إسرائيل خلف كارثة بيروت

تابعنا على:   12:29 2020-08-06

عمر حلمي الغول

أمد/ الإنفجار الكارثي في مرفأ بيروت أول أمس الثلاثاء الموافق الرابع من آب/ أغسطس 2020 كان بفعل فاعل، ولم يكن نتيجة ماس كهربائي، ولا نتيجة تفاعل المواد المتفجرة، والمخزنة منذ عام 2014 أو 2012، وإن وجدت بعض العوامل التخريبية المساعدة، أو الممهدة للقصف الصاروخي لميناء العاصمة اللبنانية، فوجودها قد يكون للتغطية على جريمة الحرب الإسرائيلية القذرة. لا سيما وان المستفيد الأول من ذلك هي إسرائيل لإعتبارات إسرائيلية ولبنانية وعربية شرق اوسطية. كما ان هناك طرف اساسي في لبنان يخشى التورط في حرب جديدة معها، هو حزب الله، الذي بدوره نفى ان تكون إسرائيل وراء حرب التدمير الوحشية للبور. مع ان نتنياهو اعلن مباشرة بعد الإنفجار غير المسبوق في لبنان، ان ذلك رسالة لحزب الله وحسن نصرالله!؟

 لا اريد ان اتوقف أمام أزمة لبنان البنيوية العميقة، ولا ما ستحمله محكمة رفيق الحريري من نتائج بعد ايام، ولا عن ازمة حكومة حسان دياب وإنعكاساتها على المشهد اللبناني، ولن أعطي إستقالة وزير خارجية لبنان أكثر مما تستحق، ولا عن التصعيد العنصري البشع من بعض المسؤولين اللبنانيين ضد الفلسطينيين والسوريين العرب، لإنه جميعها على أهميتها عوامل ذات صلة بتعثر وتفكك الدولة اللبنانية الفاشلة، وإفلاسها، وسقوطها في مستنقع التحلل والإضمحلال، وهو اخطر الف مرة من وباء وجائحة الكورونا. انما ساتوقف امام تصاعد التوتر الذي شهدته الحدود اللبنانية السورية الإسرائيلية خلال الفترة القريبة الماضية، وتبادل الإتهامات بين الأطراف المختلفة، وتحديدا قيادة الحكومة والجيش الإسرائيلي مع حسن نصر الله وحزبه، وكيفية تنصل الحزب وقيادته من تنفيذ اية عمليات عسكرية ضد الدولة الكولونيالية.

وتجلى حرج الحزب وقيادته في التغطية على القصف الأخير على ميناء العاصمة، وعدم الرد على نتنياهو، ليس هذا فقط، انما الأخطر تبرئته  ودولته المارقة من جريمة حرب وحشية شاهدها كل من تابع المشهد، ورأى الطائرة والصاروخ وهو يهوى على المرفأ، وهو ما اكده تصريح الرئيس ترامب امس، عندما غرد قائلا "ان ما جرى في بيروت وفق الجنرالات الأميركيين (وهم الذين يقفون وراء الضوء الأخضر للقيادة العسكرية الإسرائيلية لتنفيذ جريمتها) في البور تم بفعل فاعل". وكذلك قراءات وشهادات العديد من الخبراء العسكريين اللبنانيين والعرب لما حدث، وهذا ما اكدته جريدة الجمهورية اللبنانية، وغيرها من المنابر الإعلامية اللبنانية.

ما اسباب ذلك؟ وحتى لو لم يشأ الحزب التورط في حرب، هل يجوز له تبرئة إسرائيل من جريمتها ضد لبنان؟ وما هي الفائدة، التي يرجوها الحزب من إنتهاج سياسة النأي بالنفس عن إتهام دولة اسرائيل؟ دون إطالة في طرح الأسئلة، يعلم حزب الله ومن خلفه جمهورية إيران الإسلامية، انه مستهدف، وان دوره الوظيفي في لبنان إنتهى، وبات يشكل عبئاً على التوازنات الطائفية القائمة، حيث لم يعد يكتفِ بدور الثلث المعطل، انما اراد توسيع نطاق نفوذه على الثلث السني من خلال حكومة حسان دياب، ليس هذا فحسب، بل ان دوره الإقليمي في إطار المنظومة الإيرانية تجاوز السقف المسموح به، والأهم من ذلك، انه حقق من وجوده في المشهد اللبناني منذ عام 1982 الهدف المراد منه وفق حسابات العدو الصهيو أميركي، وهو تعميق عملية التمزق في النسيج الإسلامي من خلال اللعب على وتر التشيع.

ولهذا لا يريد نصر الله التورط في حرب ليست في مصلحته نهائيا لا بالمعنى الشخصي، ولا بالمعنى الحزبي، ولا بالحسابات الإيرانية. أضف إلى ان تورطه بحرب جديدة سيضعه لقمة سائغة امام إسرائيل، كما ستزداد عزلته في اوساط الجماهير وبين الأحزاب والقوى اللبناني. لإن اية حرب قادمة ستكون مدمرة أكثر من تدمير مرفأ بيروت. ولم ينس امين حزب الله ما قاله في اعقاب حرب تموز / يوليو 2006، عندما قال " لو كنت اعلم أن نتائج العملية العسكرية ستؤدي لهذة الخسائر ما اقدمت عليها." وبالتالي الدرس مازال ماثلا في ذهنه. وعليه فمن الأجدر له ان يغطي على الجريمة الإسرائيلية. لإنه لو اتهم إسرائيل بالوقوف وراء نكبة المرفأ، فهو عندئذ مطالب شاء أم ابى بالرد على الجريمة. لذا إختار اهون الشرور، وغض النظرعن الوحشية الإسرائيلية. وتجرع مرارة الهزيمة، إذا إفترضنا انه معني بمواجهة التحدي.

من المؤكد اللاعب الذكي، هو من ينأى بنفسه عن معركة خاسرة 100%، لإن جعجعة الشعارات الديماغوجية لا تفيد، بل تكون اضرارها أشد وطأة من الصمت. لهذا إختار الحزب إغماض عيونه كليا عن الجريمة الإسرائيلية، لإنه يفترض ان الجماهير بعد ايام ستنسى ما جرى بعد وداع ضحاياها، وشفاء جرحاها، وحصولها على بعض المساعدات المالية، والميناء سيعاد ترميمه وبنائه، وبالتالي يكون اطال في زمن بقائه على قيد الحياة. بيد ان ذلك لن ينقذه من شرور رئيس الحكومة الإسرائيلية الفاسد، لان المخرج الوحيد لنتنياهو من مآزقه وأزماته مع القضاء وغانتس واليمين الصهيوني والحريديمي المتطرف ليس بالذهاب لإنتخابات رابعة، انما بفتح جبهة الحرب مع حزب الله لخلط كل الأوراق الداخلية والخارجية. وهكذا يعتقد انه يستطيع الهروب إلى الأمام من الأزمات العميقة في المشهد الإسرائيلي. وبالتالي الحرب قادمة حتى لو تأخرت قليلا من الوقت لحين إنقشاع نكبة بور بيروت، ولعدم تحميل إسرائيل المسؤولية المباشرة عن الكارثة اللبنانية الجديدة.

مع ذلك حرب المرفأ الوحشية لها ما بعدها من تداعيات، لن تترك حزب الله ولا النظام السياسي ولا الواقع الطائفي ولا تركة الطائف ولا أي معادلة من المعادلات القائمة، لإن الشعب كفر بكل المكونات، وسيكون لبنان الشعب وقوى التغييرعلى موعد جديد مع قرع اجراس ثورة إكتوبر 2019 من جديد. 

كلمات دلالية

اخر الأخبار