موسم التلاعب الإسرائيلي بالناخب الأمريكي

تابعنا على:   19:37 2020-10-02

د. خالد رمضان عبد اللطيف

أمد/ تعد السنوات الأربع التي قضاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الحكم الأكثر رواجاً لإسرائيل، حيث يعد أكثر الرؤساء دفاعاً عن الكيان الصهيوني وتسويقاً لقضاياهم الفاشلة، حتى أنه ضحى بمصداقيته ونزاهة بلاده المفترضة كشريك أساسي في "عملية السلام"، الأمر الذي يطرح سؤالاً عريضاً حول الدفاع المستميت للإدارات الأمريكية المتعاقبة عن إسرائيل بشكل دائم؟، ولماذا تقدم مصلحة الكيان الصهيوني على مصلحتها؟، يل إن  إدارة البيت الأبيض لم تتجاوز الخطوط الحمراء مع تل أبيب، حتى في أشد لحظات الخلاف بينهما، والسؤال الآخر هو: كيف أصبحت سلطة الاحتلال حليف استراتيجي موثوق للولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟، وكيف أضحت الانتخابات الأمريكية موسماً للتلاعب الإسرائيلي المعتاد بالناخب الأمريكي وسيد البيت الأبيض الحالي والقادم؟.

لا شك أنها أسئلة مشروعة خاصة وأن هناك علاقات آثمة جمعتهما منذ عقود طويلة، إذ لم يتطلب الأمر من الولايات المتحدة أكثر من 11 دقيقة للاعتراف بإسرائيل بعد قيامها إثر نكبة عام 1948، وبالرغم من أن الرئيس الأمريكي الديمقراطي الـ33 هنري ترومان كان قلقًا من مآلات أحداث النكبة الدامية، والتي تبعها مقترحه بتشكيل حكومة وصاية ثنائية على الأراضي الفلسطينية؛ إلا أن  هذا المقترح ولد استياءً كبيراً بين الإنجيليين، واللوبي الإسرائيلي، ولأن ترومان كان على مشارف انتخابات ولايته الرئاسية الثانية، فقد نصحه مستشاره كلارك كليفورد، بالتخلي عن مقترحه والاعتراف بإسرائيل لكسب المزيد من الأصوات المسيحية، وهكذا فاز بدورته الثانية عام 1948، ومنذ ذلك الوقت أصبحت السياسة الداخلية الأمريكية رهينة العلاقات مع الكيان الصهيوني.

مع انتشار الحركة المسيحية الصهيونية، بدأت اللوبيات الداعمة لإسرائيل تغزو البيت الأبيض بقوة، فقد كان خطاب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في أعوامه الانتخابية عام 1967، وعام 1972، خطابًا قوميًا يمينًا خالصًا، حرص على جذب أصوات الأغلبية من المسيحيين البيض، وخصوصًا في الولايات الجنوبية، وتُعتبر حقبة نيكسون فترة قطيعة مع النظام العلماني الذي تبع الحرب العالمية الثانية، وهو النظام الذي رسخه فرانكلين روزفلت، وترومان، وكينيدي، ومن خلال النهج الشعبوي اليميني، المتمسك بالعقيدة المسيحية الإنجيلية، بدأ نيكسون بتغيير شامل لمسار النظام الأمريكي، وإعادة تقريب دور الدين في السياسة، وهو نهجٌ يشبه كثيرًا ما يتبناه الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، ويعكس هذا الخلط الذي حدث بين الدين والسلطة السياسية، تراثًا بروتستانتيًا للدولة والمسيحية التي تعادي الشيوعية، خاصةً بعد الحرب العالمية الثانية، وبمرور الوقت أصبحت إسرائيل ممثل المعسكر الأمريكي والحامية لمصالحها في الشرق الأوسط، خاصةً بعد صعود الاتحاد السوفيتي، ومشاريع قومية عربية، كالناصرية والبعثية.

لم تحظَ دولة في العالم بمثل ما تحظى به إسرائيل من دعم بالمال والسلاح الأمريكي، فقد استطاع اللوبي اليهودي الضغط على الإدارات الأمريكية للإبقاء على المساعدات الأمريكية التي بلغت قيمتها التراكمية خلال الفترة (1951-2020) نحو 157 مليار دولار، في المقابل، لم يقتصر الدور الإسرائيلي على تمثيل المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وإنّما امتد إلى القارة الأفريقية وأمريكا اللاتينية، وبعدما أصبحت الوكيل الأساسي لأمريكا، حظيت إسرائيل بحصانةٍ كبيرة من النقد الأكاديمي والإعلامي داخل الولايات المتحدة، وداخليًا لم يختلف الديمقراطيون أو الجمهوريون على دعم الكيان الصهيوني، ويعتبر اللوبي الإسرائيلي أقوى مجموعات الضغط نفوذًاً داخل أمريكا، ولا يتشكل هذا اللوبي فقط من اليهود الأمريكان، وإنما أيضاً من المسيحيين الصهاينة، والمسيحيين الإنجيليين.

تعد منظمة «أيباك»، التي تعمل داخل الولايات المتحدة منذ عام 1951، أكبر مؤسسات هذا اللوبي المتوغل وأعتى أنصار إسرائيل، وهي تحاول التأثير على صناعة القرار السياسي بما يخدم مصلحة إسرائيل، فمنذ تأسيسها، أصبح العديد من الأعضاء المؤثرين في أيباك في مجلس الشيوخ، ورؤساء الأغلبية في مجلس النواب، بالإضافة إلى المستشارين للرئيس الأمريكي، وتقوم أيباك بالتأثير على هذه الشخصيات من خلال الدعم المالي، بشرط أنّ يدافع هؤلاء الأعضاء بالهدف الأساسي للمنظمة؛ وهو الحفاظ على السياسات الداعمة لإسرائيل داخل البيت الأبيض، بالإضافة إلى تشويه سمعة كل من يعارض مصالح إسرائيل في واشنطن، عبر حملات إعلامية ممنهجة، والاستعانة بمراكز أبحاث بالغة التقدّم للترويج لسياسات تُـساند مصلحة إسرائيل دائماً.

لا يقتصر الأمر على «أيباك»، إذ توجد منظمات أخرى تخدم مصلحة إسرائيل، أحدها «فيلوشيب»، وهي منظمة مسيحية سرية، ولها شبكة تواصل كبيرة مع قادة العالم وصناع القرار، وتنظم سنويًا إفطار الصلاة الوطني، بحضور العديد من قادة العالم، وعند بعض الدوائر الأمريكية تعتبر منظمة الفيلوشيب كوزارة خارجية غير رسمية، وقد لعبت دورًا مهمًا في اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978، واتفاقية السلام بين رواندا والكونغو عام 2002، وفي المجمل، يمكن القول بأن الحركة الصهيونية استفادت من وجود غالبية يهود العالم في الولايات المتحدة، حيث يصل عددهم إلى أكثر من خمسة ملايين يهودي.

اللافت في الأمر، أن السنوات الأخيرة شهدت تحولًا مهمًا، وهو تراجع دعم الحزب الديمقراطي لإسرائيل، ونقدهم الحاد على سياسة الاستيطان، النهج الذي انتهجه الرئيس باراك أوباما في نقد إسرائيل، وقد قاطع تسعة شخصيات من الحزب الديمقراطي مؤتمر أيباك العام الماضي، أحدهم السناتور بيرني ساندرس، والذي كان أحد أهم العوامل في هذا التغيير، بدعمه دخول النائبتين إلهان عمر ورشيدة طالبة إلى مجلس النواب الأمريكي، واللتين تدعمان القضية الفلسطينية، وحركة المقاطعة الإسرائيلية، لكن في المجمل سيكون للوبي اليهودي كلمته الحاسمة في الانتخابات المقبلة، وسيبقي الرئيس الجمهوري كالديمقراطي أسيراً لآلة الدعاية الإسرائيلية، مما يفرض ضغوطاً على الجالية المسلمة في أمريكا في مواجهة كل هذا التوغل الصهيوني الغير مبرر والذي يضحي عمداً بمصلحة أمريكا من أجل إسرائيل لمجرد أن الساسة أرادوا ذلك.

اخر الأخبار