مقاومة أشجار الزيتون

تابعنا على:   17:50 2020-10-22

د. إلهام جبر شمالي

أمد/ اعتاد ديفيد بن غوريون، في أكثر من مناسبة، يُذَكِرُ أن فلاحي روما هم الذين هزموا هنيبعل، في إِشارة منه إلى ضرورة اقتلاع كل مزارع فلسطيني من أرضه، بأي وسيلة كانت، ولذلك لم تستهدف قوات الاحتلال الشعب الفلسطيني فقط، بل استهدفت جذوره، فتعرض الإنسان والشجر لحرب شرسة من المستوطنين، فشجرة الزيتون ترمز للوجود والبقاء الفلسطيني، وتاريخها المتجذر في أعماق الأرض يرمز إلى الصمود الفلسطيني، الصمود الذي يزعج كل من وطأة أقدامه هذه الأرض، فبات المستوطنين في صراع مع أشجار الزيتون؛ كيف لا وهي التي تنكر ارتباطهم بفلسطين، ومع بدء موسم قطف الزيتون قبل أسبوعين، تزايدت هجمتهم على المزارعين  أثناء قطفهم لثمارهم، كأنها حرب موسمية، تنتظرها أشجار الزيتون، التي عمرها أكبر من عمر دولة الاحتلال، فهي الشاهد الحي على صغر سنوات اسرائيل، فالصراع مع أشجار الزيتون صراع مع الهوية، والتاريخ، والجغرافية والثقافة الفلسطينية.

أكثر من نصف مليون شجرة زيتون مثمرة تم اقتلاعها خلال العشرين سنة الماضية؛ لغاية اسرائيلية واحدة هي تسهيل استيطان الأرض، وضمها للمستوطنات القريبة منها، أو لشق طرق خاصة بالمستوطنين، وخلال هذا العام اقتلعت نحو 7000 شجرة، ولحق بموسم حصاد الزيتون في الضفة الغربية خسائر فادحة، فحتى الأن وصلت نحو 5% من اجمالي حجم انتاج زيت الزيتون، نتيجة لإرهاب المستوطنين خلال أسبوع واحد فقط.

اعتداءات لم تنتهي من المستوطنين بحق قاطفي الزيتون في عدة قرى كقرية نعلين، وبرقة، أوقعت إصابات عديدة، وسرقة محصول الزيتون بعد الانتهاء من قطفه على مرآى من جنود الاحتلال، قرب الأراضي المحاذية للمستوطنات المقامة على أراضي المزارعين، بالإضافة لسرقة الأدوات الزراعية التي تستخدم في موسم الحصاد، وتعرضت أشجار الزيتون، أسوة بالمزارع، لصنوف الإرهاب، ما بين تكسير أغصانها، أو اقتلاعها من جذورها، بالإضافة لحرق مئات الدونمات بشكل مستمر دون أي رادع، وتحت حماية جنود الاحتلال قام مجموعة من المستوطنين بقطع نحو ثلاثمائة شجرة معمرة غربي بيت لحم، تعود لقرية جبعة، بعد أن قاموا بسرقة محصول حوالي 100 دونم.

وتتولى منظمات تدفيع الثمن، وشبيبة التلال الإرهابية، وتنظيم تمرد الذي انشق عن شبيبة التلال اليمينية المتطرفة، مع قطعان المستوطنين، الذين تتراوح أعمارهم من 16-25 سنة  مسؤولية ارتكاب الانتهاكات بحق البيئة الفلسطينية، بشكل منظم، فلم تمنعهم جائحة كورونا من إلحاق الأذى بالمزارعين، في ظل غياب حملات التضامن الدولية، التي تنطلق في مثل هذا الوقت من كل عام، لحماية المزارعين من بطش المستوطنين، الذين لم تمنعهم قوات الاحتلال عن ارتكاب المجازر بحق موسم قطف ثمار الزيتون، ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، واغراقها بالمياه العادمة، أو تجريف، والحرق باستخدام الزجاجات الحارقة على مئات الدونمات في قرية صفا غرب رام الله، الذي استمر لأكثر من ثلاث ساعات، دون تمكن أصحابها من الوصول إليها؛ لإخماد الحرائق كونهم يقيمون خلف جدار الفصل العنصري.

وطالت عمليات التجريف نحو 124 دونما في وادي الشامي، مزروعة بأشجار الزيتون المعمرة التي تفوق أعمارها المائة عام، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد بل أصدرت سلطات الاحتلال نحو 101 أمراً عسكرياً، تضمنت قوانين وأوامر عنصرية، لمصادرة وإغلاق مناطق وأراضي زراعية قدرت مساحتها بنحو 9.740 دونماً، منها 68.4% مزروعة بالزيتون بمساحة 6.658 دونماً، التي يقارب عددها نحو 106.528 شجرة، حسب معهد أريج، تقع بالقرب من عدة مستوطنات وبؤر استيطانية في نابلس، وقلقيلية، والخليل، و بيت لحم، ورام الله، وذلك تزامناً مع بدء موسم قطف الزيتون، ومنثم بدأت بطرد المزارعين من أراضيهم، التي تعد مصدر رزق مئات العائلات الفلسطينية في هذا الموسم، وهي هجمات تتكرر بشكل سنوي، لجعل المزارع عاجز عن إعالة اسرته، واجباره لتفكيك التجمعات الفلسطينية كونها مناطق غير آمنة من هجمات المستوطنين.

مجمل تلك الانتهاكات هدفها افشال موسم الزيتون، عملاً بفتوى الحاخام عوباديا يوسف، الذي منحهم فتوى دينية تجيز حرق وتقطيع الأشجار وسرقة محصولها، في حين جاءت كل الأعراف الدينية للحفاظ على حياة البشر والشجر.

ولكن كل تلك العقبات لم تمنع الفلسطيني من الوصول إلى أرضه ومجابهة المستوطن وقوات الاحتلال وجني ثمار محصول، فالعلاقة المزارع الفلسطيني بشجرة الزيتون علاقة تاريخية، لن تنال منها جرافة المحتل وقطاع المستوطنين بأي حال من الأحوال.

وختاماً: تعد أشجارة الزيتون والمحافظة عليها حالة نضالية استثنائية في فلسطين، تربط الفلسطيني بأرضه المقدسة، الذي أقسم الله بها سبحانه وتعالي في كتابه " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ"، وهي التي تمثل رمز للسلام الفلسطيني.

كلمات دلالية

اخر الأخبار