نتائج الثانوية العامة للعام 2020 تحت المجهر!؟

تابعنا على:   18:49 2020-07-21

عبد الكريم عليان

أمد/ نتائج الثانوية العامة لهذا العام، لم تعلن عبر مؤتمر صحفي يتصدره وزير التعليم والحاشية التي تتبعه كما العادة التي تقام سنويا، ولا نعرف السبب إن كان هو الانقسام بين غزة والضفة وعدم تفاهمهم أو اتفاقهم على ذلك.؟! أو يكون السبب هو الظرف الصحي ووباء كورونا المنتشر في بعض المحافظات الشمالية..؟! أي كان السبب فالمظاهر التي جرى التفاخر بها أمام الإعلام هي مظاهر ليست تربوية وغير محمودة خصوصا إذا ما أعلن عن نسبة النجاح، وبالمقابل ما يسمونه بـ (الرسوب)، وبالمناسبة كانت نسبة النجاح العامة لكل فلسطين هي: 71.32 % حسب بيان وزارة التربية والتعليم العالي. وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالسنوات الماضية، وعكس ما كنا نتوقع في ظروف صحية ونفسية واقتصادية وسياسية لم تعرفها فلسطين من قبل سواء في المحافظات الجنوبية، أم في المحافظات الشمالية.. بالإضافة لما سمعناه وشاهدناه من صراخ وعويل من الطلبة في أثناء تقديمهم للامتحانات وشكواهم من صعوبة الأسئلة في بعض المساقات.! أي كان الأمر، يمكننا القول أن النتيجة لا تتسم بالصدق، ولا تتسم بالثبات، وهي غير طبيعية، كما يتضح من تحليلنا الاحصائي للعلامات الخام التي أظهرت الناجحين ومعدلاتهم. وحتى نكون صادقين، قمنا بتحليل نتائج المحافظات الجنوبية (قطاع غزة) كعينة كبيرة تنسحب على الجميع، وإن كانت ظروف غزة أسوأ من الضفة، لكن الامتحان واحد والنظام واحد والامتحانات موحدة وأجريت في نفس الوقت، كذلك نسبة النجاح متقاربة إن لم تكن متساوية مع نتائج الضفة.

في محافظات غزة هذا العام، بلغ مجموع الطلبة الذين تقدموا لامتحانات الثانوية 31360 طالبا وطالبة، نجح منهم ما مجموعه 22099 طالبا وطالبة بنسبة مئوية بلغت 70.46 %، اللافت للانتباه في عدد الطلبة الذين يتقدمون لامتحان الثانوية سنويا، نكتشف أن عددهم في تناقص مستمر؛ ففي عام 2013 بلغ عددهم 37560 طالبا، بنسبة بلغت 8.43 % وهذا التناقص مؤشر خطير! لم ينتبه له أحد في غزة، وهو لا يختلف عن حالات الانتحار، أو الهجرة من غزة، أو التسرب من المدرسة، نتيجة للانقسام وما تبعه من صعوبة للحياة في كافة المجالات.. ولكي نقف على نتائج الثانوية لا بد من تصنيف الدرجات التي حصلوا عليها الناجحين إلى فئات حسب الدرجة ومعرفة عدد الطلبة في كل فئة، ونبدأ من الفئة ( الممتازة) والتي حصلوا فيها الطلاب على معدل (90 إلى أقل من 100) وبلغ عددهم في غزة 4314 طالبا أي ما نسبته 19.52% من مجموع الناجحين، وهي نسبة مرتفعة جدا وغير منطقية، ولا تتوفر هذه النسبة في أرقى المجتمعات وأكثرها تقدما، ففي اليابان مثلا لاتصل هذه النسبة إلى 2.5 % في أحسن الحالات، الفئة الثانية فئة (الجيد جدا) والتي حصل فيها الطلبة على معدل (80 إلى أقل من 90 درجة) وبلغ عدد الطلبة في هذه الفئة 5648 طالبا بنسبة تساوي 25.56 % من الناجحين، أما الفئة الثالثة وهي فئة (الجيد) والتي حصل عليها الطالب على معدل يساوي (70 إلى أقل من 80 درجة) فجاءت مطابقة تقريبا للفئة الثانية، إذ بلغ عدد الطلاب في هذه الفئة 5614 طالبا بنسبة بلغت 25.40 %، أما الفئة الرابعة وهي فئة (المتوسط) والتي حصل فيها الطالب على معدل ( 60 إلى أقل من 70 درجة) جاء عددهم 4553 طالبا أي ما نسبته 20.61%، أما الفئة الخامسة وهي فئة (ضعيف) والتي حصل فيها الطالب على معدل (50 إلى أقل من 60 درجة) فبلغ عدد الطلبة في هذه الفئة 1970 طالبا بنسبة بلغت 8.91 % وهي الفئة الأقل من الطلبة الناجحين.
إذا ما أردنا الحكم على النتائج السابقة، فهي لم تعطنا أي دالة إحصائية سوى أن النتائج جاءت غير طبيعية ولا يمكنها أن تمثل التوازن الطبيعي، أو كما يسميه الإحصائيون "يجب أن تمثل (منحنى الجرس Bell Curve) " بمعنى أن تتساوى الفئة الممتازة مع الفئة الضعيفة بحيث تمثل كل فئة طرف الجرس من كل جهة فوق الخط السيني على أساس أن لا تزيد عن 2.5 % من الناجحين كما أسلفنا، وتتدرج الفئات الأعلى درجة بشكل افقي عن اليمين والشمال لتشكل الفئة الأكبر رأس الجرس وهنا يمكن أن تمثل الفئة (جيد) هي رأس الجرس وفئة (جيد جدا) أقل عددا وصولا للفئة (ممتاز) وكذلك فئة (المتوسط) وصولا للفئة (ضعيف)، كما هو موضح بالشكل المرفق. أما نتائج امتحاناتنا فجاءت نصف مفرطحة لا لون أو مضمون لها، وإن دلت على شيء فهي تدل على أن جهازنا التعليمي صمم أسئلة الامتحان ليس بهدف قياس الأهداف التعليمية، أو أن المسئولين عن النتائج قد زوروا النتائج بما يلائم الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية تمهيدا لامتصاص غضب الناس المتأجج من كل شيء.. فجاءت النتائج مفرحة ولو مؤقتا؛ فسمعنا الزغاريد، واطلاق النار في الهواء وكذلك المفرقعات في كل حي تعبيرا عن جهلنا، وليس فرحنا أو نجاحنا..

على كل حال، نتائج الثانوية لهذا العام، وإن ارتفعت نسبة النجاح بعض الشيء، فهي لا تختلف عن السنوات السابقة؛ لأن النظام لم يتغير، وكذلك المفاهيم والبرامج التربوية... فنحن نتعامل مع أبنائنا كأوعية يجب أن نملأها بما لا يتلاءم وإنسانيتنا، وبما لا يتلاءم مع حاجاتنا المعرفية والوجدانية كي نخرج أصحاء معافين من أي تشوه..؟! لماذا نتعامل مع الامتحانات كمعيار لتصنيف أبنائنا إلى راسب وناجح؟ وضعيف ومتفوق؟؟ أليست الامتحانات هي قياس للأهداف التعليمية؟؟ لماذا خلقنا من الامتحانات ظروفا يشوبها الخوف والإرهاب والقلق؟؟ ليس لطلابنا فحسب، بل لكل المجتمع؟؟ يا سادة! متى تصبح الامتحانات مواقف للتعليم والتعلم؟! يا سادة! إن قوانين ونظريات القياس والتقويم تؤكد أن الامتحانات التحريرية التي نجريها في مدارسنا وجامعاتنا لا يمكن أن تقيس أكثر من 60 % من قدرات الطالب.. لماذا نسمي الطالب الذي لم يدرك النجاح بـ (راسب أو ساقط)؟؟ أعجب للرئاسة، ولوزارة التعليم العالي، وجامعاتنا، والمؤسسات الذين يتزاحمون لتبني الطلبة المتفوقين ومساعدتهم وإعفائهم من الرسوم!! وبالمقابل لا أحد يتبنى الطلبة الذين تخلفوا عن النجاح لظروف جميعنا، مسئولين عنها.. وبالدرجة الأولى الجهاز التعليمي الذي لم يتابعهم ليس في الثانوية فحسب، بل منذ المرحلة الأساسية؛ فعلينا أن نعي وندرك أن نتائج الثانوية العامة هي انعكاس لكافة المراحل التعليمية، وإذا ما كانت نسبة النجاح في الثانوية العامة، هي مثلا 70 % فهذا يعني أن الجهاز التعليمي كان مقصرا بدرجة 30 %..؟! أعرف أن الكثيرين سيتهمونني بالتشاؤم وأنني ساخط على كل شيء!! نعم ! أنا ساخط لأن جامعاتنا تقذف سنويا أكثر من 14000 خريجا إلى سوق البطالة، وحكوماتنا لا يعنيها شيء ولا يعنيها حجم الاحباط والتشظي الذي يعيشه شبابنا.. نعم أنا ساخط! لأننا بعد أربعة عشر سنة من الانقسام والتشرذم للحالة الفلسطينية لا نستطع تغيير هذا الواقع، وليس أسهل ما نبرر فشلنا بتعليقة على شماعة الاحتلال!؟ نعم أنا ساخط! لأننا وجهنا اللوم والاتهام لفتاة لم تدرك النجاح بأنها زورت شهادة لها بأنها ناجحة، ولم نستطع توجيه الاتهام لجهاز زور نتائج عشرين ألف طالب وطالبة!!

قبل أن نبدأ بالحديث عن مرحلة ما بعد الثانوية، علينا أن نذكر بأن عدد الناجحين في القسم العلمي هو: 6770 طالبا، في عصر التكنولوجيا وما أنتجته وما ستنتجه من أعمال ووظائف حديثة جميعها تتطلب دراسة في القسم العلمي، ومع ذلك بقي عدد الطلبة الملتحقين للقسم العلمي عدد مخجل ومخجل جدا، ونلوم أنفسنا بعد ذلك بحجم البطالة.. وهذا العدد من الطلبة يعكس الخلل في البرامج والأنشطة التربوية المقدمة في مدارسنا خصوصا في المرحلة الثانوية... الأمر الغريب هذه السنة في جامعات غزة التي بدأت بالترويج لنفسها، كي تستطيع جلب عددا أكبر من الطلبة؛ لأن ذلك سوف يزيد من أرباحها على حساب الطلبة، وبدلا من أن تفكر وتبحث عن حلول علمية لسوق العمل ولمشاكل مجتمعنا وابتكار تخصصات حديثة تلائم ظروفنا..؟! أي جامعات هذه التي ضربت بعرض الحائط دستورنا وقانونا الأساسي عندما ميزت في قبولها للتخصصات المختلفة بين الذكر والأنثى..؟ لماذا نلوم العوام وجامعاتنا بدلا من أن تكون القدوة في الابتكار والابداع وإيجاد الحلول أو حل المشكلات، راحت تفكر بكيفية جمع الأموال؟! وحتى نخرج من جدلية التصنيف وعدم دقة النتائج، على هذه الجامعات أن تحذوا بالجامعات العالمية وتبدأ بوضع ما يسمى بامتحان قدرات لكل تخصص ولا يؤخذ بالحسبان بدرجات الثانوية؛ ففي كثير من الدول تعتبر نتيجة الثانوية مؤشر أولي لدخول الجامعة لكنه ليس مؤشرا لاختيار التخصص، وكثير من الطلبة بعد نجاحهم في الثانوية يدرسون من جديد مساقات وأبحاث جديدة تتعلق بالتخصص الذي يرغبونه، وقد يستغرق ذلك منهم سنة جديدة.. وهنا تتنافس الجامعات في امتحان القدرات فلكل جامعة امتحاناتها الخاصة بها بما يميزها عن جامعة أخرى.. ومن هنا نبدأ بالتغيير والارتقاء.. من هنا يصبح الامتحان موقف تعليمي لا موقف ارهابي..! من هنا نبدأ بتغيير النظام وتغيير المفاهيم.. من هنا يبدأ الطالب والمعلم بتعلم وتعليم المهارات، لا بتعليم الحفظ وتذكر المعلومات، خصوصا أننا في عصر لا يمكن للفرد فيه أن يجاري حجم المعرفة والمكتشفات التي تزيد وتتضاعف في كل دقيقة. فهل ندرك ونعي إلى أين نحن ذاهبون..؟!

اخر الأخبار