"لا يُسمح لي بالخروج" ..

كيف تنظر الفلسطينية "لمى التكروري" إلى سويسرا؟!

تابعنا على:   08:24 2020-08-11

أمد/ متابعة: ما الذي يعنيه أن تكون فنانة فلسطينيًة مقيمة في سويسرا في زمن انتشار الإصابة بفيروس كورونا المستجد؟ لمى التكروري، 38 سنة، تشارك القراء انطباعاتها عن الحياة اليومية في سويسرا بالكلمات والصور.

في النصف الأول من العام الجاري، أقامت لمى التكروري وعملت في مدينة أراو شمال سويسرا، وكانت إقامة الفنانة التي وفرتها لها جمعية "ورشة عمل الضيوف كرون" Gästeatelier Krone فرصة لها للعمل بعيدًا عن القيود والضغوط التي تتسم بها حياتها في فلسطين.

يوفّر مشروع الإقامة الوقت والفضاء للفنانة الضيفة لتطوير أعمالها واستكشاف أفكار جديدة. إنها دعوة لقضاء بعض الوقت في جو وبيئة جديدين. وبالنسبة للمى التكروري، فقد كانت هذه فرصة للتقدم في إنجاز بعض أعمالها السابقة ولتطوير مشروع جديد تم تقديمه في معرض احتضنه "منتدى ساحة القصر" بمدينة أراو.

"ورشة عمل الضيوف كرون"

هناك جانب آخر لا يقل أهمية عما سبق ويتمثل في تبادل الخبرات والمعلومات مع الفنانين والفنانات السويسريين والتواصل مع القائمين على تنظيم المعارض ومع أروقة العروض الفنية ومع المؤسسات السويسرية، وهو ما تعذر القيام بالكثير منه على مدى الأشهر الستة الماضية. فمنذ دخول القيود المتعلقة بجائحة كوفيد – 19 حيز التنفيذ في منتصف مارس 2020، أصبح من المستحيل القيام بالأنشطة المعتادة مثل زيارة استوديوهات الفنانين الآخرين أو التحول للاطلاع على العديد من المعارض والمتاحف وتبعا لذلك واجهت التكروري تحديات لم تكن في الحسبان.

لمى التكروري في سطور

فيما يلي ننشر انطباعاتها وملاحظاتها عن الحياة اليومية في بلد جبال الألب، التي تشتمل على مقتطفات من مذكراتها. أما عنوان هذه المجموعة الصغيرة فهو "تفاعلات مُحرجة":

ضفة النهر

بدأ الإغلاق حيث تعيش، ولكن، هنا لم يحدث ذلك بعد. قمتُ بإغلاق جميع المواقع الإخبارية ونزلت إلى الطابق السفلي. كان الناس يجلسون في الخارج إلى طاولات المطاعم، وبدا أنهم مرتاحون وفي حالة استرخاء. كان يتعيّن عليّ أن أمرّ بين الطاولات حتى أتمكن من مغادرة عمارتي. أمشي إلى ضفة النهر وآمل أن يكون هناك عدد قليل من الناس. لكن كان هناك الكثير من الأشخاص. عندما عدت، كان يجب عليّ أن أمشي بين الطاولات من جديد لأتمكن من دخول البناية التي أقيم فيها.

فيليكس وكلبه

كلب يركض نحوي فأهرب، الكلب يركض ورائي، وصاحبه يركض وراءه، فأركض خلف صاحب الكلب، وأصرخ: "هل سيعضني؟" فيجيب "لا، لن تعضك، إنها تلعب معك، إذا ما توقفت، فسوف تتوقف"، القول أسهل من الفعل. لا تزال نبضات قلبي تتسارع، فيتحدث معي لتهدئتي. "من أي بلد أنت؟ من فلسطين! إنه مكان يتردد ذكره كثيرًا. ربما يجب على الدول المجاورة إعطاء بعض الأرض للفلسطينيين حتى يتمكنوا من الانتقال والعيش هناك". ربما كان يجب أن أسأله إذا ما كان بإمكانهم الانتقال إلى هنا.

الجار

قابلت جاري مرة واحدة فقط، لكنني أعرف الكثير عنه، أشياء لا يجب أن أعرفها، لكن الجدار الفاصل بيننا رقيق للغاية، وصوته (أي الجار) مرتفع جدًا. أعرف الوقت الذي يذهب فيه للعمل ووقت عودته، أعرف عن علاقته الحميمة عن بُعد، وأعلم أنهما يتخاصمان كثيرًا.

"كاب كيك"

يوجد متجر صغير يبيع الكعك المكوب (كاب كيك) بالقرب من مكان سكني، المتجر ورديّ اللون وأمامه كرسيان أبيضان. دخلت المتجر وطلبت كعكة، فقالت لي البائعة إنه لم يتبق منها سوى واحدة، بالجبنة، وهي المفضلة لدي. وضعتها في صندوق أبيض صغير، أردت الدفع نقداً، ولكنها اعتذرت، فهي لا تستطيع قبول النقود، بل البطاقة فقط، بسبب الوباء. ولكني لم أكن أحمل البطاقة، فاعتذرت وخرجت تاركة ورائي ​الكعكة بالجبنة في الصندوق الأبيض الصغير.

استوقفني رجل في الشارع، وسألني إذا ما كنت أحبّ القراءة، فأجبت نعم، فسألني بأي لغة، قلت الإنجليزية أو العربية، فذهب إلى طاولته وعاد يحمل كتاباً ثقيلاً، وقال إنه عن تقنية جديدة من أجل الدماغ، وهنا تجدين موقعنا. نظرت إلى النقطة التي يشير إليها فلاحظت كلمة السيَانتولوجيا، فأخبرته بأنني لا أستطيع شراء الكتاب الثقيل، ولكنني سوف أنظر إلى الموقع الإلكتروني. ثم سألني من أين أنا، فأجبتُ من فلسطين، فقال: "كنت قريباً، كنت في إسرائيل، مرات عديدة، مرات عديدة". لا أدري لماذا كررها مرتين.

فاكهة زهرة الآلام

كنت أقف أمام ميزان الطعام في أحد متاجر سلسلة "كوب"، وكان هناك رجل عجوز، يقول إنه كندي. أفسحت له المجال ليزن أغراضه قبلي، فوضع حقيبته على الميزان ونظر إليّ، ثم قام بفتحها، وأمسك بقطعة منها وأراني إياها وقال: "تُسمى هذه فاكهة زهرة الآلام، اختاري القبيحة منها، فطعمها أفضل، تقطعينها بالسكين وتأكلينها".

خدمة ذاتية

اقتربت من طاولة البيع وسألت البائعة عن كيفية عمل الخدمة الذاتية في هذا المطعم، فأجابتني: "كالتالي، تختارين فطيرة من هنا، ثم قهوة من هناك، ثم تعودين إلى هنا وتدفعين، بعد الانتهاء، تعيدين هذا الشيء إلى هناك، ماذا تسمينه؟" أجبت: "صينية؟" فقالت: "نعم، الصينية".

"كافيه كريم"

كانت محطة القطار شبه فارغة، وأنا بصدد انتظار وصول قطاري، وكان هناك رجل يحوم حولي بينما يتحدث إلى نفسه بغضب. قطاري سيصل بعد عشرين دقيقة، لا يمكنني الوقوف هنا لفترة أطول، بينما يسير هذا الرجل ذهابًا وإيابًا أمامي. كنت أتساءل ما الذي سيفعله بعد ذلك، هل هو غاضب على نفسه، هل سيغضب منّي. هناك محل "ستاربكس" على الرصيف المقابل، لعله سيكون من الأفضل أن أذهب إلى هناك وانتظر. طلبت قهوة طويلة، فقال لي النادل: "هنا، نسميها (كافيه كريم)".

تأمل

بلغني أن هناك دعوة عاجلة للانخراط في لحظة من التأمل العالمي، حيث سينفتح ما يُشبه البوابة الفلكية، وسيتأمل الملايين مع بعضهم البعض من أجل إنهاء خدمة شبكة جي 5 والقضاء على الفيروس. كما أنهم سيفككون هيكل العالم أيضا. هل سينجحون؟ هل سيوُقفون شبكة الإنترنت؟ هل سأفقد الاتصال معك؟ إن هذا الحديث عن التأمل يثير قلقي!

بيت الدمى

جميع الدمى في متحف الألعاب تنظر إليّ، إنها تجعلني أشعر وكأنني غريب يقتحم خصوصية شخص ما. الكثير منها متواجدة في متاجرها المُنمنمة، وقد توقفت وتجمّدت فيما كانت تبيع أقمشة أو تقطع لحما أو تقوم بطهي مرطبات. في أحد المتاجر، تقوم دمية ببيع دمى أخرى. في جناح مختلف، ألقيت نظرة خاطفة داخل بيوت الدمى، فأرى عائلة من الدمى تتناول وجبة مع بعضها البعض، بينما تجلس دمية في غرفة النوم. في بيت آخر، تقوم دمية خادمة بنشر الغسيل في العلية، فيما تُساعد أخرى دمية طفل على الاستحمام. أدركت أنني أحبّ بيوت الدمى بشكل أفضل عندما تكون فارغة.

مستشفى

للمرة الأولى في حياتي، فقدت الوعي. أنا مريضة منذ أسبوعين الآن. اعتدت على أن أمرض، لكنني لم أصب بالإغماء قط. اتصلت برقم الطوارئ فأرسلوا لي سيارة إسعاف. قام مُسعفان بمُصافحتي. وفي المستشفى، صافحني طبيب شاب أيضا. في سريري في المستشفى، سمعت صوت امرأة مُسنّة من خلف الستارة، بدا لي أنّها تتألم، لم أعرف ما الذي كانت تريد، كانت مستمرة في تكرار نفس الكلمات، أنا لا أفهم لغتها، ولا أعرف ما الذي يتعيّن عليّ فعله،فأنا لا أستطيع الحركة.

لمتابعة الأخبار وآخر المستجدات .. انضم الآن إلى قناة "أمد للإعلام" .. اضغط هنا

 

اخر الأخبار