ما هو المطلوب قبل الذهاب للانتخابات الفلسطينية

تابعنا على:   10:19 2020-10-01

د. عبير ثابت

أمد/ فى كل الأنظمة السياسية الديمقراطية تمثل الانتخابات الوسيلة المثلى لاختيار صناع القرار وراسمي السياسات، وهى خيار منطقى وعقلانى يمثل قمة الهرم فى التكوين السياسى للنظم السياسية الديمقراطية. لكنها لا تتعدى كونها وسيلة فى الأنظمة الديمقراطية؛ ولا يمكن أن تكون الانتخابات غاية بالمطلق إلا فى الأنظمة الدكتاتورية التى ترى فى الانتخابات قناعا يخفى صورة مشينة لها؛ وكذلك قناع يحمل بصمة الشعب المغلوب على أمره والفاقد للأهلية السياسية فى نظر حكامه. 

ونحن الفلسطينيون حالنا كحال باقى الشعوب العربية، فخلال الربع قرن الماضى وهو عمر تجربة الحكم الذاتى لم ننجح فى صياغة نظام حكم ديمقراطى برغم الحاجة الملحة لوضعنا السياسي؛ والتى كان يجب أن تجعل من تجربتنا استثناء عن باقى تجارب الأنظمة العربية. لكننا اقتفينا بكل عناية خطى الأنظمة العربية؛ وربما يرجع ذلك بالأساس لعدم إدراكنا فى حينه خطورة فشل الفلسطينيين فى تجربة حكم نفسهم على مستقبل قضيتهم؛ والتى يعد إنشاء نظام الحكم السياسي النموذجى الحديث جزءً لا يتجزأ من أهم محاور الصراع مع إسرائيل إن لم يكن هو الأهم، ومع الأسف فقد فشلنا كسائر الأنظمة المحيطة، وكانت أهم معالم هذا الفشل الانقسام الفلسطيني؛ الذى استمر لما يزيد عن عقد تجمدت خلاله الحياة السياسية لصالح طبقة سياسية حاكمة انتجتها حالة الانقسام تفردت بكامل صلاحيات السلطات الثلاث؛ وكان الضحية لتلك الحالة الشعب والنظام السياسى النموذجى الذى لم يولد من الأساس. 

واليوم وبعد 26 عام على قيام السلطة و13 عام من الانقسام الفلسطيني؛ وبعد هذا التراجع والضعف السياسى الذى انعكس أضعافا مضاعفة على قضيتنا وأوصلها إلى هذه الحالة التى نحن جميعا فيها اليوم، تبدو فكرة الانتخابات التى اتفق عليها الخصوم كخطوة أساسية لإنهاء الانقسام استمرار لنفس ما هو كائن منذ ربع قرن من حالة الارتجال؛ فنحن لا نمتلك بالأصل أحزابا سياسية بل تنظيمات مسلحة؛ كما أننا لا يوجد أحد يراقب موازانتها ومصادر تمويلها، وجل ما نملكه قانون أساسي ضعيف البناء والصياغة يختص بصلاحيات السلطة الوطنية ولم يستفتى عليه الشعب؛ إضافة إلى أنه لا يعالج ازدواجية الصلاحيات فى كثير من مناحى الحياة السياسية الفلسطينية بين منظمة التحرير الفلسطينية بسلطتيها التنفيذيتين اللجنة التنفيذية والحكومة والمجلس التشريعى والوطنى.  

إن إنهاء الانقسام الفلسطينى كان يتطلب منذ اليوم الأول إنشاء لجنة تحقيق مستقلة فى أسباب هذا الانقسام وهو ما لم يحدث؛ ولو كان حدث لكنا اختصرنا سنوات من الضياع؛ ولأدركنا أن أحد أهم أسباب الانقسام هو عوار النظام السياسى الفلسطيني؛ وأن إصلاح النظام السياسي هو أول الخطى لإنهاء الانقسام وعدم تكراره، فالمشكلة لم تكن يوما فى الانتخابات؛ فقد عقدت الانتخابات فى 2006 وكانت شفافة وديمقراطية ولم يشبها شائبة لكن ما الفائدة فى عملية انتخابية ديمقراطية فى نظام سياسي مرتجل يفتقد لكل ميكانزمات الديمقراطية الحقيقية. 

والمطلوب من الفرقاء الفلسطينيين اليوم لم يعد إنهاء الانقسام الفلسطينى كما يظن البعض؛ فقد تعدت تطورات ما يجرى فى المنطقة وما يرسم من خطط لتصفية القضية تلك المرحلة، وما هو مطلوب منهم هو إدراك أن عدم إصلاح النظام السياسى سيفتح الباب واسعا لقوى دولية وإقليمية لإعادة صياغة نظام سياسي فلسطينى بمقاييس وأيدي غير وطنية، وهو بالخطورة بمكان لأنه ما سيكرس لعقود نظرية إسرائيل التى تروج لها بأن الفلسطينيين غير مؤهلين لحكم أنفسهم وأن منحهم وطن مستقل لا يزال بعيد المنال. 

ما هو مطلوب من الفلسطينيين اليوم وقبل أى انتخابات إقرار قانون للأحزاب وتوحيد البندقية الفلسطينية تحت علم فلسطين والبدء فى صياغة مسودة الدستور الفلسطينى واستبدال السلطة ومنظمة التحرير بدولة فلسطين وحكومتها التى تستند لاعتراف دولى بها كدولة مراقب فى الأمم المتحدة. 

علينا أن نفرض على الأرض والعالم واسرائيل الدولة الفلسطينية ذات السلطات والمؤسسات الديمقراطية المنتخبة؛ وهكذا نعيد الاعتبار لسلطة الشعب وبهذا نقر سيادته على أرضه ونقطع الطريق على كل المتربصين بقضيتنا.  

ليس أمامنا اليوم إلا هذا الخيار؛ خيار إقامة النظام الفلسطينى النموذج الديمقراطى الحر والحديث، وتلك هى الحقيقة الكامنة فى قلب المحيط وغير ذلك لا يعدو كونه عبث على شواطئ السراب. 
 

اخر الأخبار