الجمعيات النسوية في فلسطين هي الأصل في البناء المجتمعي الفلسطيني الحديث لا الدخيل عليه

تابعنا على:   17:26 2020-09-01

نادية حرحش

أمد/ وصلني فيديو – ولن اشاركه- واعترف ان مشاهدته كانت مريبة. ولا اعرف الى أين سيأخذنا هذا التيه والتهالك. ولا اعرف ان كان هناك مكان للتمني او رفع الصوت او المناشدة للمسؤولين من وزارة شؤون المرأة ووزير الداخلية  ووزير الأوقاف والأديان رئيس الوزراء بالتحقيق بما جاء بهذا الفيديو. لأنه اذا صح ان هناك تذكرة مكتوب عليها ما هو مذكور وان جهات اجنبية هي وراءها فنحن نتكلم هنا عصابات متاجرة بالبشر ، واذا ما كان كل ما جاء بهذا الفيديو مجرد اختراعات لحقائق وافتراءات على شركة باصات رام الله لتشويه الجمعيات النسوية فإن هذا كذلك مصاب جلل. وعليه، يتوجب التدخل في قانون الرقابة الالكترونية – بدلا من ملاحقة الناس وتكميم الافواه  وحظر حرية التعبير بما يتعلق بالمساءلة والفساد- من اجل إيقاف هكذا أفعال تشوه الحقيقة وتحرض على الجمعيات النسوية وتعرضها للخطر ، وتثير الرعب والريبة في نفوس الاهل  وتدعو للفتنة. 

لأول وهلة ظننت ان هناك تحذير ما من سلوكيات او مظاهر تهدد المجتمع. الصوت والفيديو ذكرني بفيديوهات داعش عندما ظهرت بتقنيات عالية كانت توحي للمشاهد ان تلك الفيديوهات قد اعدت باستوديوهات هوليوودية من حيث التصميم والاخراج والمحتوي. 

الفيديو هذا يبدأ بتذكرة باص مكتوب عليها عبارة يتم تداولها بباصات رام الله. فتحت فمي للحظة لأعرف ما هي المأساة. الحقيقة لا اصدق كل ما جاء من ورقة وتداولها، فالورقة اشبه بفكرة الخطوط الساخنة.  وكيف تتسع تذكرة الباص لكل هذا الكلام؟  يعني حاولت فهم شكل التذكرة والكلمات والحجم. المهم المكتوب على الورقة هو التالي: في عائلتي هي المرة الاولى التي تقوم فيها فتاة ما قمت به وهذا الفعل هو الخروج من المنزل وذلك رفضا لمشاكل أهلي الآن سأسكن وحدي لقد تلقيت دعم جمعية نسوية في رام الله.

الحقيقة ان هذا النوع من الجمل التي تبدو وكأنها مشفرة ومدبلجة لا تصدر من جمعية اعتيادية كانت نسوية او غيرها. ما هذه الفضفاضية في التعبير، وما هو الفعل الثوري الذي يتطلب التدخل بأن تخرج امرأة من بيت اهلها رفضا للمشاكل؟؟ ذكرتني العبارة بالمناشير التي كانت تنزلها اسرائيل من السماء في عدوانها على غزة. ذكرني بالعبارات المشابهة التي تراها على مدخل ايريز تطلب من الخارج من غزة ان يتصل بهم من اجل تزويدهم بمعلومات عن ارهاب يعرفون عنه. 
لا يحتاج العاقل ان يتفكر كثيرا بهكذا تذاكر او وريقات ليعرف انها مدسوسة من جهة لا تمثل اي جمعية نسوية او فلسطينية اصلا. 

الجمعيات النسوية وغيرها من العاملين على مواضيع العنف والحقوق لا تعمل بهذه الطريقة. الخطوط الساخنة واماكن حماية الاشخاص من العنف سرية بالعادة ولا يتم تداول الحديث عنها هكذا ولا تستخدم هكذا لغة . 

يعني من يقرأ هذه العبارة يتخيل نفسه يشاهد فيلما اجنبيا للمراهقين التي يعيشها المجتمع الغربي. تخيلت فتاة مراهقة يربكها مشاحنات والديها فتريد الهروب من المنزل. 
منذ متى توفر اي جهة محترمة الدعم او المساعدة بهذه الطريقة؟

إذا ما وجدت هذه الورقة بالفعل، فانا اطالب بتحقيق حقيقي وجدي من اجل معرفة من يقوم بهذه الافعال، لأنه كما يقول المتحدث بالفيديو هذه طرق تؤدي بلا شك الى بيوت دعارة. فمن يوزع هذه الوريقات لا بد انه يتاجر بالبشر وليس جمعية نسوية او غيرها. 

تفسير المتحدث للعبارة يمكن ان يكون بكل بساطة صحيح: إذا كنت تعانين من مشاكل فلا داعي ان تتحمليها. ووضع في خلفية صوته صورا لشاب يمسك بمعصمه بعصبية وفتاة على كنبة، وشابين (امرأة ورجل) يتجادلان.

وكأن المفهوم ضمنا هو ما جاء بكلمات الورقة حرفيا. وكأن المرأة عندما يصل بها الامر الى الهروب من البيت (ان حصل) تهرب لمجرد عصبية اخيها لوهلة وجدال عادي بينها وبين زوجها. يعني في اسوأ احواله نحن نتكلم عن عنف لفظي نوعا ما.

عندما سأل المتحدث بالفيديو شركة باصات رام الله وكانت في خلفية صوته كذلك صورة جماعية لسائقي الباصات، سنفترض انها لشركة باصات رام الله، وهنا اقول ان الصورة للحقيقة جميلة وتعبر عن شركة باصات راقية.

واسئلته كانت: لماذا كتبت شركة باصات رام الله هذا الكلام الجدلي على تذكرة باص خصوصا في فلسطين والذي يدعو المرأة للخروج الى الشوارع على تذاكرهم؟ المغزى وما الهدف من ذلك؟ وما دور الجمعيات في فلسطين ومن يمولها؟  

وكانت الاجابة على حسب قوله كالتالي: هناك شركات اجنبية غربية تدفع لنا مقابل ان نكتب مثل هذا الكلام على تذاكرنا. 

ويقول لنا المتحدث: اذن عرفنا الآن من هو وراء هذا 
الكلام. جهات غربية تدفع اموالا مقابل ان تطبع تلك العبارات والقصص على التذاكر والكارثة انهم يستهدفون الشباب والاناث بشكل خاص ويروجون لجمعيات تداعب من ارادت ان تخرج من البيت اي ان الرسالة الصحيحة هو افساد المرأة والبنت العربية والفلسطينية بالخصوص. يريدون اخراجها للشارع وايهامها بالحرية المزيفة وان تفعل بحياتها ما تريد. بكل بساطة لأنه حتى الان العاهرات يأتون من خارج البلاد اي فلسطين، ولكنهم يريدون تحقيق انجاز محلي. (في خلفية الحديث صور تشبه كليبات محمد رمضان وديسكو وافلام بوليسية) 

ثم يقول: اذن اسرائيل تعمل على محاربة المرأة الفلسطينية بطريقة خبيثة جهنمية. (هنا تتحول الخلفية الى امرأة محجبة تمشي مع اطفالها وتحمل كيس امام مجموعة من الرجال الواقفين. تبدو الصورة في مكان مهدم او بناء متروك ويمر كذلك مجموعة من الجنود اثناء سيرها نحو مجموعة الشباب الواقفين) 

ويكمل مع الخلفية: فالمرأة الفلسطينية شكلت عقدة للكيان الصهيوني لأنها تبني اجيالا وتجري المقاومة في عروقها، لذلك ظن انه يجب استهدافها لأنه إذا فسدت المرأة سيفسد الجيل القادم ومن اجل ذلك ظهرت الجمعيات النسوية الفلسطينية. 

وهنا اتساءل واتوقف كثيرا امام هذا التشويه الممنهج. ربط الاحتلال بالجمعيات النسوية هو ليس فقط خلط الحابل بالنابل بما سيتبين أكثر في بقية الحديث، ولكنه جريمة حقيقية بحق العمل النسوي والجمعيات النسوية التي نشأت قبل نشأة الاحتلال الذي يتكلم عنه. 

هل تعلم  ان الجمعيات النسوية في فلسطين بدأت مع بدايات القرن العشرين، وتشكلت لتكون قوة حقيقية في النضال ضد الانتداب البريطانيين وكانت سببا في الكثير من المرات بإخضاع قوات الانتداب ومطالبات باطلاق سراح للأسرى ومطالبات حقوق؟ هل سمع عن مظاهرة النساء في هبة البراق؟ وهل سمع عن دور النساء من خلال الجمعيات اثناء ثورة ال ١٩٣٦؟ هل سمع عن رفيقات القسام وزهرة الاقحوان؟ هل سمع عن جمعية السيدات العربيات والاتحاد النسائي العربي والفلسطيني؟ 

هل تعرف نبيهة ناصر وطرب عبد الهادي وميليا السكاكيني وزليخة شهابي واديل عازر وكلثوم عودة ونعمتي العلمي وعنبرة الخالدي وماتيل مغنم واسمى توبي وساذج نصار وزهية النشاشيبي وميمنه القسام وحلوة جقمان وودعة قدورة وعصام الحسيني ومفيدة درويش وماري شحادة ووجيهه الحسيني ووحيدة الخالدي ونمرة طنوس وفاطمة اليشرطية وسيرين حسيني وفكرية صدقي وحلوة زيدان ووحياه بلبيسي وفدوى طوقان ومي زيادة وسلمى حسيني ونجوى قعوار وصبا فاهوم وسميحة خليل ووداد ابو الحج وفاطمة ابو السعود وشهنده الدزدار وهند الحسيني وسميرة عزام ومهيبة خورشيد وناريمان خورشيد وعصام عبد الهادي وسميرة ابو غزالة وسلوى ابو خضرا ومديحة نسيبة وفضيلة دزدار وجورجينا عطاالله ومادلين راحيل وسميحة نسيبة وماري اوي؟ 

الجمعيات النسوية الفلسطينية نشأت وتطورت وساهمت بتطور المجتمع الفلسطيني على كل الاصعدة بتلك النساء وغيرهن قبل ان يقوم للاحتلال الاسرائيلي قائمة واستمر عملها بعد الاحتلال كجزء من المقاومة وبناء المجتمع ؟
الخباثة – على حد تعبير المتحدث- هي بإفساد المجتمع وحرفه عن واقعه بالقول ان: الجمعيات النسوية الفلسطينية لا تمثل النساء الفلسطينيات المسلمات. (الصورة بالخلفية المرأة المسلمة تقرأ قرآن)

الخباثة هي بربط سيداو وقانون حماية الاسرة بهكذا “تذكرة” ان كانت حقيقية، فيقف وراءها شبكات مافيا وعصابات تتاجر بالبشر. 

لم يكن لسيداو ولا غيره من القوانين اهمية لو لم تكن العقلية المختبئة بغطاء الدين لتمرير الظلم وتشريعه ليصبح شرف المجتمع وتماسكه مرتبط بامرأة تخرج من بيتها او امرأة لجأت الى القانون او طلبت المساعدة عند تعرضها لظلم مجحف. 

نحن في مجتمع لا تعترف فيه النساء بتعرضهن للضرب الا عند التدخل الطبي او غرفة المشرحة، ليتم ايضا التستر على الفعل تحت مسميات تأخذ المجتمع الى الهاوية. لا توجد امرأة في العالم تتحمل ما تتحمله المرأة الفلسطينية لأنها تربت على التحمل والمقاومة ومد اليد للرجل والطبطبة عليه لأنه معرض لانتهاكات ومخاطر احتلال بلحظة خروجه من البيت. المرأة الفلسطينية حملت العائلة وحافظت عليها وحمتها وقدمت أبناء وبنات تزينوا بعلمهم. 
لن تهرب فتاة من بيتها إذا ما كان هناك رجل عاقل في ذلك البيت. والعقل تقوى الله لا استباحة الانثى وغياب الرحمة وانتهاكها كأنها مخلوق اقل فهما وعقلا واستيعابا. 

لا افهم كيف نقبل لهذه الخباثة ان تدخل لمجتمعنا في وقت لا يوجد بيت فلسطيني لم تتعلم فيه الفتاة وتفوقت واثبتت نفسها وجدارتها وساهت في بناء هذا البيت سواء كانت زوجة او اخت او ابنة. لا افهم كيف يرقى اي انسان مؤمن وسوي بنفسه بينما ينظر الى المرأة وكأنه خطر يجب السيطرة عليه وينسى ان هذا الخطر هو أمك وابنتك واختك وزوجتك. 

لا افهم لماذا يؤرق الرجال في مجتمعنا امرأة تطالب بحقها.

المجتمع الصحيح والصحي هو المجتمع الذي يرى بالمرأة امه وزوجته واخته وابنته. قوة المرأة ورفعتها هي قوة الرجل ورفعته. كما انحطاط المرأة وانهزامها هو انحطاط للرجل وانهزامه.

كلمات دلالية

اخر الأخبار