تونس.. استقالة حكومة الفخفاخ وسط مشهد سياسي مضطرب

تابعنا على:   15:55 2020-07-27

فيصل علوش

أمد/ قدّم رئيس الوزراء التونسي، إلياس الفخفاخ، استقالة حكومته (15/ 7)، استجابة لدعوة الرئيس قيس سعيّد، إثر تقديم لائحة برلمانية لسحب الثقة منه، صوّت عليها 105 نواب، بينهم نواب حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة.

وباستقالته، أعاد الفخفاخ المبادرة دستورياً إلى الرئيس سعيّد ليقترح مرشحاً جديدا لرئاسة الحكومة، وقطع الطريق أمام «نصر سياسي» كانت حركة النهضة تمنّي نفسها به، كونها الكتلة التي تقف وراء اللائحة البرلمانية.

وقد ترأس الفخفاخ، منذ شباط/ فبراير الماضي، ائتلافاً حكومياً ضم 4 أحزاب وكتلة برلمانية، هي: النهضة (إسلامية – 54 نائباً من 217)، التيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي – 22)، حركة الشعب (قومية ناصرية – 14)، حركة تحيا تونس (ليبيرالية – 14)، وكتلة الإصلاح الوطني (مستقلون وأحزاب ليبرالية – 16). وكان الرئيس هو من اختار الفخفاخ لتكوين الحكومة (التي باتت تعرف بحكومة الرئيس)، بعد فشل حكومة الحبيب الجملي، مرشح الحزب الفائز في الانتخابات (النهضة)، في نيل ثقة البرلمان قبله.

وفي 30 حزيران/ يونيو الماضي، أعلنت هيئة مكافحة الفساد (دستورية مستقلة)، أنه توجد «شبهة تضارب مصالح» للفخفاخ بشأن امتلاكه أسهما في شركات تتعامل مع الدولة تجارياً، وأبرمت معها صفقات، وهو ما يمنعه القانون. وقد انتهزت «النهضة» هذه التهمة، لتضغط عليه، من أجل القبول بتوسيع الحزام الحكومي ليضم حزب «قلب تونس» برئاسة نبيل القروي، (وربما ائتلاف الكرامة الإسلامي المتشدد)، حليفا النهضة في البرلمان، بهدف تأمين حزام نيابي حولها يحول دون الإطاحة بالغنوشي كرئيس للمجلس النيابي. وعندما رفض الفخفاخ ذلك، قدّمت مع حلفائها في البرلمان «لائحة لوم» لسحب الثقة منه، فسارع إلى تقديم استقالته.
المهمة الصعبة

وجاءت الاستقالة في وقت تصاعدت فيه حدّة التجاذبات السياسية التي تشهدها تونس، على خلفية عدم تجانس الفريق الحكومي، والفوضى التي يعيشها المشهد البرلماني، فضلاً عن الاتهامات الموجّهة إلى الفخفاخ، ما أدخل البلاد في أزمة سياسية حادة وعميقة.
وبهذه الاستقالة، ينفتح المشهد السياسي والحكومي على مخاضٍ جديد يصعب التكهن بمآلاته ونهاياته. لكنه على الأرجح، لا يمكن أن يكون استنساخا للمشهد السابق، وخاصة بعد تفجّر ملف «تضارب المصالح»، وما تبعه من مبادرات وردود أفعال، كانت بمحصلتها أشبه بـ«رصاصة رحمة» أطلقت على الفخفاخ وحكومته والائتلاف المكوّن لها.

يذكر في هذا الصدد، أنّ انتخابات 2019 أسفرت عن مشهد برلماني «فسيفسائي» يتكون من كتل عديدة لا يشكل أيٌّ منها أغلبية، وذلك بفعل القانون الانتخابي القائم على آلية «التمثيل النسبي مع الأخذ بأكبر البقايا»، إضافة إلى شيوع تنقّل النواب بين الأحزاب (السياحة الحزبية) تبعا للمصالح الشخصية. وكان سقوط حكومة الجملي في نيل ثقة البرلمان، مؤشّرا واضحا على عمق الخلافات بين مختلف الكتل، وعلى صعوبة جمع الأغلبية ضمن ائتلاف حكومي متجانس، قادر على التصدّي للأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها البلاد.

ومثّل الخلاف الذي حصل خلال مسار تشكيل حكومة الفخفاخ، بينه وبين «النهضة»، بخصوص مكونات الائتلاف الحكومي، أول العقبات التي اعترضت سبيله. فالحركة كانت تريد ضم «قلب تونس»، في ما أصرّ الفخفاخ على اقتصار الحكومة على الأحزاب التي دعمت الرئيس سعيّد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، واستثناء حزب قلب تونس، وائتلاف الكرامة، والحزب الدستوري الحر منها.

وعلى ذلك، وبموازاة الائتلاف الحكومي، تبلورت تحالفات برلمانية مختلفة تماماً. وعلى سبيل المثال، فقد صوّت كلٌّ من حزب قلب تونس (27 مقعدا)، وائتلاف الكرامة (19 مقعدا)، اللذين استُبعدا من الائتلاف الحكومي، لصالح راشد الغنوشي لرئاسة البرلمان، في حين صوّتت ضده الكتل المؤتلفة مع حزبه في الحكومة. وفيما بعد، بات بعض هؤلاء «الشركاء»؛ (التيار الديمقراطي وحركة الشعب)، يدعمون علانية المبادرات الداعية إلى الإطاحة بالغنوشي كرئيس للبرلمان.

وأدّت هذه المفارقات والتناقضات إلى بلورة مشهد سياسي موسوم بالتنافر والتناقض، ما أدّى في النتيجة إلى عجز الحكومة في أكثر من مناسبة، عن تمرير مشاريع القوانين التي تقدّمت بها؛ لافتقارها إلى سند برلماني قوي.

«تضارب المصالح» والفوضى البرلمانية!

وهكذا، أخذت تتزايد المؤشّرات، يوما بعد يوم، على أن عمر الحكومة لن يكون طويلا، ولكن من دون أن يبادر أيٌّ من مكوناتها لإعلان انسحابه منها أو المطالبة باستقالتها، إلى أن تفجّرت قضية «تضارب المصالح» الخاصة برئيسها.

ويُرجّح أغلب المراقبين أنّ استقالة الفخفاخ لن تكون نهاية مطاف التجاذبات السياسية القائمة، والتي وصلت إلى مستويات خطيرة بدأت تؤثر سلباً على سير المصلحة العامة ومقتضياتها، في وقتٍ لم تتخلص فيه البلاد بعد من مخاطر جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.

يُذكر هنا، أنه بالتزامن مع استقالة الفخفاخ، قدّمت كتل برلمانية لائحة لسحب الثقة من الغنوشي، الذي باتت رئاسته للبرلمان موضوعة على «صفيح ساخن»، على خلفية توتر علاقته بالرئيس سعيّد وأحزاب التحالف الحكومي، فضلاً عن سوء إدارته للجلسات، والتوتر الحاصل في البرلمان بين أحزاب على طرفي نقيض، ولاسيما حزبي حركة النهضة وائتلاف الكرامة (الإسلاميين) من جهة، والحزب الدستوري الحر، الممثل للنظام السابق ما قبل الثورة، من جهة ثانية.

وأخذ البرلمان يقدم صورة سيئة عن «الانتقال الديمقراطي» في تونس، بسبب العراك والتشاجر والخطاب العنيف في مداخلات النواب، وهو أمر يتكرّر بشكل شبه دائم. وفقد الغنوشي ثقة أطراف كثيرة كانت داعمة له، باتت تحملّه مسؤولية حال الفوضى والانفلات التي تعمّ البرلمان.
وطالبت أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية واجتماعية وشخصيات مستقلة، بتدخل الرئيس سعيد واتخاذ قرار بحل البرلمان، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، لوقف مهزلة الصراع بين الخصوم السياسيين داخله. وقد لوّح الرئيس سعيّد باحتمال لجوئه إلى ذلك، مشيراً إلى أن البلاد تعيش «أخطر وأدق اللحظات في تاريخها»!.

كلمات دلالية

اخر الأخبار