الانقسام الفلسطيني بات شاباً ثلاثينياً

تابعنا على:   17:50 2020-08-10

فادي أبوبكر

أمد/ رغم أن الانقسام الفلسطيني ظهر جلياً  بعد انقلاب حركة حماس على السلطة الفلسطينية في قطاع غزة في صيف عام 2007، فإن جذوره تعود إلى نشأة حركة حماس أواخر عام 1987، حيث أنها استغلّت خلو البيئة الفصائلية داخل منظمة التحرير الفلسطينية من الطابع  الإسلامي، ولعلّ هذه النقطة تُسجّل كخطأ استراتيجي للمنظمة، كان من الممكن تفاديه على قاعدة العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني:  " لو لم تكن عندي معارضة لأوجدتها".

ولا يعود سبب الإنقسام إلى اتفاق أوسلو عام 1993 كما يُروّج البعض، وإنما المسألة لا تتعدّى كونها مطامع حزبية ضيّقة. حيث يشير ابراهيم غوشة الناطق باسم حركة حماس في الفترة ( 1990-1991) في كتابه "المئذنة الحمراء"، إلى مذكرة كانت قد تقدمت بها حركة حماس أوائل عام 1990 إلى المجلس الوطني الفلسطيني ورئيسه آنذاك عبد الحميد السائح تؤكد أن "حركة حماس ليست ضد الدخول في منظمة التحرير الفلسطينية، وإنما تطالب بنسبة 40% من أعضاء المجلس الوطني لمنظمة التحرير" الأمر الذي قوبل بعرض من الرئيس الراحل ياسر عرفات ( 18 مقعداً أي 4% من نسبة أعضاء المجلس)، رفضته حركة حماس قطعياً.

وما يؤكد مزاعمنا بأن "أوسلو" ليس المعضلة، الوثيقة التي كشفت عنها حركة حماس في عام 2017، والتي عُرفت باسم "وثيقة المبادىء والسياسات العامة" والتي يتمثل أحد أبرز بنودها في قبول الحركة بقيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967.

ونتساءل هنا: إن كانت حركة حماس قد طالبت في العام 1990 بما نسبته 40% من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، فبأي نسبة سترضى الآن بعد ثلاثة عقود، أحكمت خلالها السيطرة على قطاع غزة، وأمّنت فيها مصادر تمويل مختلفة؟.

على الرغم من الغلطة التي ارتكبتها منظمة التحرير الفلسطينية بعدم إبراز أي طابع إسلامي لها، إلا أنه يُسجّل لها أنها أعجزت حماس على أن تُشكّل بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأنّها رسّخت كيانيتها حول العالم. فبالرغم من الطنين الخارجي الذي تصدره بعض الدول مثل قطر والإمارات وغيرها، والمحاولات الخفية والعلنية لشيطنة الكيانية الفلسطينية، إلا أنها فشلت في ضرب مصطلح  "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" حيث أن الاعتراف الأممي بالمنظمة وما تلاه من نضالات طويلة جعلها راسخة البنيان.

لا يلغي ما سبق حقيقة وجود خطر خارجي يزيد الشرخ الداخلي حدةً بدلاً من تعزيز النزعة إلى التوافق، ولا حقيقة أن الإنقسام أضعف موقف منظمة التحرير الفلسطينية في المنابر الدولية، وأصبح سلاحاً بيد كل القوى العدائية، لإضعاف شرعيتها والتشكيك بها.

كما أضعف الانقسام قدرة الكل الفلسطيني على مجابهة الاحتلال الاستيطاني الإحلالي ومشاريعه التصفوية، ولعل إنعقاد المؤتمر الـصـحـفـي الـمـشـتـرك لأمـيـن سـر الـلـجـنـة الـمـركـزيـة لـحـركـة فـتـح جـبـريـل الـرجـوب، ونـائـب رئـيـس الـمـكـتـب الـسـيـاسـي لـحـركـة حـمـاس صـالـح الـعـاروري بتاريخ 2 تموز/ يـولـيـو 2020، يُدلّل على مدى خطورة استمرار الإنقسام في ضوء مشروع الضم الإسرائيلي الذي ما زال خطره قائماً بالرغم من تأجيل تنفيذه.

لا ريب في أن مؤتمر الرجوب – العاروري قد أسّس مناخاً إيجابياً، إلا أن هذا لا يعني دخول الحركتين في مربع الاستعداد لإنهاء الانقسام، وإنما التوصيف الأمثل برأيي لما جرى هو "تلطيف حدة الإنقسام الفلسطيني".

الاستعداد لإنهاء الإنقسام يتطلب أولاً استعداد حركتي فتح وحماس ذهنياً وثقافياً للتوافق من خلال منظومة ديمقراطية لا يحقق فيه كل طرف جميع مطالبه، ولا يخرج منه أي طرف من دون تحقيق بعض مطالبه.

من يستعد لإنهاء الإنقسام، عليه أن يقيم حملات تحصين، ويمارس أنشطة الترصّد والمحاسبة تجاه كل من يحاول تلويث المناخات الإيجابية، إضافة إلى التضامن العملي مع الفئات التي تضرّرت بفعل هذا الإنقسام، من معتقلين سياسيين وشهداء وجرحى الانقلاب والمقطوعة رواتبهم على خلفية انتمائهم السياسي.

ما زال النموذج الأعم لحلّ الانقسام الفلسطيني هو الصندوق الانتخابي لضمان  الوصول إلى الديمقراطية القائمة على أساس المواطنة المتساوية وسيادة القانون، إلا أن تجربة انتخابات التشريعي الفلسطينية عام 2006، تُحتّم علينا التفكير ملياً  للحيلولة دون إطالة أمد وتعميق هوّة هذا الانقسام الفلسطيني الذي بات شاباً ثلاثينياً، وليس طفلاً يمكن التحايل عليه وإرضائه بلعبة أو قطعة حلوى.

إجراء الانتخابات لن ينهي هذا الانقسام ، لأنه لم يعد مجرد انقسام سياسي، ولن تتهاوى جدران هذا الانقسام إلا بصياغة منظومة شاملة توطّد العلاقات الاجتماعية في البناء التحتي، بحيث ينتظم هرم من الحلقات من أسفل إلى أعلى يواجه به المواطن في حياته اليومية.

لمتابعة الأخبار وآخر المستجدات .. انضم الآن إلى قناة "أمد للإعلام" .. اضغط هنا

 

اخر الأخبار