الدراسات الأمنية والاستخبارية في إسرائيل - إيال باسكوفيتش

تابعنا على:   02:19 2020-08-11

ترجمة: أحمد مولانا

أمد/ عقب مجموعة من الفضائح والإخفاقات التي منيت بها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية خلال سبعيناالدراسات الامنية والاستخبارية في إسرائيل - اضغط هنات القرن العشرين، بدأت تنمو مدارس فكرية تعمل على تقديم إجابات عن مدى علاقة الأنشطة السرية بمعايير الحكم الديمقراطي.

ومن ثم تبلورت مدرستان رئيسيتان لدراسة الاستخبارات، المدرسة الأولى ترى أن الاستخبارات، أصبحت أو على الأقل ينبغي أن تصبح فرعا من فروع العلوم الاجتماعية، يعمل على تحليل القضايا السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعسكرية، وتوقعها في نهاية المطاف. وقد دعت هذه المدرسة إلى إزالة الغموض عن طبيعة عمل الاستخبارات، وشجعت على تدفق الأفكار بين أجهزة المخابرات والأوساط الأكاديمية بحيث تصبح وكالات الاستخبارات شبيهة بـمؤسسات الفكر والرأي.

أما المدرسة الثانية فقالت أن الغرض من الكتابة عن الاستخبارات هو كشف الأخطاء، والمساعدة في إحداث تغيير للأفضل في الطريقة التي تعمل بها وكالات الاستخبارات، وقد اعتبرت أن الأسرار والخبايا التي قد تُكشف أثناء ذلك أمر ثانوي مقارنة بالضرر الذي تسببه وكالات الاستخبارات عندما تعمل خارج نطاق الرقابة والتدقيق العام.

وبمرور السنوات، تزايدت الكتب والمجلات والدوريات المتخصصة في مجال الاستخبارات. ومن بين تلك الدوريات (المجلة الدولية للاستخبارات والأمن والشؤون العامة).

وهي دورية إسبانية بدأت في الصدور في عام 2006 كأول مجلة علمية إسبانية متخصصة في دراسة الاستخبارات. ثم أطلقت المجلة نسختها الإنجليزية في عام 2016.

ونستعرض في هذا المقال ورقة بحثية نُشرت في المجلة المذكورة بعنوان (الدراسات الامنية والاستخبارية في إسرائيل) لإيال باسكوفيتش المحاضر في العلوم السياسية في جامعة حيفا. وقد حصل باسكوفيتش على الدكتوراه من قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة بات إيلان، حيث كانت أطروحته بعنوان: “النشاط الاجتماعي – المدني، لحماس وحزب الله – المصادر والأيديولوجية والممارسة: دراسة مقارنة”. 

أهمية الموضوع

يفترض باسكوفيتش أن الواقع الجغرافي الاستراتيجي والتحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل تمثل حافزا لزيادة الاهتمام بمجالات الاستخبارات والأمن القومي في الأوساط الأكاديمية والحكومية الإسرائيلية فضلا عن المؤسسات البحثية الخاصة.  ومن ثم يقدم في ورقته البحثية إطلالة على أبرز الجامعات والمؤسسات والبرامج الأمنية في الكيان الصهيوني، كما يناقش العلاقة بين الوسط الأكاديمي والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ثم يختم بتقديم توصيات لتطوير دراسة العلوم الاستخبارية في إسرائيل. وقد تناول باسكوفيتش هذه القضايا بالاستناد على مصادر متنوعة من قبيل: 

المواقع الإلكترونية التابعة للأقسام الجامعية التي تقدم برامج دراسية في مجال الأمن القومي والاستخبارات.

مقابلات مع أكاديميين يعملون في هذا المجال.

تجربة المؤلف الشخصية في البحث الأكاديمي بمجالات الأمن والاستخبارات، وفي التدريس ببرامج الدراسة الجامعية المخصصة لأفراد المجتمع الأمني.

مجموعة من المصادر الثانوية المتعلقة بالدراسات الأمنية والاستخباراتية في إسرائيل على وجه الخصوص، وحول العالم بشكل عام.

مفارقة دراسة الاستخبارات في إسرائيل 

يذهب باسكوفيتش إلى أن واقع دراسة الاستخبارات في إسرائيل يختلف عن نظيره في أميركا، وذلك لأن تأثير القطاع المدني الإسرائيلي بما في ذلك الهيئات الأكاديمية ومراكز البحوث في صنع القرار بمجالات الشؤون الخارجية والأمن ضئيل نسبيا بسبب الدور الجوهري الذي تلعبه الأجهزة الأمنية والاستخبارية والجيش في صياغة الأجندة الخاصة بالقضايا الأمنية. ورغم ذلك، فقد ازداد الاهتمام الأكاديمي بقضايا الأمن والاستخبارات في إسرائيل خاصة خلال العقدين الأخيرين مع بروز قضايا معقدة مثل صعود تنظيمات الجهاد العالمي، وتفجر أحداث الربيع العربي.

المعاaهد البحثية المعنية بالدراسات الاستخبارية

يجرى النشاط البحثي في إسرائيل في قضايا الأمن القومي والاستخبارات بالمقام الأول في عدد من المعاهد البحثية ومراكز الدراسات. ومن أبرزها، معهد دراسات الأمن القومي (INSS). وهو معهد يعين باحثيه بشكل أساسي من الضباط السابقين رفيعي المستوى في الجيش وأجهزة الأمن. ويصدر العهد عدة دوريات، من أبرزها مجلة الشؤون العسكرية والاستراتيجية، والتي تُنشر ثلاث مرات سنويا باللغتين العبرية والإنجليزية، وتتضمن أحيانا مقالات عن الاستخبارات. ومن بين المعاهد البارزة الأخرى:

المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب (ICT)، والذي يغطي مجالات الإرهاب، ومكافحة الإرهاب، والأمن الداخلي، وتقييم المخاطر، والتحليل الاستخباري، والأمن القومي، والسياسة الدفاعية. 

مركز دراسات الأمن القومي (NSSC) بجامعة حيفا، والذي يعمل على تعزيز البحث حول الأمن القومي لإسرائيل.

معهد ريوت، والذي يركز على التطورات الاجتماعية والاقتصادية، والأمن القومي، والشؤون العالمية .

مركز القدس للشؤون العامة، وهو مركز متخصص في الأمن القومي الإسرائيلي، والدبلوماسية الإقليمية، والقانون الدولي.

تلك المعاهد لها منتجان رئيسيان يتمثلان في: 

تنظيم الندوات والمؤتمرات، والتي يتعامل بعضها مع قضايا الاستخبارات.

نشر الدوريات والأوراق البحثية.

وبالإضافة إلى معاهد البحث الأكاديمي المذكورة أعلاه، توجد مؤسسة رسمية تعمل في مجال البحوث الاستخبارية هي (مركز تراث وإحياء ذكرى الاستخبارات في إسرائيل، IICC). حيث تدير معهدين للبحوث. الأول هو مركز معلومات الاستخبارات والإرهاب، والذي يُعد بمثابة واجهة غير معلنة لجهاز الاستخبارات العسكرية (أمان). أما المعهد الثاني فهو معهد دراسة الاستخبارات والسياسة، وهو معهد نشر العديد من الكتب المهمة حول الاستخبارات الإسرائيلية وتاريخها، وكذلك حول منهجية الاستخبارات.

العلماء الجامعيين

ينتمي معظم العلماء المتخصصين في الاستخبارات الإسرائيلية إلى عدد من الجامعات الإسرائيلية، وخاصة أقسام العلوم السياسية. وتتسم منهجية البحث الخاصة بهم بالتركيز على البعد التاريخي تمشيا مع التقليد البريطاني، على عكس التقليد الأمريكي الذي يتضمن بناء نماذج لفهم الواقع والطريقة التي يتغير بها.  وتركز منشوراتهم بشكل رئيس على تناول الإخفاقات الاستخبارية وكشف غموض تاريخ الاستخبارات الإسرائيلية نظرا للقيود الصارمة الخاصة بنشر السجلات التاريخية المتعلقة بالأمن، حيث يشترط قانون المحفوظات الإسرائيلي مرور فترة لا تقل عن 70 عاما للسماح بالاطلاع على الملفات التابعة لأجهزة الأمن والمخابرات.

برامج دراسية مقصورة على المؤسسة الأمنية 

تقدم العديد من الجامعات الإسرائيلية برامج دراسية أكاديمية في مجال الأمن القومي تتضمن دورات في مجال الاستخبارات. ولكنها تقتصر عادة على عناصر قوات الأمن دون عامة الطلاب.
ومن أبرز المؤسسات في هذا المجال جامعة حيفا التي يلتحق بها سنويا حوالي 200 ضابطا من الجيش الإسرائيلي، والشرطة، والموساد، والشين بيت، وغيرها من أجهزة الأمن والاستخبارات، ليوم واحد في الأسبوع، لاستكمال برنامج ماجستير مدته عام واحد في الأمن القومي.
وكذلك يوجد برنامجان دراسيان في جامعة حيفا. يُدعى أولهما (Havatzalot). وهو برنامج نخبوي يستمر ثلاث سنوات للحصول على درجة البكالوريوس، ويهدف إلى تدريب الجيل القادم من ضباط المخابرات في جهاز (أمان). ويقضي طلاب البرنامج نصف تدريبهم الأكاديمي معا في قسم يتدارسون خلاله: دراسات الشرق الأوسط، والعلاقات الدولية، وعلم الاجتماع. ومع ذلك، فعلى عكس برامج الدراسة الأخرى المخصصة لعناصر الأمن، يتمتع طلاب Havatzalot بفرصة تحديد نصف مناهجهم الدراسية بأنفسهم، والاختيار ما بين الاقتصاد، وعلوم الكمبيوتر، والرياضيات، والفلسفة. وبالتالي، يمكنهم متابعة اهتماماتهم الأكاديمية والانخراط مع الطلاب النظاميين في فصول مختلطة.
أما البرنامج الثاني الذي تديره جامعة حيفا، فهو ماجستير الأمن القومي بالتعاون مع كلية الدفاع الوطني. حيث تُعد كلية الدفاع الوطني بمثابة أكاديمية الجيش الإسرائيلي لتدريب الضباط العسكريين رفيعي المستوى، فضلا عن كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية والحكومية الأخرى. وجدير بالذكر أن التخرج من كلية الدفاع الوطني، والحصول على درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة حيفا مع التخصص في دراسات الأمن القومي، أصبح واقعيا أحد شروط الترقي إلى الرتب العليا في الجيش الإسرائيلي.
ورغم هذا الزخم الأكاديمي، توجد بعض الانتقادات التي تُوجه في الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية للتعاون مع المؤسسة الأمنية. حيث يركز بعض النقاد على لا أخلاقية التعاون بين الجامعات والمؤسسات الأمنية، مما دفع الجامعة العبرية في القدس إلى رفض فتح برامج دراسية خاصة للمؤسسة الأمنية. بينما يذهب آخرون إلى أن التعلم في فصول مغلقة دون وجود طلاب نظاميين قد يؤدي إلى نتيجة غير مرغوب فيها تتمثل في جمود الفكر وحرمان الطلاب من فوائد المناقشات الأكاديمية التعددية. 

البرامج الدراسية للطلاب المدنيين

حتى وقت قريب، كانت فرص الدراسة في مجال الأمن القومي للطلاب النظاميين المدنيين، محدودة للغاية. وقد يكون أقدم برنامج مخصص للمدنيين هو برنامج الدراسات الأمنية التابع لقسم العلوم السياسية بجامعة تل أبيب، والذي أنشئ عام 1991، حيث يعطي درجة الماجستير.
ويوجد برنامج آخر، يديره مركز هرتسيليا متعدد التخصصات، حيث يمنح شهادة البكالوريوس في علم السياسة مع التخصص في الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب. كما افتتح برنامج ماجستير آخر في نهاية عام 2015 يتعلق بدراسات الاستخبارات في جامعة بار إيلان، وهو البرنامج الأول من نوعه في إسرائيل.
 وفي السنوات الأخيرة، جرى تدشين برامج ماجستير جديدة في الدراسات الأمنية في العديد من الجامعات والكليات الإسرائيلية، مثل برنامج دراسات الأمن القومي في جامعة حيفا، وبرنامج الماجستير في الأمن والدبلوماسية بجامعة تل أبيب، وبرنامج الماجستير في مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي في مركز هرتسيليا. وعادة ما يكون الطلاب في هذه البرامج مزيجا من الأجانب والإسرائيليين، ويجري التدريس باللغة الإنجليزية.

التعاون بين الأوساط الأكاديمية وأجهزة الأمن

 يقتصر  التعاون بين الجانبين بشكل أساسي على المعارف التي يجلبها الضباط المتقاعدون ممن التحقوا بالأوساط الأكاديمية بدلا من أن يأخذ شكل ممارسة منظمة. ويرجع هذا الوضع إلى عدة أسباب من بينها حجة “نحن نعرف أفضل” المنتشرة بين عناصر المؤسسة الأمنية الذين ينظرون بتكبر إلى الوسط الأكاديمي. وبالمقابل، يميل بعض الأكاديميين للبقاء في أبراجهم العاجية بدلا من السعي لجسر الهوة بين النظرية والممارسة.

التوصيات

بالرغم من نمو الدراسات الأمنية والاستخباراتية في إسرائيل، لا تزال هناك جوانب في هذا المجال بحاجة إلى تحسين. ومن أبرزها:

 أولا، تشجيع موظفي الأمن والمتقاعدين على الانضمام إلى الوسط الأكاديمي من أجل تبادل خبراتهم العملية مع العلماء النظريين. وفي الوقت نفسه، يجب ألا تعتمد معاهد البحوث على هؤلاء الموظفين السابقين فحسب، بل يجب أن تكون بمثابة مركز لتبادل الأفكار والمعرفة بين الممارسين والأكاديميين. 

ثانيا، يكتب الباحثون الإسرائيليون معظم مقالاتهم الأكاديمية حول قضايا الأمن القومي والاستخبارات باللغة الإنجليزية، وينشرونها في المجلات الأجنبية. ومن ثم، ينبغي تأسيس مجلات باللغة العبرية مخصصة لقضايا الأمن القومي.

ثالثا، فتح البرامج الدراسية المخصصة حصريا لأجهزة الأمن أمام الطلاب النظاميين، مما يعزز المناقشات، ويشجع الشخصية الأمنية على التفكير خارج “مربع الأمن”. 

رابعا، تعزيز التعاون بين الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية والمؤسسات الأمنية والاستخباراتية. مع التشديد على انخراط الأكاديميين في بحوث تطبيقية يمكن ترجمتها إلى استنتاجات واضحة وتوصيات عملية.

للإطلاع على الدراسة كاملة:

الدراسات الامنية والاستخبارية في إسرائيل - اضغط هنا

لمتابعة آخر المستجدات .. انضم الآن إلى قناة "أمد للإعلام" على تليغرام .. اضغط هنا

 

اخر الأخبار