في ذكرى حريـق المسجد الأقصى المبارك

تابعنا على:   13:38 2020-08-17

يوسف جمعة سلامة

أمد/ في مِثْلِ هذه الأيام قبل واحد وخمسين عامًا تمّ إحراق المسجد الأقصى المبارك، حيث امتدت الأيدي المجرمة إلى المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين بالنسبة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فقد تعرض المسجد الأقصى المبارك للحريق المشؤوم في 21/8/1969م وأصبح منبر البطل صلاح الدين أثراً بعد عين، وأتت النيران على مساحات شاسعة من المسجد القبلي، وما زالت الحرائق تشتعل في المسجد الأقصى المبارك وتأخذ أشكالاً متعددة، منها: التصريحات المتكررة لقادة الاحتلال والمتمثلة في محاولتهم فرض سيطرتهم على المسجد الأقصى المبارك وتقسيمه، والسماح للمستوطنين بالصلاة فيه؛ تمهيداً لإقامة ما يُسَمّى بالهيكل المزعوم على أنقاضه – لا سمح الله-، وكذلك الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى، والحفريات الإسرائيلية المدمّرة والأنفاق العميقة التي تَسَبَّبَتْ في تقويض بنيانه وزعزعة أركانه، فالمسجد الأقصى المبارك ما زال في دائرة الاستهداف من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي. 

لقد ربط الله سبحانه وتعالى بين المسجد الحرام  بمكة المكرمة والمسجد الأقصى بالقدس في  الآية الأولى من سورة الإسراء كما جاء في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، وذلك حتى لا يفصل المسلم بين هذين المسجدين، ولا يُفرّط في أحدهما، فإنه إذا فرّط في أحدهما أوشك أن يُفرّط في الآخر، فرحاب القدس الشريف مثل رحاب مكة المكرمة والمدينة المنورة.  

إن ذكرى حريق المسجد الأقصى المبارك تتزامن مع الهجمة الشرسة التي تتعرض لها  مدينة القدس بصفة عامة والمسجد الأقصى بصفة خاصة، حيث تتعرض المدينة المقدسة لمحنة من أشدّ المِحَنِ وأخطرها، فالمؤسسات فيها تُغلق، والمرجعيات الشرعية والشخصيات الوطنية تُلاحق، والبيوت تُهدم، والأرض تُنهب، والضرائب تُفرض، والهويات تُسحب، والحفريات تلتهم الأرض، وكل معلم عربي يتعرض لخطر الإبادة والتهويد، والعالم وللأسف يُغلق عينيه، ويصمّ أُذنيه عما يجري في مدينة القدس. 

إن سياسة التهويد التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في المدينة المقدسة وصلت إلى قلب المسجد الأقصى المبارك، وهى ماضية في تهويد المسجد الأقصى، بحفر الأنفاق أسفله في ظلّ تعتيم إعلامي كبير ، إلا أنها في الفترة الأخيرة أصبحت تُجاهر في  تهويدها للمسجد الأقصى المبارك ، غير آبهة بالمجتمع الدولي ولا بقراراته، ونحن هنا نؤكد على أن  المسجد الأقصى المبارك بساحاته وأروقته  وقبابه ومصاطبه وأسواره وكل جزء فيه هو حقٌ خالصٌ للمسلمين وحدهم،  وليس لغير المسلمين حق فيه . 

كما نؤكد على أن المحاولات الإسرائيلية لفرض أمرٍ واقع في المسجد الأقصى المبارك لن تنجح -إن شاء الله-، في تغيير الحقائق وطمس المعالم والمقدسات الإسلامية والعربية في المدينة المقدسة. 

ومن الأمور المبشرة بالخير، والدالة على تعلّق شعبنا الفلسطيني ببلادنا المباركة فلسطين، وقلبها النابض مدينة القدس، ولؤلؤتها المسجد الأقصى المبارك، ما نراه دائماً من مواقف مشرفة لأهلنا في المدينة المقدسة الذين ضربوا أروع الأمثلة في الصبر والثبات والدفاع عن الأقصى والقدس والمقدسات أمام المحتل المتغطرس، فقد أثبتوا أنهم مع أهلنا من فلسطينيي الداخل على قدر المسؤولية، وأنهم يستحقون هذا الشرف الذي تحدّث عنه النبي -صلي الله عليه وسلم- في العديد من الأحاديث الشريفة حول الطائفة المنصورة في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس. 

إن مدينة القدس  بحاجة إلى خُطوات فعلية تُسهم في المحافظة على عروبتها وإسلاميتها ودعم صمود أهلها، فمدينة القدس احتُلَّتْ عبر التاريخ مرات عديدة ولكنها لفظت المحتلين وستلفظ هذا المحتل إن شاء الله، هذه المدينة المقدسة في أَمَسِّ الحاجة إلى أيِّ جُهْدٍ يُميِطُ اللّثام عما يجري من أعمال بشعة بحقها ومقدساتها وتراثها وأهلها، والتي تُشكل إهانة للإنسانية ووصمة عارٍ في جبينها.   

إن مسئولية الدفاع عن المسجد الأقصى والقدس ليست مسئولية الشعب الفلسطيني وحده وإن كان هو رأس الحربة، فهو الشعب الذي منحه الله عزَّ وجل شرف المرابطة في هذه البلاد كما جاء في الحديث: (لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ، لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، إِلاَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأَوَاءَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ)، بل إنها مسئولية العرب والمسلمين جميعاً بضرورة المحافظة على الأقصى والقدس وفلسطين. 

إننا نطالب أبناء الأمتين العربية والإسلامية ألاّ ينسوا مسرى نبيهم محمد – صلى الله عليه وسلم- ومدينة القدس، كما ندعوهم لضرورة العمل على المحافظة عليها وحماية مقدساتها لأنها جزء من عقيدتهم، هذه المدينة التي تتعرض يومياً لمذبحة إسرائيلية تستهدف الإنسان والتاريخ والحضارة، كما يجب عليهم مساعدة أبناء شعبنا ودعم المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس بكل الطُّرق وفي شَتَّى المجالات، الإسكانية والصحية والتعليمية والتجارية وغير ذلك؛ لدعم صمودهم وثباتهم في مدينتهم المقدسة، كما نطالبهم برفض أشكال التطبيع كافة مع الاحتلال الإسرائيلي. 

إنّ الموقف الفلسطيني المُوَحّد في رفضه لصفقة القرن وقرار الضَّمّ وجميع الصفقات والاتفاقات المشبوهة ومقاطعته لها يُوجب علينا أن نعمل فورًا على إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة، فشعبنا الفلسطيني شعب واحد يسعى لإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وتقرير مصيره  والعودة إلى وطنه، وخروج جميع الأسرى، فالوحدة هي السبيل الوحيد لإفشال جميع المؤامرات والصفقات والاتفاقات المشبوهة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال، والمحافظة على المسجد الأقصى والقدس وفلسطين أرض الإسراء والمعراج، فالوحدة فريضة شرعية وضرورة وطنية.  

 فمدينة القدس لا يُمكن أن تُنسى أو تُترك لغير أهلها، مهما تآمر المتآمرون وخَطَّط المحتلون الذين يسعون لطمس طابعها العربي والإسلامي، ومحو معالمها التاريخية والحضارية.

كلمات دلالية

اخر الأخبار