اتفاق أوسلو يولد من جديد

تابعنا على:   18:55 2020-10-20

أيمن الرقب

أمد/ بعد مرور سبعة وعشرين عاماً على توقيع اتفاق أوسلو في 13 من سبتمبر 1993أصبح الغموض واليأس يكتنف الحالة السياسية الفلسطينية الرسمية، سواء من حيث التحولات التي طرأت على النظام السياسي ومكوناته ووظائفه، أو من حيث طبيعة العلاقة التي تربط الفلسطينيين بالإسرائيليين، خصوصاً بعد وصول المفاوضات الرسمية لطريق مسدود وانتقال راعي التسوية –الولايات المتحدة الامريكية- من دور الوسيط إلى الشريك للإسرائيليين وانقلابه على حل الدولتين من خلال طرح الرئيس ترامب صفقة القرن، ثم إعلان القيادة الفلسطينية بأنها في حل من الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل .

الواقع الفلسطيني الراهن والذي وصل إلى طريق مسدود إن لم يكن الفشل سواء بالنسبة لمشروع السلام الفلسطيني أو مشروع المقاومة، يرجع في جزء كبير منه لاتفاقات أوسلو التي عجز الفلسطينيين من استغلالها وتوظيفها بشكل جيد في حين استطاع الاحتلال الإسرائيلي توظفيها لفرض وقائع على الأرض لا تتطابق مع نصوصها التي وافق عليها الجانبين .

 هذا الواقع يقودنا لتساؤلات عديدة هي : هل ما زالت العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين محكومة بهذا الاتفاق ، أم أن الاحتلال الإسرائيلي فرض واقعاً على الأرض يتجاوز كل الاتفاقات الموقعة؟

و هل الخلل كان في تسوية أوسلو؟ 

وما هي البدائل المتاحة أمام الفلسطينيين للخروج من تبعات أوسلو؟ 

وما سبب التردد الرسمي الفلسطيني في اتخاذ خطوات عملية جريئة إما باتجاه الانتقال فعلياً نحو الدولة ووضع حد لاتفاقية أوسلو وملحقاتها وما أفرزت من وقائع ميدانية، أو العودة لمرحلة التحرر الوطني وتحمل كل تبعات ذلك؟.

مقاربة التساؤلات أعلاه تتطلب بداية قراءة موضوعية للموقف الرسمي الفلسطيني من عملية التسوية و يجب التفريق بين مرحلتين ما قبل توقيع اتفاق أوسلو وما بعده  فلم يكن ولوج منظمة التحرير لعملية التسوية خياراً مريحاً أو تتويجا لانتصارات حاسمة، دون تجاهل دور الانتفاضة 1978 في استنهاض الحالة الوطنية ولفت أنظار العالم إلى ما يجري في فلسطين، بل كان ممراً إجبارياً أو محاولة لوقف الانهيار والتراجع الذي أصاب القضية الفلسطينية بسبب الاختلال في النظامين العربي والدولي مما أثر سلبا على القضية الفلسطينية ومن ضمنها حرب الخليج الثانية ١٩٩١م  و انهيار الاتحاد السوفيتي. 

فمحاصرة الثورة الفلسطينية بعد حرب الخليج الثانية بسبب اتهام الرئيس أبو عمار بدعم الموقف العراقي، كان حصاراً مالياً وسياسياً شديداً.

وكذلك ظهور حركة حماس من خارج منظمة التحرير الفلسطينية وبداية تعامل دول وحركات عربية وإسلامية معها دون الرجوع لمنظمة التحرير.

اضافة لتغلغل فكر التسوية عند غالبية الدول العربية ورغبتها في إيجاد تسوية سياسية للصراع  مع إسرائيل وخصوصا بعد حرب الخليج الثانية وتداعياتها، وهنا نلاحظ أن مؤتمر مدريد للسلام 1991 سبق توقيع اتفاقية أوسلو، ولو لم يكن مؤتمر مدريد ما كانت اتفاقية أوسلو.

كل ذلك أضعف من قوة الثورة الفلسطينية، وبقي الفلسطينيون وحيدين في الميدان، الأمر الذي كشف الهوة الواسعة بين أهداف المشروع الوطني الأول والممكنات الفلسطينية، وكان مطلوب تدفيع الثورة الفلسطينية الثمن على سياسات وممارسات لم تكن خاطئة تماما بقدر ما كانت محصلة لتحالفات وتوازنات تلك المرحلة. وقد حاولت القيادة الفلسطينية التكيف مع هذه الاختلالات مع الحفاظ على استقلالية القرار الفلسطيني من خلال نهج الواقعية السياسية وإعادة النظر في أهداف النضال الفلسطيني وطرق تحقيقها فكان الدخول في المفاوضات السرية بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي هو نتاج كل هذه المتغيرات .

وبعد توقيع اتفاقية أوسلو سادت حالة من الإرباك وعدم الوضوح في كيفية التصرف والتعامل مع الواقع الجديد في ظل وجود سلطة فلسطينية وما عليها من استحقاقات بمقتضى الاتفاقات الموقعة. كانت أهم مظاهر هذا الإرباك انقسام الساحة الفلسطينية انقساماً حاداً ما بين من يؤيد عملية التسوية ويراهن عليها كفرصة ومنعطف مصيري يمكن المراهنة عليها للوصول للدولة الفلسطينية المستقلة، وهذا الطرف الفلسطيني تعامل مع اتفاقات الحكم الذاتي المؤقت أو ترتيبات المرحلة الانتقالية وكأنها اتفاقات سلام، الأمر الذي دفع بكثير من الفلسطينيين والعرب إلى التعامل مع إسرائيل وكأنها شريك سلام والتعامل مع الصراع برمته وكأنه حُسم وأصبح من مخلفات الماضي.

في المقابل رفض آخرون مثل الجبهة الشعبية و حركة حماس والجهاد الإسلامي وقوى أخرى وشخصيات من داخل منظمة التحرير وخارجها هذه المراهنة واعتبروا الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل وقيام السلطة الفلسطينية خروجاً عن الثوابت الوطنية ونهجا استسلامياً. 

بالإضافة التي التحديات التي واجهت السلطة من معارضيها ظهرت أشكال من الفساد وسوء الإدارة في السلطة فاقمت من مشاكلها.  

بشكل عام يمكن الإشارة إلى أوجه الخلل في التعامل الفلسطيني الرسمي مع عملية التسوية منذ بداياتها وكذلك التداعيات السلبية لاتفاقية أوسلو وتطبيقاتها، وهي تتراوح ما بين الأخطاء الاستراتيجية والخلل في الإدارة، وعدم وضوح الرؤية.

فرغم الظروف الحالية الصعبة فهل فشلت تسوية أوسلو بالفعل؟

بالرغم من كل التصريحات الفلسطينية والإسرائيلية التي تُعلن نهاية مشروع التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلا أن الوقائع على الأرض التي أوجدتها الاتفاقات الموقعة: كبناء جدار الفصل، استمرار الاستيطان، تغيير الوضع القائم في القدس والمسجد الأقصى، التنسيق الأمني، التداخل الاقتصادي، الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة والمحاولات الجارية لتكريس الهدنة في قطاع غزة، بالإضافة إلى الجدل الدائر في الأوساط الفلسطينية عما إن كان من المصلحة الوطنية إنهاء السلطة الفلسطينية أم الحفاظ عليها لأنها أوجدت مكتسبات يجب الحفاظ عليها، كل ذلك يجعل الحديث عن فشل اتفاقات التسوية أو تجاهل تداعياتها أمراً صعباً، كم يتباين مفهوم الفشل والنجاح عند كل طرف من طرفي التسوية.

إن أي حديث عن الفشل والنجاح يبقى نسبيا نظراً للأسباب المُشار إليها ولعدم وجود مشاريع تسوية سياسية بديلة، ولأن القول بفشل التسوية قد يكون صحيحا بالنسبة للفلسطينيين ولكنه ليس كذلك بالنسبة للطرف الثاني الذي لم يكن راغباً بالفعل في إنجاز تسوية تؤسس لسلام عادل يلبي الحقوق الوطنية الفلسطينية -دولة في الضفة وغزة وعاصمتها القدس الشرقية مع إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين ـ-وعليه فإن الفشل من وجهة نظر الفلسطينيين يعني عدم تحقق هذا الهدف، مع أن هذا الهدف لم يتم ذكره في أية من الاتفاقات الموقعة ولم يلتزم الطرف الثاني بأي يوم من الأيام.

سواء أسميناه فشلاً أم تعثراً أم إدارة مغايرة للصراع، فإن تحديات كبيرة تواجه الخروج نهائياً من التزامات أوسلو أو عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل انطلاق مسلسل التسوية، لأن واشنطن وتل أبيب أخذتا في الحسبان بداية أن الفلسطينيين سيكتشفون حقيقة ما يحاك لقضيتهم الوطنية تحت شعار التسوية وبالتالي قد يرتدون عنها. عليه خلقت واشنطن وإسرائيل وقائع ومناخاً سياسياً لقطع طريق العودة. الوقائع التي فرضتها دولة الاحتلال على الأرض كالاستيطان المتعاظم والمستمر وبناء الجدار وتهويد القدس والطرق الالتفافية والحواجز، جعل عودة الأمور إلى ما كانت عليه أمراً مستحيلاً حتى وإن أعلن الفلسطينيون فشل عملية التسوية وتخليهم عن الالتزام بالاتفاقات الموقعة بشأنها.

كما لعب الانقسام الحاد وغير المسبوق في الصف الفلسطيني نتيجة انقلاب حركة حماس في يونيو 2007 وتعززه تدخلات خارجية، مما ألغى استقلالية القرار الوطني وجعل المشروع الوطني واستقلالية القرار الوطني مجرد شعارات.

و نتيجة للمتغيرات المهمة حديثا مثل الإعلان عن صفقة القرن 28 يناير 2020م وكذلك إعلان نتنياهو عن نيته بضم مناطق من الضفة الغربية لإسرائيل.

كان على  القيادة  الفلسطينية ان تحسم أمرها وتعلن رسمياً الخروج من اتفاقية أوسلو وسحب اعترافها بإسرائيل.  حتى بعد قرار القيادة الفلسطينية بأنها في حل من الاتفاقات الموقعة، إلا أن واقع الحال يدرك ان ما حدث هو تحايل على الحالة وإعادة ترتيب اوراق أوسلو بشكل جديد فرئيس السلطة الحالي محمود عباس والذي يعتبر مهندس أوسلو اذا اعلن عن فشل أوسلو بشكل مطلق فهذا يعني فشله شخصية اضافة لامتيازات الموقع الذي يتقلده كرئيس للسلطة الفلسطينية حتى لو كانت بلا قيمة سياسية و لا سلطة على الارض الا انها تعطيه امتيازات شخصية له وللمقربون منه تجعل الخلاص منها مستحيل وبالتالي الخلاص من أوسلو شبه مستحيل في عهد رئيس السلطة محمود عباس والذي يناور حاليا في ملف المصالحة الفلسطينية والانتخابات وتجديد الشرعيات التي يرى كثيرون انها بعيدة عن التحقيق 

خلاصة

سعى ابو مازن لتدخل وسطاء  لإقناع اسرائيل بوقف الضم مقابل العودة لطاولة المفاوضات بدون شروط مسبقة من الطرفين وعقد مؤتمر دولي للسلام يعلن عن انطلاق عودة المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي ورغم اعلان الإمارات والبحرين ان جزء من تطبيعها مع اسراىيل كان هدفه وقف الضم الإسرائيلي لاراضي الضفة الفلسطينية الا ان هذا لم يروق للرئيس ابو مازن وذلك لإعتبارات شخصية اقلها ان ألذ خصومه السياسيين النائب محمد دحلان يقيم في دولة الامارات.

يسعى رئيس السلطة الفلسطينية لاقناع الجميع بضرورة انقاذ مشروع التسوية من خلال عقد مؤتمر دولي للسلام يستند للقرارات الدولية وليس على أساس صفقة ترامب و هذا ما يتبناه في كل مناسبة او لقاء واعتقد ان الجميع سيقتنع بأن هذا الحل هو ما سيضمن ماء الوجه من جديد ويعيد ضخ دماء في اتفاقية أوسلو ومنتجاتها، وقد يولد أوسلو جديد و بمشاركة كل الفصائل الفلسطينية وهذا ما يسعى اليه رئيس السلطة وذلك بتوريط الجميع في نهج التسوية و إثبات انه كان ولا زال على صواب.

كلمات دلالية

اخر الأخبار