإخوان المسلمين مع الإدارة الأمريكية المنتخبة برئاسة جو بايدن تؤكد بما لا يدع مجالاً للشكل ، الحقيقية الجوهرية للدور الوظيفي لحركة الإخوان المسلمين التي ثبت تحالفها مع إدارة اوباما من قبل ، ومع إدارة بايدن قبل أن ترى النور عبر اتصالات ومقاربات واضحة بين هذه الحركة وأطراف وازنة في الحزب الديمقراطي الأمريكي .

قبل أيام تابعنا المقابلة التلفزيونية مع نائب " المرشد العام " على شاشة " الجزيرة مباشر " والذي سال لعابه ويعدد مزايا العلاقات مع الولايات المتحدة ، ويتحدث عن نتائج الانتخابات الأمريكية وآفاق العلاقة بين حركته والإدارة الأمريكية المقبلة وإمكانية إعادة إحياء العمل السياسي والإعلامي والمشاركة في الحياة السياسية لتنظيم " الجماعة " في مصر وفي غيرها ، وفي ذلك ربما اعتماد وإبرام اتفاق ووعود لقيادات " الجماعة " من قياديين أمريكيين ، وتلك هي رهانات " الإخوان المسلمين " على الحليف الدولي التاريخي لهم والممثل بالحزب الديمقراطي الذي سبق له قبل سنوات استقبال وفد من أعضاء " مجلس شورى الجماعة " في الكونغرس الأمريكي ، وكذلك العلاقة المتطورة مع حكم محمـد مرسي في مصر والمساعدات التي قدمت لتنظيم الإخوان المسلمين في سوريا والتنظيمات الأخرى المنضوية تحت عباءتها ،  وغيرهم في إطار سياسة المحاور عبر قنوات إقليمية معروفة في قطر وتركيا وفي غيرها ،  والدور الوظيفي الذي تريد الإدارات الأمريكية تكريسه في المنطقة العربية لمواجهة القوى القومية والوطنية ، وإعادة بناء النظام الرسمي العربي على أسس جديدة تكون خلاله إسرائيل الدولة المتفوقة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ومعلوماتياً والأولى على كافة المستويات ، بل وتكون إسرائيل عنوان مركزي لمحور عربي وإقليمي في مواجهة التهديد الإيراني وفق المزاعم الأمريكية  - الإسرائيلية - الخليجية .

بعد عشر سنوات على انطلاق ما سمّي بثورات " الربيع العربي " والذي غير وجه المنطقة العربية وكرس واقعاً جديداً في ظل انهيار أنظمة وتشكيل محاور وتيارات أخرى ترتكز بمجملها على أجندات خارجية بعيدة كل البعد عن آمال وطموحات الإنسان العربي من المحيط الى الخليج ، حيث فشلت تلك " الثورات " بتحقيق الأهداف والشعارات التي طرحت والمتمثلة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، وهناك جملة من الأسباب التي أدت إلى هذا الفشل وعلى رأسها عدم وجود تنظيمات ديمقراطية واعية لأطروحات التغيير، والنضال من اجل الحقوق والحريات العامة وتحقيق بناء النظام الديمقراطي ، وكذلك التدخلات الخارجية المباشرة من هنا وهناك ومن محاور وجغرافيات سياسية متعددة ، لكل منها أجنداتها في عدم تحقيق مراد وأهداف تلك الثورات .

 وقد تمكنت جماعة " الإخوان المسلمين " الأكثر تنظيماً من اختراق تلك الثورات وحرف مساراتها لصالح أجنداتها الحزبية وشعاراتها الاسلاموية المرتبطة بأهداف وبرامج الجماعة التي سعت دائماً للانقلاب على واقع الأمة العربية وأسلمة مجتمعاتها ، وقد وجدت من يدعمها ويوفر لها الدعاية الإعلامية عبر فضائيات ومنصات واسعة الانتشار ، وتوفير الدعم المالي واللوجستي والتسليحي من اجل تنفيذ مخططات داعميها  لإعادة بناء النظام العربي وتغيير وجه المنطقة ، وصولاً لما وصلنا إليه اليوم ، حيث بات التطبيع والعلاقة الطبيعية مع إسرائيل هو الوجه الأبرز ، فقد هرولت العديد من الأنظمة لإقامة العلاقات وتوقيع الاتفاقيات والبدء بتنفيذ المشاريع المشتركة العلنية في طعنة للقضية الفلسطينية وشعبها الذي ما زال يناضل من اجل حقه في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس .

بعد كل هذه السنوات العجاف ، وما شهدته من حروب وانتهاكات لحقوق الإنسان وتنظيم المجازر الوحشية بحق الشعوب العربية ، وقد تابع العالم ككل ما جرى ويجري في ليبيا واليمن ، وما تعرضت له سوريا ، وما حدث في مصر ،  وما تم في تونس ، وما يشهده العراق ، وما جرى في لبنان ، وما يدار في الدهاليز لتضخيم العداء بين الجزائر والمغرب إزاء ملف الصحراء ، والخلافات الخليجية مع قطر ، وغيرها الكثير من القضايا التي باتت عنوان ملفات ساخنة لهذه المرحلة .

إن التطبيع هو الوجه الآخر لمخطط تصفية القضية الفلسطينية ، وهو نتيجة لما سمّي بالربيع العربي ، حيث بات كل نظام يبحث عن مكانته وعن تثبيت أركانه ، وقد تمكنت الولايات المتحدة من توجيه عبيدها من حكام وأمراء بعض الأنظمة للذهاب المباشر في إقامة العلاقات مع إسرائيل ، وباتت إسرائيل اليوم واجهة يتجه إليها الحكام العرب لضمان شرعيتهم ووجودهم في السلطة وفي نهب ثروات ومقدرات شعوبهم المحتلة .

آن الأوان لمراجعة شاملة لمجمل الوضع العربي ، وتقع المسؤولية على عاتق الأحزاب والتيارات السياسية والفكرية والقيادات العربية لإعادة توجيه البوصلة من جديد ، وحماية المجتمعات العربية ومواصلة النضال من اجل بناء نظام عربي ديمقراطي تسوده مبادئ العدالة والتضامن والعمل المشترك ، وقطع الطريق على كل الجهات التي حرفت المسار وتريد لشعوبنا التبعية والابتذال والولاء لشعاراتها الجوفاء ، التي ثبت زيفها ودورها في تضليل المواطن العربي .

اخر الأخبار