وعد بلفور بين الرفض والقبول

تابعنا على:   19:03 2020-11-02

صلاح صبحية

أمد/ الذكرى الثالثة بعد المئة لوعد بلفور ، هذا الوعد الذي نعثناه بالمشؤوم ، لأنه يمنح أرض فلسطين وطناً قومياً لليهود ، فرفضناه فلسطينياً وقبله العرب صراحة وضمناً ، فمن حق اليهود المساكين أن يكون لهم وطناً قومياً ودولة في فلسطين ، فهل كان التعامل مع وعد بلفور منذ عام ١٩١٧ حتى عام ٢٠٢٠ تعاملاً يدل على رفضه رفضاً مطلقاً وعدم المساس بحقوق الشعب الفلسطيني فوق أرضه ، فعندما رفض الشعب الفلسطيني هذا الوعد وقاوم الانتداب البريطاني من خلال ثوراته المتلاحقة ، وكان قمة ذلك ثورة عام ١٩٣٦ والإضراب الستيني الشهير الذي تم إجهاضه بمطلب عربي ، كما أنّ بريطانيا وأمام إصرار الفلسطينيون على ثورتهم ومقاومتهم للغزو الصهيوني قامت بإصدر الكتاب الأبيض الذي داعبت فيه أحلام العرب بوعدهم باستقلال فلسطين خلال عشر سنوات وايقاف الهجرة اليهودية بعد خمس سنوات ووضع قيود مشددة على انتقال الأراضي لليهود مما ساهم في تهدئة الثورة الفلسطينية التي امتدت من نيسان ١٩٣٦ حتى إيلول ١٩٣٩ ، مما مهد في النهاية إلى تنفيذ وعد بلفور بإقامة الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين في أيار عام ١٩٤٨ والتي أدت لأن يخوض العرب حرباً وهمية ضد الغزو الصهيوني لفلسطين كان أخطر نتائجها طرد نحو ما يزيد عن ٨٠٠ ألف نسمة من الشعب الفلسطيني ليصبحوا لاجئاين في الدول العربية المجاورة ، حيث راح اللاجئون يحلمون بالعودة إلى ديارهم بالقريب العاجل والذي امتد هذا الحلم ليصبح عمره اثنان وسبعون عاماً .
وبرزت قضية اللاجئين كوجه إنساني للقضية الفلسطينية إلى أن كانت الثورة الفلسطينية المعاصرة في فاتح عام ١٩٦٥ حيث حولت هذه الثورة قضية اللاجئين من قضية إنسانية إلى قضية سياسية عنوانها حق العودة وحق تقرير المصير .
اليوم وفي الذكرى الثالثة بعد المئة لوعد بلفور يعود هذا الوعد ليؤكد وجوده على الأرض الفلسطينية من خلال تجسيد الكيان الصهيوني على كل أرض فلسطين التاريخية كدولة يهودية بإعلان قانون القومية الذي لا يعترف بأي حق فلسطيني على أرض فلسطين وذلك بعد أن أطلقت الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب خارطة طريقها التي أطلق عليها صفقة القرن ، والتي في مضمونها نفي مطلق لكل الحقوق الفلسطينية على أرض فلسطين ، وتتعامل مع الفلسطينيين كونهم مجرد سكان في دولة الكيان الصهيوني لا يملكون أي حق من حقوق المواطنة بأي مرتبة كانت .
تأتي ذكرى وعد بلفور الثالثة بعد المئة والدعوة ملحة لحل الدولتين ، دولة فلسطين ودولة ( اسرائيل ) على أرض فلسطين ، هذا الحل الذي يتناقض كلياً مع الموقف الشعبي والرسمي الفلسطيني الرافض لوعد بلفور ، فإذا كان وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين فإنّ حل الدولتين يعمل على تطبيق هذا الوعد بقبول فلسطيني وعربي ودولي ، وقد تم ذلك من خلال رؤية بوش المقبولة فلسطينياً وعربياً ومن خلال المبادرة العربية التي يتمسك بها الفلسطينيون كحل للقضية الفلسطينية.
وها نحن في الذكرى الثالثة بعد المئة لوعد بلفور نشهد قفزة عربية كبيرة في قبول تنفيذه على الأرض من خلال عملية التطبيع العربي الرسمي مع الكيان الصهيوني وإقامة العلاقات السياسية والتجارية والثقافية والرياضية والإعلامية معه على أنه دولة من دول الإقليم .
وعندما يؤكد الفلسطينيون اليوم رفضهم لوعد بلفور عليهم ألا يقعوا في أخطاء استراتيجية تقضي على أهداف نضالهم وصراعهم مع الغزاة الصهاينة كما حصل معهم عام ١٩٣٩ ، فالعرب ما زالوا يعيشون في دائرة التبعية للاستعمار الغربي المتجسد اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية منقادين لسياستها الاستعمارية في المنطقة العربية ، لذلك فإن بعض العرب وإن لم يكن كلهم أصبحوا لا يروا في منح الفلسطينيين حقوقهم إلا عدواناً على مصالحهم الخاصة واعتداءً على سيادتهم الوطنية .
على الفلسطينيين في ذكرى وعد بلفور أن يعيدوا النظر في أسلوب نضالهم والتمسك بأهدافهم الحقيقية من خلال التمسك بمشروعهم الوطني الفلسطيني النقيض المطلق للمشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين حتى لا يقعوا في الخطأ التاريخي الذي وقعوا فيه بعد ثورة عام ١٩٣٦ ، وهذا يتطلب استنهاض ذاتهم بوحدة وطنية حقيقية تجعلهم يمارسون كل أشكال المقاومة ضد الغزو الصهيوني لبلادهم .
فلا يمكن قبول وعد بلفور تحت أي عنوان من العناوين التي أصبحت فخاً لنا لمصلحة عدونا الصهيوني .

كلمات دلالية

اخر الأخبار