الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي في إطار نهج التسوية الأمريكية

تابعنا على:   13:31 2020-08-15

محمد جبر الريفي

أمد/ ليس غريبا ان اول دولة خليجية عربية تتوصل إلى اتفاق سياسي خطير يشكل طعنة للقضية الفلسطينية بخروجه عن المبادرة العربية للسلام التي أقرت في قمة بيروت عام 2000 مع الكيان الصهيوني هي دولة الإمارات العربية المتحدة فقد ظهرت قبل ذلك عدة إجراءات تطبيع جهرت به أبو ظبي العاصمة الإماراتية بعيدا عن السرية التي كانت تحيط بها الدول العربية المطبعة نفسها خشية من استياء وغضب الموقف الشعبي العربي الرافض للتطبيع إلى درجة أن آخر تصريح لوزير الخارجية الإماراتي كان هو بمثابة دعوة موجهة للدول العربية للقيام بإجراءات التطبيع مع الكيان الصهيوني وذلك بقوله : إن من يرفض التطبيع مع "إسرائيل " هو اخواني أو صهيوني ؛: . هكذا جاء الاتفاق بشكل علني من واشنطن وعلى لسان الرئيس الأمريكي ترامب الذي وصفه بأنه إنجاز تاريخي ساهم في التوصل إليه كوشنر صهره اليهودي في مباحثات استمرت عام كامل كما اشيع في وسائل الإعلام الأمريكي مع ولي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد وبذلك شكل هذا الاتفاق نجاحا للدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط بعد تراجع الدور السياسي الأمريكي في السياسة الدولية وخدمة ايضا لصفقة القرن الأمريكية وبحيث يعيد للأذهان ما قام به كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في عهد الرئيس كارتر من جهد دبلوماسي ناجح عرف بتسميتة بنظرية الخطوة خطوة التي توجت باتفاقية الصلح المنفرد بين مصر والكيان الصهيوني لكن الحقيقة التي يجب أن تقال هي أن هذا الاتفاق لن يساهم ما عدا ذلك برفع شأن و وزن الإمارات في النظام السياسي العربي الرسمي وذلك بجعلها دولة عربية رئيسية في المنطقة كالسعودية ومصر مثلا حيث ستبقى فقط مجرد دولة صغرى ليست إقليمية ضمن الحلف المحوري العربي الرسمي في مواجهة حركة الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسي عموما الذي تستقوى به إمارة قطر ويعطيها وزنا ودورا سياسيا في المنطقة يفوق حجمها الطبيعي (التهدئة بين حماس والكيان والأموال القطرية ) كذلك لن يعطيها أي الإمارات هذا الاتفاق التطبيعي الكامل والشامل مع الكيان الصهيوني أي قدرة قتالية في مواجهة إيران لتحرير جزرها الثلاث في وقت يصرح به ترامب بأن الإنجاز الدبلوماسي التاريخي الثاني الذي سيسعى على تحقيقه في حالة فوزه بالانتخابات القادمة هو الصلح مع إيران لذلك كان على دولة الإمارات العربية المتحدة كدولة ليست من دول الطوق العربية التي تخشى من إلاطماع التوسعية الإسرائيلية أو تعاني من ازمات اقتصادية حادة بسبب تدخلها في الصراع الجاري في اليمن وليبيا وغير متهمة من قبل الغرب برعاية الإرهاب...كان عليها بسبب عدم توفر هذه الدوافع الا تخرج عن الموقف العربي الرسمي الذي أقرته المبادرة العربية للسلام وان تبقى متمسكة ومحافظة على شعار التضامن العربي لانها في كل الأحوال غير مضطرة بالتوصل لهذا الاتفاق المجاني مع الكيان الصهيوني الذي يعود بالمكاسب للراعي الأمريكي ترامب الذي سيعمل على مساعدته في الانتخابات القادمة القريبة أمام منافسه جون بايدون عن الحزب الديمقراطي ولنتنياهو الذي يشكل له الاتفاق إنجازا سياسيا وتاريخيا كبيرا في مواجهة خصومه السياسيين الذين يعارضون استمرار رئاسته للحكومة الإسرائيلية التي بلغ تعدادها الى خمس دورات وكذلك ايضا في مواجهة تهم الفساد التي تلاحقه هو وزوجته سارة من الجهاز القضائي الإسرائيلي. . في خلفية هذا كله يمكن القول إن التطبيع مع الكيان الصهيوني أصبح دعوة سياسية ملحة في سياق عملية التسوية الأمريكية المطروحة التي أعلن بنودها ترامب وأن دول عربية أخرى ستلحق بالامارات العربية في اتفاقها مع الكيان الصهيوني الذي تم بالرعاية الأمريكية وقد تكون دول الخليج العربية باستثناء الكويت في المقدمة على أن تتبعها دول عربية خارج المنظومة الخليجية كالسودان مثلا الذي قطع شوطا في التطبيع تمثل في اللقاء الذي جمع نتنياهو بالبرهان وفي تعليق للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على صفحته في الفسبوك قد أشاد بالتوصل لهذا الاتفاق السياسي الذي أعلن عنه بين الإمارات ودولة الكيان الصهيوني الأمر الذي يؤكد على أن اتفاقية كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية التي تم التوصل إليها في عهد الرئيس السادات قبل أن تقر إسرائيل بأي حق من حقوق الشعب الفلسطيني هي بمثابة الاتفاقية السياسية الأم التي ما زالت لها قدرة على التجديد في المنطقة باعتبارها تشكل المرجعية السياسية لبعض أطراف النظام السياسي العربي في عملية فك العلاقة مع القضية الفلسطينية . . .من كامب ديفيد إلى اوسلو إلى وادي عربة والآن إلى اتفاق السلام مقابل السلام فقط الذي تم الإعلان عنه بين الإمارات والكيان كما صرح نتنياهو في معرض رده على الادعاء الإماراتي بأن الاتفاق تم التوصل إليه مقابل التخلي عن مخطط الضم الإسرائيلي لاراض في الضفة الغربية المحتلة. .أربع اتفاقيات يتم التوصل إليها مع الكيان الصهيوني دون تحقيق أي تقدم في عملية سلام شاملة وعادلة للصراع العربي الصهيوني ما زال المجتمع الدولي يتطلع اليها لاشاعة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط الزاخر بالموارد الطبيعية خاصة النفط المادة الحيوية لاستمرار فاعلية وحيوية الحضارة الإنسانية المعاصرة وسبب ذلك هو تعنت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وتمسكها بالرواية اليهودية ويشجعها في ذلك تهافت بعض الدول العربية على التطبيع لانها لم تعد ترى في القضية الفلسطينية قضية أولى بسبب : اما لان هناك قضايا أضحت تشكل في حساباتها الأمنية أكثر أهمية من مسألة عدم الاعتراف والتطبيع مع الكيان الصهيوني وهذا ما ينطبق على دول الخليج العربية السنية التي تنظر لإيران الشيعية بأنها العدو الأول بسبب مشروعها السياسي ذو الصبغة الطائفية الذي يوصف إعلاميا بعبارة التمدد الإيراني أو لأن هناك ازمات اقتصادية تتصل بالحالة المعيشية التي جعلت من تلبيتها هي حاجة مطلبية مهمة أكثر من تسجيل موقف سياسي قومي ...كل هذه الانهيارات قد حصلت في الموقف السياسي العربي الرسمي وقد اقترنت اخيرا للأسف بمظهر الانقسام السياسي الفلسطيني الذي أدى إلى ضعف الموقف الفلسطيني بمجمله ازاء سياسة التطبيع العربية الجارية فلم يعد مقنعا لكثير من الدول العربية استمرار مقاطعتها لسياسة التطبيع وهي ترى الواقع السياسي الفلسطيني المنقسم على نفسه والذي تبقى فيه السلطة الوطنية في موقع المراهنة السياسية على خط التسوية باعتبار أن المفاوضات السياسية التي ثبت عدم جدواها هي الاسلوب الوحيد لانتزاع الحقوق الوطنية لذلك فإن أمام هذا الوضع العربي والفلسطيني المتردي الذي يسوده تطبيع متتابع وترسيخ أكثر للانقسام السياسي البغيض لابد من صياغة استراتيجية وطنية جديدة قوامها وحدة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة بكل تلاوينها للحفاظ على المشروع الوطني وحرصا عليه في خضم المتغيرات السياسية النوعية غير المسبوقة المتتابعة التي تجتاح دول المنطقة من الضياع والانهيار وكذلك استنباط وسائل متعددة للمقاومة لإجبار الكيان الصهيوني على التسليم بالحقوق الوطنية المشروعة ..

اخر الأخبار