إخواننا رغم "التطبيع"؟

تابعنا على:   10:30 2020-10-31

بكر محمود علي أبوبكر

أمد/ بعد الاتفاق الثلاثي بين الأمريكي المتصهين والإسرائيلي الاحتلالي الاحلالي المسيطر على دولة الإمارات العربية المتحدة، ثم لاحقًا الاتفاق على مملكة البحرين العربية، وتلاها الاتفاق على السودان الجريح، والحبل على الجرار، تطرح أصوات عديدة الرفض أو القبول بعنف.

نقرأ ونستمع ونرى الصوت الصاخب والردّاح بالاتجاهين أي باتجاه الموافق أوالرافض للحدث وهو الصوت البغيض الداعي عمدًا أو هبلًا للفرقة والاقتتال الداخلي، وهو ذاته الشتّام والمتعرض للشخوص الوطنية والرموز والعَلَم والإرث الحضاري المشترك.

ونرى من الأصوات تلك المثقفة، أو المتثاقفة، (أو المتثيقفة حسب المفكر مالك بن نبي)، ومن الاعلاميين والكتاب ورجال الدين البلهاء والسياسيين صوت المبرر بجهل مدقع لمعنى الصهيونية وحبائلها والاستعمارية الغربية، أوالمستخفّ بالأمر بمسايرة أوباستمراء خفض الرأس عندما تكون الرياح عاتية في آليه المذلة والعبودية للسلطان، حين يرتفع سيف القهر والاستبداد، أوبتزلّف وبممالأة عجيبة للرواية الصهيونية وكأنه انتقل بقدرة قادر من مقعده العربي أو الاسلامي الى المقعد الصهيوني!؟

ومن الأصوات ذاك الصوت العقلاني الذي يفصل المواقف السياسية (المتغيرة بطبيعتها عبر الزمن والعمل للتغيير) عن سياق احترام وطنية الدول وشعوبها الأصيلة، أوالرابط الحضاري العروبي والاسلامي الذي لا ولن يزول حتى مع التراكض والهرولة والتتبيع وتعملق الانعزاليين العرب.

وحيث أن الحديث يدور حول ما يسمى (التطبيع) مجازا، ما لا اتفق مع تسميته بتاتًا فلا هو تطبيع ولا هو اتفاق سلام، بل هوبالحقيقة (تتبيع) وإندراج واندغام في الزمن الصهيوني بكل وضوح ما جعل آباء الصهاينة المؤسسين لهذه اللحظة يحتفلون في الجحيم. وعليه سأفضل استخدام مصطلح الانعزاليين العرب لانهم هم من عزل نفسه عن الأمة وأهدافها وقيمها الجامعة وعن لسانها الفصيح، بالاندراج في اللحظة الصهيونية ما هو أدق باعتقادي من ألفاظ المهرولين أو المطبعين أوغيرها، وبداية وجب مني هذا التنوية، ونكمل.

إن التعامل الانساني عامة، حتى في ظل الخلاف يجب أن ينطلق من قانون الاحترام المتبادل والاعتراف بالآخر، والحوار في إطار الحق والعدالة، وهنا تكمن السياسة.

ومن هنا اجتهد الفلسطينيون كثيرا في هذا المجال، وأخطأوا وأصابوا، ولكن ذات المنطق يبقى صالحًا، مع الأولى لك فأولى وهم شعوبنا العربية، والاسلامية، ومن ثم أحرار العالم.

نجح الأمريكان

١-نجح الأمريكان بمنطقهم الامبريالي الاستعماري الاستعلائي في اختراق، ثم استبدال العقل العربي الحضاري الوحدوي الفاعل والمنجز ليتحول الى عقل استهلاكي مستقبِل بحت، وهو العقل الذي استبدل السيارة الفاخرة بزراعة القمح، واستبدل اقتناء الهاتف الجوال بصنع أوبصناعة القلم، فتغيرت العقليات وسقطت الأهداف الكبرى، ونزفت المباديء الجامعة، وظهرت النزعات الاقليمية والعشائرية والطائفية والتجارية والشخصية اللاقيمية.

٢-نجحوا مع صهاينتهم الاستعلائيين بتسويق "الاسلام الأمريكي" المُهين للأمة الذي يفهم القرآن الكريم إما تخاذلًا محموداً أمام المحتل! أو تطرفا وإرهابًا ضد بعضنا البعض، فسقطت القضية في ظل المليارات التي سُرقت أو انفقت في هذا السبيل من أفغانستان الى العراق وسوريا.

٣-نجح الأمريكان ومع صعود الإنجيلية-الصهيونية في تفتيت وتجزئ وفكفكة واعادة تركيب البلاد، و نجحوا في تفتيت وتجزئ وفكفكة وإعادة تركيب فكر الأمة وطرائق النظرعندها، وبتخاذلنا واستمرائنا لحالة الدِعة والخنوع، وكما نجحوا في بعث أولويات تافهة لتصبح قضايا مركزية! فأسروا ثم غسلوا الأدمغة والعقول، فلم يعودوا بحاجة للتلويح بالقوة، لقد صنعوا كائنات آلية "روبوتات" تنطق بألسنتهم.

والى ذلك أدخلوا في الأدمغة المريضة والمنحرفة أن الاسرائيلي هو قدرهم!؟ وهو قبلتهم وبوصلتهم في الديمقراطية! والصناعة والزراعة والعلم والتِقانة (التكنولوجيا)!؟ ونيل القبول والرضا.

4-نجح الامريكان في تنصيب الإسرائيلي سيدًا وسلطانًا وخليفة على المنطقة وله اليد العليا بلا منازع، بحيث أصبح الجميع من الانعزاليين العرب يمنّي النفسَ بالدخول في طاعة الإسرائيلي آجلا أم عاجلًا، ولا نستغرب لاحقًا أن يتوافد الزائرون الانعزاليون العرب لتقديم الهدايا الثمينة للكيان، وسك العملة باسم آباء الصهاينة! وتسمية الشوارع والمحال بأسمائهم! وعرض شرائطهم (أفلامهم) باحتلال فلسطين وكأنهم يستعيدون حقًا من البُغاة!

5- النجاح الأمريكي بالغزو للجسد العربي منح الكيان الصهيوني فرصة عمره القصيرنعم القصير، فتحول الكيان الصهيوني من مرحلة إدارة الازمة الى مرحلة تثبيت الرؤية والرواية الصهيونية، التي أصبح لها ممثلون منتشرون في كل محفل!

الثعلب اليهودي الأمريكي المراوغ "ألون بن مائير" في مقاله المعنون: التطبيع وحده ليس مسارا ً للسلام الإسرائيلي – الفلسطيني، يختمه بعبار ذات دلالة عميقة فيما قلناه آنفا حيث اليد العليا والسيطرة الصهيونية على العالم العربي هي للصهاينة فقط، فيكتب متفاخرًا: (حان الوقت ل"إسرائيل" التي تتمتع الآن بالسيطرة ولها اليد العليا أن تفكر فيما سيخفيه المستقبل في غياب سلام إسرائيلي – فلسطيني.) في خلط للحق بالباطل يراد فيه التأكيد على السيطرة واليد العليا فقط.

ضرب الانعزاليون العرب بفلسطين عرض الحائط، وتخلوا عما كان يحقق لهم اللّحمة، ولو الشكلية منذ انشاء الجامعة العربية عام ١٩٤٥، فأسقطوا مركزية القضية فكان الكيان بوصلتهم وقبلتهم الجديدة.

الخطايا الكبرى للمساندين للاتفاقات مع الصهيوني

1-من أكبر خطيئات المساندين للاتفاق الثلاثي بين الإسرائيلي وأمريكا والانعزاليين العرب القول أن الاتفاق جاء ك"حق سيادي!" للدول! وما هو الا اغتصاب للقرار العربي الفلسطيني، بالتدخل السافر في شأنه، ومن وراء ظهره. وخروج تام عن الإجماع العربي وتحلل منه، خاصة قمة القدس في الظهران-السعودية عام 2018 ومبادرة السلام العربية عام 2002.

2-القول أن التعامل مع الإسرائيلي وقضية فلسطين والقدس"قصة قديمة ومملة"!؟ هو قول إسرائيلي بحت تقرأه لدى عديد الكتاب الصهاينة، ومع ذلك نقول أن لا عدالة ولا حق يزول مع الزمن، والنضال والجهاد نفس طويل. ومن ينكر دينه أو عروبته أو حقه هذا شأنه. أو من يتعلل بما يسميه "الواقعية السياسية" بمفهوم الانصياع لرواية الخصم، فهو لا يفهمها أولًا ويحتاج لتثقيف ذاتي، وثانيا هو يقدم تبريرًا للتحلل من التزاماته بالقضية والإجماع العربي وتبريرا للخذلان الفاقع، وهذا أيضا شأنه.

3-القول أننا مع السلام، وأن "إسرائيل مع السلام؟!"هو كلام مضحِك، ووعي مفقود ونظرة سطحية قصيرة، بل ونَفَس قصير جدًا، فلا يقوم السلام الحقيقي في إطار الهيمنة والسطوة والإرهاب من طرف على آخر، ولا في إطار الاحتلال والاستعمار والعنصرية القبيحة واحتلال الأرض بالقوة، ولا يقوم السلام في إطار افتقاد الندية المتبادلة، ولافي إطار عدم الاعتراف المتبادل بين الطرفين (أصحاب الشأن)، لذا يوهم هؤلاء الانعزاليون أنفسهم بذلك، ويتعامون عما يحصل يوميا من اعتداءات بحجم برج خليفة أو أكبر لا تتوقف ضد العرب الفلسطينين وضد أرضنا فلسطين، والى ذلك يتغطّون بالأعذار جميعا لتحقيق مصالحهم التجارية او الاستهلاكية، أو السلطوية الانعزالية البعيدة عن فلسطين.

خيانة وجبن وكفر ....الخ من اتهامات هي مصطلحات التنظيمات الأيديولوجية، وهي مصطلحات ليست ذات طابع سياسي متغير، وحين لا نقبلها ونرفضها فإننا نفتح الباب على مجمل الأمة وقادتها رغم كل شيء، فالسياسة تحقيق الحق والعدالة في إطار الممكن، والسياسة فهم المتغيرات والتعامل معها بالتزام، وعندما لاينفع الانتماء الواحد وجدار الحماية العربي الرسمي الذي تفتّت في جلب الموقف الواحد، فإن الشعوب العربية قاطبة لن تتخلى مطلقا عن قضيتها المركزية أو عن أن تكون الجدارالحامي، ولنا أيضا أن نلجأ للسياق الإنساني العام.

هل رفضنا التطبيع؟

في السياسة والواقعية السياسية لم ترفض دولة فلسطين الساعية للاستقلال من الاحتلال الصهيوني التطبيع العربي كفكرة، بل هي أي فكرة التطبيع -التحفيزية للآخرالمعتدي الصهيوني- ما نص عليه في عام 2002 م، في إطار المبادرة العربية للملك عبدالله بن سعود، ولكن أن يكون هذا التطبيع تاليًا لتحقيق الدولة الفلسطينية (أي تطبيق المبادرة من ألف الى ياء وليس العكس)، ما هو قوة ودعم للفلسطيني على عكس ما يحصل اليوم، من الياء ولا ألف بالأفق!

ورغم ذلك لم يُفهم التطبيع المذكور ولو للحظة واحدة أنه انسحاق آثم تحت قدم الصهيوني وروايته وأوامره اللعينة هو وضامنه الامريكي المتصهين، و(اندلاقًا) عز نظيره للإئتمار بما يقرر الصهيوني على الصعد التجارية والرياضية والتقانية.... بل ويا للطامة الكبرى الثقافية بابتياع الرواية الصهيونية الخرافية وخرافات الابراهيمية السخيفة، وشعب يهوه المختار.

بل كانت الفكرة التطبيعية تفهم في إطار وحدة الأمة على الأقل حول الرواية والثقافة العربية والفلسطينية التي تجمعنا أكثرمما تفرقها، فيكون التطبيع مرتبطا بالسياسي الرمزي أي تبادل السفارات مثلاً، كما حصل في مصر والاردن؟ لا انكبابًا عجيبا غريبا!

ليكن مفهوما أن الفعل السياسي المرحلي أو ما سمي الواقعية السياسية لا تُسقِط الحقوق الطبيعية والتاريخية والقانونية مطلقا ولا تلغي الاستمرار بالمطالبة بالحق وتحقيق العدالة بأرضنا كلها، وهي التي تنبع من أحقيتنا التي لا تشوبها شائبة في أرضنا فلسطين والعودة لها، مهما كان الفكر المرحلي والواقعية السياسية تعني مرحليا دولة محدودة على نسبة تافهة من أرض فلسطين، وليس كما يفهم المتثيقفون المتصهينون.

كيف نتعامل مع الأشقاء؟

في ظل ما سبق، كيف نتعامل مع الدول الشقيقة التي دخلت في مستنقع الارتباط بالمخطط الامريكي الصهيوني؟ أو التي تفكر؟ من الدول العربية الشقيقة فيها من القواعد ثلاثة:

أولها: أنه لايجوز لنا حين تخالفنا دولة من الدول العربية، مهما كان حجم الخلاف السياسي أو الرسمي، حتى في الشأن المصيري، أن نصِم الشعب أوالبلد بسِمات وصفات هي عار على الطرفين، ولايجوز أن ننزع عنهم ثوب الدم والعروبة والحضارية والإسلام الذي نتشاركه.

ثانيًا: المسّ برموز قادة أمتنا عامة، وفي كل بلد، مرفوض لأنه يؤثر سلبًا حتى على عدالة القضية، وعلى الحق الذي ننطلق منه، وعلى العلاقة العربية والانسانية ذاتها.

فكما لا نقبل من أحد التعريض بعلَمنا أو أي من رموزنا-مع قبولنا بنقد مواقفنا-فإننا يجب أن نمتنع عن نقد الرموز العربية كقاعدة ثابتة.

ثالثا: يجب ألا نغلق الباب مع أي بلد، مهما كان موقفه منحرفا أو منسحقًا، خاصة مع المثقفين والكُتّاب وقادة الرأي والقبائل والاعلاميين والعلماء والأحزاب والجمعيات...الخ، حتى لو كان حجم خلافنا مع الموقف السياسي لأي بلد ومتخذيه كبيرا بحجم جبل الجرمق أعلى جبل في فلسطين.

نقول أيضا أنه بغض النظر عن حريق الأكباد الذي نعانيه يوميا من الاحتلال الصهيوني، الذي يحرمنا حتى الهواء النقي، ومن المتصهينين الأمريكان والعرب والانعزاليين، فإن هذا لا يمنحنا الحق، ولا في إطار العدالة والحق، أوالإحساس بالظلم والخذلان من الشقيق قبل الصديق، أن نغلق باب التغيير معه، فقضيتنا مقاومة وجهاد، ونصر أو استشهاد، ونضال طويل النفس، حتى لو تفرق عنّا الجميع فواجبنا الرِّباط والصبر والمصابرة حتى التحرير والنصر المؤزر بإذن الله.

#بكر_أبوبكر

كلمات دلالية

اخر الأخبار