قيادة السلطة الفلسطينية تتعامل مع الفصائل بشكل استخدامي والأخيرة تلهث وراءها دون أن تجرؤ على طرح البديل

تابعنا على:   07:30 2020-11-29

عليان عليان

أمد/ تابعت كغيري من المراقبين، تصريحات مسؤولين في السلطة الفلسطينية بشأن عودة علاقات السلطة الفلسطينية، مع العدو الصهيوني بما فيها التنسيق الأمني، ولاحظت مدى الارتباك والتدليس والتناقض الذي شاب تصريحات هؤلاء المسؤولين، على نحو يدعو للخجل من تحللهم من المسؤولية الوطنية، بحدودها الدنيا أمام الشعب الفلسطيني. فبعد تصريح حسين الشيخ – ضابط الارتباط مع العدو الصهيوني، والذي يشغل وظيفة "رئيس لجنة الشؤون المدنية!"- بشأن عودة العلاقات مع العدو إلى سابق عهدها، تحت مبرر التزام العدو بالاتفاقات السابقة، الموقعة مع السلطة الفلسطينية؛ ثارت ثائرة الشارع والفصائل الفلسطينية، ورأت في ذلك نكوص وردة عن مخرجات مؤتمر بيروت -رام الله في 13 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وبعد هذا التصريح الذي جاء بتوجيه من رئيس السلطة " محمود عباس "،أطل علينا من على شاشة تلفزيون فلسطين؛ رئيس وزراء السلطة " محمد اشتيه " فرحاً والبسمة تعلو محياه، ملوحاً بورقة مرسلة من حكومة العدو، يبرر فيها عودة العلاقات والتنسيق معها.
وعندما عاد أمين سر لجنة فتح المركزية جبريل الرجوب، إلى رام الله بعد لقاء القاهرة مع وفد حماس، راح يبحث عن مبرر للسقطة والجريمة الوطنية التي أعلن عنها منافسه "حسين الشيخ" وقال: "إن التنسيق الأمني مجرد تكتيك، لاستعادة أموال المقاصة من ( إسرائيل ) وعليكم أن تثقوا بنا".

لنعود إلى رئيس الوزراء "محمد اشتية" الذي لوح بورقة، يزعم فيها التزام (إسرائيل) بالاتفاقات السابقة، فعلى من يضحك اشتية؛ فالورقة أولاً مرسلة من طرف موظف في حكومة العدو "منسق حكومي"، أي الذي يتولى أعمال السكرتاريا، وليس من طرف رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، أو من الحكومة المصغرة، هذا ( أولاً) ( وثانياً)، فإن العبارة الرئيسية في ورقة الموظف الإسرائيلي التي بشر بها " حسين الشيخ " ، وروج لها "اشتية"، على النحو التالي: (نؤكد أن إسرائيل ما زالت تعتبر الاتفاقات المعقودة مع السلطة الفلسطينية هي – الإطار الذي تستند له في مباحثاتها وعلاقتها بالسلطة)... فإسرائيل هنا لم تلتزم بالاتفاقات وفق نص الرسالة، بل تتعامل معها في سياق "الإطار".

ولو ضربنا صفحاً عن قصة الرسالة التي وظفتها السلطة لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، فإن قيادة السلطة تعرف (أولاً) قبل غيرها "كذبة الرسالة"، وأن العدو الصهيوني ألقى باتفاقات أوسلو ومشتقاتها في سلة المهملات منذ زمن بعيد، بعد أن أخذ منها ما يخدم استراتيجيته، على نحو اعتراف المنظمة بحق (إسرائيل) في الوجود، وتوظيفها كغطاء لتهويد القدس ومصادرة الأراضي والاستيطان، ولفك عزلتها وصولاً إلى الاتفاقات التطبيعيه الأخيرة.
والسلطة الفلسطينية تعرف (ثانياً) أن العدو لم ولن يغادر "صفقة القرن" التي تشترط لقيام ما يسمى بالدولة الفلسطينية، التزام الجانب الفلسطيني بعدة شروط مذلة من ضمنها الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، والقبول بشطب حق العودة وبضم منطقة الغور وشمال البحر الميت أي ما يوازي 30 في المائة من مساحة الضفة الفلسطينية.. الخ.

أما تفسير " الرجوب" لعودة العلاقات بأنها في سياق التكتيك، لاسترداد أموال المقاصة وليس أكثر، فإنه ينطوي على محاولة بائسة "لاستهبال" الفصائل وعموم الشعب الفلسطيني، فالقرار سياسي بامتياز، وجاء للتعبير عن تنازل وعربون مقدم للرئيس الأميركي الجديد "جو بايدن" عله ينظر بعين العطف للسلطة، ويعيد الأمور إلى مجاري أوسلو النتنة.
لن نسترسل في الحديث، عن الظروف التي تتم فيها إعادة العلاقات والتنسيق الأمني مع الاحتلال، فقط نذكر بتغول الاستيطان الذي يلتهم يومياً مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن محيط القدس، وبعمليات القتل المستمرة، وعمليات الاعتقال اليومية التي تصل معدل (20) فلسطينياً في اليوم، وهدم المنازل وحرق أشجار الزيتون ومعاناة ما يزيد عن (5000) أسير في معتقلات الاحتلال.. الخ.

كم يتوجب الإشارة إلى حقيقة واضحة لا لبس فيها، وهي أن مشاركة السلطة الفلسطينية وحزبها الرئيسي "حركة فتح " في مؤتمر أمناء الفصائل، وفي لقاءات المصالحة المزعومة في اسطنبول والقاهرة، كانت مجرد شراء للوقت بانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية وعلى أمل فوز المخلص "جو بايدن".

في مواجهة قرار السلطة... كيف تتصرف الفصائل؟
بات واضحاً أن قيادة السلطة، تمارس الخداع مع الفصائل الفلسطينية، ففي الوقت الذي ترى أن التسلح بالفصائل أمراً مفيداً في مرحلة ما، تبادر إلى ارتداء لباس الوحدة الوطنية وعندما ينتهي دور الفصائل، وتلوح في الأفق بادرة أو سراب أمل بالعودة إلى مربع التسوية، تترك الفصائل بطريقة مهينة؛ فأمناء الفصائل في مؤتمر بيروت – رام الله اتفقوا على عناوين محددة من نوع: تشكيل لجنة للمصالحة وإنهاء الانقسام، وترتيب البيت الفلسطيني على قاعدة مواجهة الاحتلال وفق انتخابات تقوم على قاعدة النسبية، وتشكيل قيادة موحدة للمقاومة الشعبية، وجاء قرار عودة العلاقات والتنسيق الأمني لينسف كل ما جرى الاتفاق عليه، إذ كيف للفصائل أن تقاوم الاحتلال بالشكل المطلوب في ظل التنسيق الأمني الذي على رأس أولوياته التصدي للمقاومة؟!

اللافت للنظر أن موقف الفصائل غير موحد في الرد على قرار السلطة، وإن كان موحداً في توصيف وشرح أخطار القرار، من زاوية أنه طعنة في ظهر الوحدة الوطنية، ومخرجات مؤتمر بيروت – رام الله، وأنه يشكل ارتداداً عن قرارات المجلسين الوطني والمركزي بهذا الشأن، وأنه يشكل غطاءً للدول التي أقدمت على إقامة علاقات تطبيعية كاملة مع العدو الصهيوني.. الخ. ففي حين تطالب قيادات الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب والمبادرة الفلسطينية السلطة بالتراجع عن قرارها، نراها ترفض طرح البديل وتصر على الاستمرار في الحوار مع السلطة، باعتباره ضرورة وطنية، بينما تتأنى قيادة حماس في اتخاذ موقف محدد رغم استنكارها لفعلة السلطة، وتواصل اتصالاتها مع قيادة فتح ومع بقية الفصائل، وهذا الموقف من الفصائل، يغري السلطة أن تتمادى في نهجها، طالما أن هذه الفصائل لم تفكر ولم تجرؤ على طرح البديل لنهج السلطة.

وانفردت كل من حركة الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية بموقف أكثر وضوحاً؛ فالقيادي في حركة الجهاد – داوود شهاب- قال: "إن العودة إلى مسلسل التفاوض الكارثي والعلاقة مع الاحتلال لا تختلف عن التطبيع، بل هي السياسة التي أوصلت الدول العربية للتطبيع ووفرت للمطبعين فرصة ومناخاً، شجعهم على المضي في التطبيع، حتى وصل الأمر حدّ التحالف مع الاحتلال وتجاوز كل الثوابت العربية والقومية.
من جهتها "الجبهة الشعبية" اعتبرت كبقية الفصائل أن: "إعلان السلطة إعادة العلاقات مع دولة الكيان الصهيوني، هو نسفٌ لقرارات المجلسين الوطني والمركزي بشأن التحلّل من الاتفاقيات الموقّعة مع العدو الصهيوني، ونسف لنتائج اجتماع الأمناء العامين الذي عُقد مُؤخراً في بيروت، وتفجير لجهود المصالحة، التي أجمعت القوى على أنّ أهم متطلباتها يكمن في الأساس السياسي النقيض لاتفاقات أوسلو".
لكن يسجل للجبهة الشعبية ، أنها في مواجهة هذا الانحراف الوطني ، راحت تؤكد على ضرورة تشكيل جبهة وطنية عريضة بمهمتين رئيسيتين هما: مقاومة الاحتلال والتصدي لنهج السلطة التسووي، خاصةً وأن قرار قيادة السلطة بإعادة العلاقات مع العدو الصهيوني إلى سابق عهدها، جرى دونما التشاور مع أحد – كما أشار د. ماهر الطاهر – مسؤول دائرة العلاقات السياسية في الجبهة – ويجدد التأكيد على أنّ خيار السلطة لا يزال خيار أوسلو، القائم على التمسك بذات النهج البائس الذي يقوم على أساس المراهنة، على إمكانية مفاوضات وحلول مع كيان صهيوني، ثبت أنه لا يريد أي حلول، كما ثبت فشل هذه السياسة طيلة 27 عامًا".
خلاصةً فإن عدم توافق الفصائل، على طرح البديل لقرار السلطة ونهجها التسووي، سيعيد الأمور إلى مربعها الأول، حيث تستمر قيادة السلطة في المراهنة على المفاوضات، وتستمر معظم الفصائل في اللهاث ورائها، مناشدةً إياها العدول عن هذا النهج.
وأخيراً: نترحم على عقد الثمانينات من القرن الماضي الذي ازدحم بالحراك السياسي والتحالفات في مواجهة نهج التسوية الذي وافق أصحابه على مشروع فاس، ولم يرفضوا مشروع ريجان، ووقعوا اتفاق عمان في شباط 1985، وفي الذاكرة التحالفات التي تصدت لهذا النهج: "القيادة المشتركة للجبهتين الشعبية والديمقراطية، والتحالف الديمقراطي، والتحالف الوطني، وجبهة الإنقاذ.. الخ".

كلمات دلالية

اخر الأخبار