السلام الفلسطيني الإسرائيلي-المسار والمآل( الجزء الثاني)

تابعنا على:   11:42 2020-09-30

أمد/ تبعاً لذلك، شهدت الأراضي الفلسطينية سيلاً منَ الأحداثِ والمتغيراتِ التي لا تُـعد ولا تُحصى، أغلبها من صِناعة قِوى اليمين المتطرّف في إسرائيل، بهدفِ خدمةِ مشاريعَهُم القائِمة على أسُسٌ عنصرية كـــــــــــــ " شطب حلِّ الدولتين واعتبارِ القدسِ المحتلّةِ عاصمةّ لإسرائيل، وفرضِ السَّيطرة التّامّة على المسجدِ الأقصى المبارك، وعزلِ القدس المحتلة عن الضِّفة الغربية وفصل قطاع غزة عنهما، وضمِّ أجزاءٍ كبيرةٍ من أراضي الضفة الغربية" وغيرها من الإجراءاتِ الأخرى التي تتجاوز ما نصّت عليه اتفاقات أوسلو، وتجعل منها مجرّد حبرٍ على ورق.

متغيراتٌ انعكست سلباً على مستقبلِ عملية السلام بين الفلسطينين والاسرائيليين، في هذا الصدد استغلّت حكومةُ الاحتلالِ الاسرائيلي أجواءَ "الحربِ على الإرهاب" التي أعلنت عنها الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها -بعد أحداث تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك بــــتاريـــخ 11سبتمبر2001 من أجل إحكامِ قبضتِها العسكرية والأمنية على الأراضي الفلسطينية، وفرضِ مزيدٍ من القيودِ والإجراءاتِ التعسُّفيّة التي شمِلت مناحي الحياة كافّةً، ولم يسلّم منها بشرًا أو حجرًا ترتّب عنها ارتكابُ جرائمَ بشعةٍ ترتقي لدرجة جرائم الحرب بحقِّ المدنيين الفلسطينييّن العُزّل.

ونتيجةً لتصاعُدِ الصراعِ "الفلسطيني الإسرائيلي" بعد عامينِ من اندلاعِ انتفاضةِ الأقصى، اقترح رئيس الوزراء الإسباني "خوسيه ماريا أثنار" في مدريد سنة 2002 انشاء لجنة رباعيّةِ دولية تتكونُ من "الأممِ المتّحدة والاتّحادِ الأوربي وروسيا والولايات المتحدة"، مُهمَّتُها الرئيسية حلّ المشاكل العالقةِ بينَ الفلسطينيينَ وإسرائيل، وهي المهمة التي فَشِلت فيها بسبب عواملَ رئيسيةٍ من بينها غضُ الطرفِ عن تعنتِ الجانِب الإسرائيلي.

بعد انتهاءِ الحربِ علىى العراق، تهيّأت فرصةٌ جديدةٌ للتسويةِ السّياسية بينَ الفلسطينيين والإسرائيليين، فــأطلقتِ اللجنة في عام2003 ما عرف بخطة "خريطة الطريق" استنادا إلى رؤية سابقةٍ طرحها الرئيس الأميركي الأسبق "جورج بوش" في كلمةٍ له سنة 2002.

نصّت الخطةُ على إقامةِ دولةٍ فلسطينيّةِ ذات حدودٍ مؤقتةٍ نهاية عام 2003، وانسحابِ إسرائيلَ من المدنِ الفلسطينية، وتجميد بناءِ المستوطناتِ في الأراضي المحتلةِ، وتهدف الخطة أيضًا لــقيام دولةٍ فلسطينيةٍ تعيشُ جنبًا إلى جنب مع إسرائيل بنهاية عام 2005. حيث قبلت السُّلطة الفلسطينية الخطة، كما قبِلتها إسرائيل التي وضعت 14 تعديلًا عليها، ومع ذلك فإن الخطّة لم تنفّذ على أرض الواقِع، بسبب استمرار إسرائيلَ في تنفيذِ مشاريعها الاستيطانية، وهذا ما يؤكد على أن سلوكَ حكوماتِ الاحتلالِ المتعاقبةَ يسيرُ في اتجاهاتٍ ومساراتٍ مغايرةٍ عن تلك التي رسمتها المرجعية الدولية.

من زاويةٍ أخرى، تأتي هذه التّطورات والمُعطيات ضمنَ سياقٍ دُوليٍّ وإقليميٍّ قائمٌ على محاربة الارهاب الذي ازدهر بعد أحداث 11سبتمبر، التي تعتبر نقطةَ البدايةِ لمرحلةِ تنفيذِ مشروعِ الشرقِ الأوسطِ الجديدِ الذي يجري تمريرَه في المنطقةِ عبرَ مخططاتٍ كُبرى معدّة سلفًا، تُـشرفُ على تنفيذِها غرف عمليات تضمُّ "أجهزة استخبارات ودبلوماسيين وسياسيين واقتصاديين ومؤسسات صُحفيّة ومنابِرَ إعلاميّةٍ ضخمة" تعملُ بتنسيقٍ تامٍ فيما بينها من أجلٍ تنفيذٍ ذلكَ على أرضِ الواقع ضمنَ آلياتٍ وجداولَ زمنيةٍ محدّدةٍ .

مسلسلٌ من الأحداثِ والتطوراتِ والتحولاتِ، شملت المجالات "السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية" والمستوياتِ كافة "محليًا و اقليميًا و دوليًا" نستعرض أهم حلقاتِه في هذا المقال، حيث محلياً تمثَل في "اجتياح مدُنِ ومخيماتِ الضّفة الغربيةِ مباشرةً بعدَ انتهاءِ القمّة العربية المُنعقدةِ في العاصِمة اللبنانيّة بيروت نهايةَ شهرِ مارس 2002، وارتكابِ مجازرِ بشعةٍ بحقِ المدنيّينَ العُزّل مثلَ مجزرةِ "مخيم جنين"، وحصارِ "كنسيةِ المهدِ" في مدينةِ بيتَ لحم الذي استمرَ متواصِلاً لمدّةِ 39 يوماً، وعلى إثرِه تمَ إبعادُ مجموعةٍ من الشبابِ المحاصرينَ إلى خارجِ فلسطين، ومجموعةٍ أخرى إلى قطاعِ غزّة، ومازالت قضيّتَهم تُراوحُ مكانَها حتى اللحظة.

إلى جانب ذلك، تعمدت دولة الاحتلال حصارُ الرئيسِ الفلسطيني ياسر عرفات داخلَ مكتبهِ في المقاطعة بمدينة رام الله لمدةٍ تزيد عن ثلاثةٍ سنواتٍ، حتّى سفرِه للعلاج بعد معاناته من المرض الناتِج على الأغلب عن عمليةِ تصفيةٍ أمنيةٍ قامت بها إسرائيل من خلالِ تسميمِه بمادة "البولونيوم المشعة"، والذي أسفرَ عن استشهادِه في العاصِمةِ الفرنسية "باريس" بتاريخ 11نوفمبر2004.

بالإضافةِ لــشروعٍ إسرائيلَ في بناء "جدار الفصل العنصري" بين الضّفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948م، الذي يلتهِم مساحاتٍ واسعةٍ من أراضي الضّفة الغربية، واستخدامها لأسلوبِ الاغتيالات أو التصفية الجسدية لبعضِ القياداتِ الفلسطينية الموثّرة بعد أن فشلوا من تصفيتِهم معنويًا، مثل عميلة اغتيال الشيخ "أحمد ياسين" مؤسّس حركة حماس والدكتور"عبد العزيز الرنتيسي" قائد حماس في غزة، وغيرَهم الكثير من القيادات والكوادر الفلسطينية.

ومن جهةٍ أخرى ،قامت إسرائيل بخطوةٍ مفاجئةٍ خطيرةٍ تمثّلت بـــ "الانسحاب الأحادي الجانب" من قطاعِ غزة دون تنسيقٍ مع السلطةِ الفلسطينيةِ والذي ساهَم بشكلٍ كبيرٍ في أحداثِ الاقتتالِ الداخلي المنتهي بسيطرةِ حماس على قطاعِ غزة بالقوة العسكرية سنة 2007، والذي ترتب عنها إحكامُ الحصارِ الخانِق على قطاعِ غزّة.

وفي أواخرِ سنة 2008، شنّت دولةِ الاحتلال عدوانًا شاملًا على قطاعِ غزّة ، استمرَ لمدّة 23 يوما دون أن يحرك أحدُ ساكِنا أمامَ الأضرارِ التي خلّفتها آلةُ الحربُ الإسرائيلية، والتي أسفرت عن استشهادِ نحوِ 1500 مواطنٍ فلسطيّنيٍ من بينهم 926 مدنيّا و412 طفلًا و111 امرأةً، فيما فقدَ الآلاف بيوتَهم، وتشرّد أكثرَ من تسعة آلاف شخصٍ نتيجة ذلك، ودُمر 34 مِرفقًا صحيَّا، و 67 مدرسة عمومية، و27مسجدا، كما طالتِ الخسائر البنيةَ التّحتية بصورةٍ كبيرةٍ، واستخدمت إسرائيل لأولِ مرّةٍ الأسلحةَ المحرمة دوليا "الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب".

ولم يتوقّف السُّلوكِ العِدواني للحكوماتِ الإسرائيليةِ عندَ هذا الحد، فـقد قامت بإغتيال رئيس الجناحِ العسكري لحركة حماس في نوفِمبر سنة 2012، وشنِّ عدوانٍ ظالمٍ على قطاع غزة المُنهكِ بفعلِ الحصارِ الخانِق، تعرّضَ خلالَه لقصفٍ عنيفٍ من الجو والبحر والبر استمرَّ لمدة 7 أيام، خلّف خسائر بشرية كثيرة في صفوف المواطنين، وأضرارٍ ماديةٍ جسيمةٍ طالت منازلَ المدنييّنَ ومنشآتٍ صناعيّةٍ وتجاريةٍ والبنية التحتية.

ولم يُمهل الاحتلالُ الشعبَ الفلسطيني وقتًا طويلًا، حيث أعلنت حكومَته المتطرفةَ شَنَّ عدوانٍ عسكريٍ شاملٍ على قطاعِ غزة في يوليو سنة "2014"، خلّفَ خسائرَ بشريةٍ هائلةٍ هزّت مشاعر العالمِ أجمع، و ترتّب عنه أضرارًا ماديةً فادِحةٍ بــــــ "المباني والأبراج السكنية والبنية التحتية" بحسبِ تقريرِ المرصدِ الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بالتعاون مع وكالة الصحافة الفلسطينية.

يتبع....

كلمات دلالية

اخر الأخبار