إساءة استخدام السلاح واعتقال الحراكيين ضد الفساد‎

تابعنا على:   13:00 2020-07-29

هاني المصري

أمد/ لا يجب المرور مرور الكرام على جريمة قتل عماد الدين دويكات، أمين سر حركة فتح في بلاطة البلد على يد أفراد من الأمن الوطني، لأسباب ثلاثة:

أولها: استخدام السلاح بخفة وعدم مسؤولية من قبل أفراد مدربين، ومكلفين بتطبيق القانون، وتوفير الأمن والسلامة للمواطنين، وأساؤوا استخدام السلاح رغم عدم وجود خطر على حياتهم.

وثانيها: كون الجريمة ناتجة عن عدم وجود قرار موحد لدى الجهات المسؤولة عن إنفاذ القانون، حيث إن فتح المحلات وتوزيع الطرود الغذائية جرى بإشراف لجنة الطوارئ وموافقة المحافظة، ولم تلتزم الدورية بمراجعة المسؤولين للتحقق من ذلك، بل اختارت بعد بعض الجدال والفوضى استخدام الرصاص بخفة وعدم مسؤولية.

وما يعطي لهذا الأمر أهمية أنه يأتي مع تعدد مظاهر الفلتان الأمني، وتضارب الآراء والقرارات من مكونات مختلفة في السلطة، وعلى أعلى المستويات، وكل هذا ناجم عن طبيعة النظام السياسي الذي يستند إلى حكم ذاتي محدود، وهو نظام مختلط (رئاسي برلماني)، يمنح الرئيس سلطات واسعة كما يمنح رئيس الحكومة سلطات واسعة، في وقت أخذت تتجمع فيه السلطات في السنوات الأخيرة بيد الرئيس، لا سيما بعد تجميد ومن ثم حل المجلس التشريعي. ويزيد الطين بلة أن مصير السلطة على كف عفريت بعد طرح رؤية ترامب والضم، وردة الفعل الفلسطينية على ذلك بالتحلل من الاتفاقات الموقعة، من دون بلورة رؤية وإستراتيجية واضحة للمستقبل.

وثالثها: أن هذه الحادثة المؤسفة كما جاء في بيان الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ليست المرة الأولى التي يقوم بها أفراد من أجهزة الأمن باستخدام القوة المميتة دون مراعاة مبادئ وتعليمات استخدام الأسلحة النارية".

فقد وقعت منذ بداية العام حالات عدة وثقتها الهيئة المستقلة، أدت الى مقتل مواطنين أو إصابتهم بأعيرة نارية على يد قوات الأمن، وفي أغلب هذه الحالات كان يتم الإعلان عن تشكيل لجان تحقيق رسمية لكن لم يتم نشر أي تقرير من تقارير هذه اللجان.

وترى الهيئة أن هذه الحادثة المؤسفة ليست حادثة معزولة، فقد تكررت حالات إساءة استخدام السلاح من قبل أفراد من أجهزة الأمن بشكل ملحوظ ومقلق في الفترة الأخيرة، الأمر الذي يستدعي وقفة ومراجعة شاملة لإجراءات حمل واستخدام السلاح من قبل أفراد الأجهزة الأمنية

ومن الحالات التي وثقتها الهيئة حادثة مقتل المواطن علاء العموري، بتاريخ 24/6/2020، في العيزرية، نتيجة إصابته بطلق ناري في البطن أثناء توقيفه من قبل الشرطة؛ وحادثة إصابة مواطنيَن بأعيرة نارية بتاريخ 23/5/2020، نتيجة إطلاق النار عليهما من قبل أحد أفراد الأمن على أحد الحواجز في مدينة بيت لحم؛ وحادثة مقتل الطفل صلاح زكارنة من بلدة قباطية، بتاريخ 18/2/2020، أثناء قيام الأجهزة الأمنية بفض حفل استقبال أحد الأسرى المحررين في سجون الاحتلال.

وبعد إدانتها حادثة مقتل المواطن دويكات، طالبت الهيئة المستقلة بإجراءات جدية لوضع حد لظاهرة إساءة استعمال السلاح من قبل أجهزة الأمن، ودعت إلى:

تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للوقوف على الظروف التي أدت إلى مقتل المواطن دويكات، ونشر نتائج التحقيق الذي تتوصل إليها اللجنة، وعدم الاكتفاء بتشكيل لجنة تحقيق داخلية، على أن يكون هناك إطار زمني واضح لعمل اللجنة.

فتح تحقيق جنائي وتقديم مطلق النار للمساءلة أمام القضاء المختص.

عمل مراجعة شاملة لطبيعة التعليمات المعطاة لأفراد الأمن، وطبيعة التدريبات التي يتلقونها فيما يخص استخدام الأسلحة النارية، بما يضمن عدم تكرار هذه الحوادث .

اعتقال الحراكيين ضد الفساد

في حادثة أخرى لا تقل بشاعة، لا تزال أجهزة الأمن تعتقل 14 من الحراكيين ضد الفساد على خلفية دعوتهم إلى تنظيم مسيرة ضد الفساد يوم السبت 19/7، وذلك قبل تجمعهم وانطلاق المسيرة، حيث اعُتقِل بعضهم على الحواجز. وكانت حجة السلطة أنهم خرقوا تعليمات أنظمة الطوارئ، وخالفوا قرار منع المسيرة، وإذا تجاوزنا الجدل الجدي والوجيه حول قانونية إعلان الطوارئ، نذكّر بأن تنظيم المسيرات وفق القانون لا يحتاج إلى إذن، ويكفى إبلاغ الشرطة لتقوم بالسهر على أمن المسيرة .ولم يتم الاكتفاء بمنع المسيرة، بل جرى توقيف المشاركين المحتملين، وتجديد توقيفهم بالحد الأقصى 15 يومًا.

إن تنظيم المسيرات للمطالبة بحقوق، أو دفاع عن مصالح، أو للاعتراض على سياسات أو أوضاع أو قمع وفساد، هي ممارسة لحق دستوري يكفله القانون، وهذا ما لم يتم الالتزام به من الأجهزة المسؤولة عن إنفاذ القانون، رغم إعلان الرئيس ورئيس الحكومة أن الحريات في فلسطين سقفها السماء.

لقد منعت المسيرة قبل تجمع من دعوا لها بذريعة مخالفة أنظمة الطوارئ، وهذا أمر قمعي غير عقلاني وليس مقبولًا، لسبب بسيط أن المسيرة لم تحدث، وحتى لو حدثت، وفي حال لم تلتزم بإجراءات الوقاية فكان للأجهزة العذر بمنعها، مع أن التجمعات من دون إجراءات وقائية منتشرة أينما ولينا الأبصار من دون تدخل إلا في حالات موسمية، وكذلك التجول داخل المحافظات والتنقّل ما بينها جارٍ على قدم وساق.

ما الذي يمكن أن يفسر مثل هذا الإجراء القمعي؟ يمكن أن يقال مثلما قيل على مدى التاريخ من قبل حكام مختلف الأنظمة الاستبدادية والشمولية، بأن الوقت غير مناسب لتنظيم المسيرات، فلا صوت يعلو على صوت المعركة، معركة مكافحة الوباء، ومعركة تدهور الاقتصاد، ومعركة الضم وتصفية القضية الفلسطينية .

الرد على ما سبق بسيط جدًا: هل الفساد وقمع الحريات العامة يساعد على خوض المعارك والانتصار بها، أم على العكس من ذلك؟ فالقلعة المفككة من الداخل لا تستطيع الصمود، وهزيمتها حتمية.

قد يقول قائل ليس من الحرية إلقاء التهم بالفساد جزافًا من دون أدلة وبراهين، وهذا كلام جدي وصحيح وحق يجب الاتباع، ولكن الحراكيين ضد الفساد يدّعون أن لديهم ما يثبت ادعائهم، وسبق أن قدموا ملفات فساد لكن لم يجر الاهتمام بها.

وهنا على القضاء أن يحكم، وليس اعتقال من يناضل ضد الفساد وإبقاء الفاسدين الذين ينخرون الجسد الفلسطيني يسرحون ويمرحون من دون حسيب أو رقيب، وإن لم تتم مكافحتهم فلن نكون قادرين على خوض أي معركة.

اخر الأخبار