عودة علاقة السلطة مع اسرائيل التي لم تنقطع

تابعنا على:   07:07 2020-11-18

د. سفيان ابو زايدة

أمد/ من يعرف طبيعة ادارة الامور في الساحة الفلسطينية في الخمسة عشر عاما الماضية لم يفاجأ من قرار الرئيس عباس عودة العلاقة مع اسرائيل بناء على رسائل حسين-ابو ركن المتبادلة.

اي مبتدء في السياسة يدرك ان استمرار بقاء السلطة بوظيفتها الحالية مرتبط اولا و ثانيا و عاشرا بطبيعة العلاقة مع اسرائيل ، وجوهر هذه العلاقة هو امرين ، الاول التنسيق الامني و الثاني الوضع الميداني المتشابك الذي تتدخل فيه اسرائيل بكل تفاصيلة .

قرار السلطة قبل اشهر بالتوقف عن التعامل مع الاتفاقات الموقعه مع اسرائيل و رفض استلام اموال المقاصة الفلسطينية اذا كانت منقوصة كان من المعروف انه قرار مؤقت لن يستمر طويلا تماما كقرار حكومة الدكتور شتيه قبل حوالي العام بوقف استيراد العجول من اسرائيل الذي تراجعت عنه بهدوء دون صخب.

اي مبتدء في السياسة يدرك انه لا يوجد مؤسسات فلسطينية حقيقية تتخذ القرارات و تدافع عنها و تحميها. هناك مؤسسات صورية يتم استخدامها حين الضرورة للاختباء حول موقف ما او الانقضاض على طرف ما.

المجلس الوطني و المجلس المركزي و اللجنة التنفيذية و الحكومة الفلسطينية و اللجنة المركزية لحركة فتح كانوا شركاء في اتخاذ القرار بقطع العلاقة مع الاحتلال ولكنهم ليسوا شركاء و على الارجح لم يتم استشارة احد مما ذكر اعلاه في قرار العودة للعلاقة مع اسرائيل .
الذي تحمل كامل المسؤولية و الذي يشكل بديل عن كل هذه المؤسسات هو الرئيس عباس وما عليهم سوى الالتزام. المستوى الذي خاطب اسرائيل رسميا مع الاخذ بعين الاعتبار لاعبين دوليين و اقليميين من خلف الستار هو الوزير حسين الشيخ و الطرف الاسرائيلي الرسمي  كان منسق شؤون المناطق في الحكومة الاسرائيلية هو الجنرال كميل ابو الركن .

شخصيا غير متفاجئ بحكم معرفتي بالموقف الاسرائيلي الحقيقي من السلطة و بحكم معرفتي ايضا بطبيعة نظرة قيادات السلطة لوظيفتهم ووظيفة هذه السلطة وهي عبارة عن ادارة اقل من ذاتية لشعب يخضع لاحتلال كامل. لذلك كنت اعتبر ان قرار وقف التنسيق المدني بكل تفاصيلة هو قرار خاطئ و يضر بالشعب الفلسطيني اكثر من ضرره للاحتلال . واكثر من تضرر منه هو الاهل في غزة لان مكاتب الارتباط الاسرائيلي في الضفة بقيت مفتوحة و المواطنين الفلسطينيين كانوا يتوجهون اليها دون عوائق.

وكذلك كنت ضد رفض استلام اموال المقاصة التي هي اموال فلسطينية ومع وجهة النظر التي كانت تقول استلم و طالب بما تبقى و لم اثق لحظة بما كان يردده بعض المسؤولين الفلسطينيين و على رأسهم الرئيس عباس باننا لن نستلم اموال المقاصة منقوصة فلسا واحدا و كنت اعرف انهم في مرحلة ما سيستلمونها منقوصة عشرات او مئات الملايين .

على اية حال، ليس من باب الصدفه ان من قاد هذه الاتصالات رسميا من الجانب الفلسطيني مع اسرائيل هو الوزير حسين الشيخ المسؤول عن التنسيق المدني في السلطة الفلسطينية وان الطرف المقابل له هو الجنرال ابو الركن. 

ليس هناك حقيقة اصدق من ذلك. هذا هو مستوى السلطة و هذا هو المستوى الاسرائيلي في التعامل مع السلطة وما تبقى شعارات الجميع يتعامل معها لكي تستمر اللعبة بما في ذلك كافة الفصائل الفلسطينية التي عبرت عن رفضها لقرار الرئيس عباس بعودة العلاقة مع اسرائيل.
السؤال ما الذي يجعل الرئيس عباس و الوزير حسين الشيخ تحمل مسؤولية قرار   استراتيجي بهذا الحجم؟ لماذا لم يتم الاختباء خلف المجلس المركزي و اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على الاقل ؟ و لماذا لم تتحمل كل فتح ممثلة بلجنتها المركزية و مجلسها الثوري تبعات هذا القرار اذا كان حقا يخدم المشروع الوطني ؟ الاجابة ببساطة قد تكون ان هذه المؤسسات من الناحية العملية هي غير موجودة منذ زمن.

على اية حال لنترك جانبا الحديث عن المشروع الوطني و الثوابت الوطنية و المصالح العليا للشعب الفلسطيني و نحاول فحص الترجمة العملية لهذا القرار و بالتحديد ما تم التصريح به على انه انتصار للارادة الفلسطينية و الشعب الفلسطيني على الرغم ان رسالة المنسق واضحة .

هذا القرار سيكون انتصارا للارادة الفلسطينية اذا كانت الترجمة العملية له على النحو التالي:

اولا: استلام اموال المقاصة كاملة غير منقوصة دون الخصومات التي تسطو عليها اسرائيل من مخصصات الاسرى و الشهداء وكذلك الخصومات التي تقرها 
المحاكم الاسرائيلية الناتجة عن رفع دعاوي قضائية من قبل عملاء فلسطينيين و متضررين اسرائيليين.
اذا كان هذا هو الوضع فانا هنا اريد ان اهنئ الرئيس عباس و الوزير حسين شيخ بهذا الانتصار و سيكون فعلا انتصارا للارادة فلسطينية و ارادة الرئيس عباس .
اما اذا تم استلامها دون تغيير جوهري في الموقف الاسرائيلي فلا داعي للحديث عن انتصارات و عن بطولات. استلموا الفلوس التي هي حق للشعب الفلسطيني و قاتلوا من اجل ما سيتبقي منها لدى الاسرائيلي. لكن لا تنسوا ان يتم توزيعها بالتساوي و تعيدوا الحقوق الى اهلها خاصة ابناء شعبكم في غزة و من تم السطو على رواتبهم بما في ذلك اسرى وشهداء و جرحى.

ثانيا: سيكون انتصارا اذا اوقفت اسرائيل الاستيطان في مناطق الضفة بما فيها القدس وفقا للاتفاقات الموقعة التي تعهد فيها الجنرال كميل ابو الركن للوزير حسين شيخ. على الرغم من القناعة لدى اصغر طفل فلسطيني بأن هذا الامر لن يحدث وان عجلة الاستيطان ستتواصل و ان عملية الضم تسير بشك تدريجي اسوء بكثير مما هو وارد في صفقة ترامب.

ثالثا: سيكون انتصارا اذا اوقفت اسرائيل اقتحاماتها للمناطق الفلسطينية بما في ذلك عاصمة السلطة المؤقتة رام الله و اعتقال من تشاء و هدم بيوت من تشاء. على الرغم من القناعة ان السلوك الاسرائيلي سيتحكم به المصالح الامنية و ليس الاتفاقات غير الموجودة على الارض الواقع.
خلاصة القول،  المشكلة ليست في قرار الرئيس عباس بعودة العلاقة مع اسرائيل. هذا الامر كان متوقعا فور انتهاء حقبة ترامب و بعد فوز بايدن اضافة الى اعتبارات اخرى.

المشكلة الحقيقية ان المشروع الوطني والقضية الفلسطينية بكل مؤسساتها غير الفاعلة مختزلة في يد شخص واحد رغم العمر المتقدم يتلاعب بكل مكونات الشعب الفلسطيني و احلامه كما يحلو له .
الى ان يتغير هذا الوضع سنواصل المسير نحو الهاوية بخطى واثقة.

اخر الأخبار