الوضع السياسي الفلسطيني بين المحسوب والسيناريوهات الغائبة

تابعنا على:   09:44 2020-07-21

علاء الدين عزت أبو زيد

أمد/ شهدت الأراضي الفلسطينية حالة من الجمود فى العملية السلمية منذ عام (2009م), لا يمكن إنكارها رغم بعض المؤتمرات المتعثرة, كما أنها عاصرت ثلاث اعتداءات إسرائيلية طاحنة فى قطاع غزة بدأت بعدوان (2008-2009م), ومن ثم عدوان (2012م), وختمت بالعدوان (2014م), ومنذ ذلك الحين, والأراضي الفلسطينية تسودها حالة من الغموض, يغلب عليها طابع اللا سلم, واللا حرب.

من هنا يمكن لنا أن نضع سيناريوهات مستقبلية حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فى ضوء التدخلات الدولية, الداخلية, والخارجية, التى من الممكن أن تأخذ شكلان, الأول منهما: يتمثل بمؤتمر سلام جدي, يوعد الفلسطينيين, ويعطيهم رزمة اقتصادية, ومالية, بالإضافة إلى رؤية سياسية واضحة تُجيب على كافة التساؤلات الفلسطينية. أما الشكل الثانى: فيكون بالتدخل عن طريق عدوان جديد, ويمكن لنا أن نفسر أشكال التدخل من خلال سيناريو السلام, وسيناريو الحرب.

أولًا/ سيناريو السلام:

بدأ الفلسطينيون بتجهيز أنفسهم لاستحقاقات المرحلة القادمة, من خلال الوحدة الوطنية, وربما كان مؤتمر اللواء جبريل الرجوب, والشيخ صالح العاروري مقدمة لهذا التفكير الاستراتيجي من الناحية السياسية, على العكس تمامًا فإن الجانب الإسرائيلى غير معني باستحقاقات العملية السلمية؛ وذلك بسبب التناقضات الحزبية, وميول المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف, بالإضافة إلى عقيدة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو المتمثلة برفض العملية السلمية منذ اتفاقية أوسلو.

من جانب آخر, فإن الاتحاد الأوروبي يسعى جاهدًا للتقدم فى العملية السلمية بين الجانبين الفلسطيني, والإسرائيلى, وعلى عكس موقف الاتحاد الأوروبى, فإن الولايات المتحدة الأمريكية غير جاهزة فى عهد الرئيس الحالى دونالد ترامب, بينما لو نجح المرشح الديمقراطي جو بايدن فى الانتخابات الرئاسية القادمة, فإن الأمر سيكون مختلفًا, خصوصًا بعد تصريحات الإيجابية المتعلقة بالقضية الفلسطينية, فقد تحدث عن إعادة مقر السفارة الأمريكية إلى مدينة تل أبيب, والتأكيد على دعم حل الدولتين, وتحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية أمام العالم, خصوصًا بعد ذلك الكم من الممارسات الهمجية للرئيس الحالى ترامب.

وهذا يدل على قوة الموقف الفلسطيني, والقضية الفلسطينية, التى دخلت حتى فى البرنامج الانتخابي الأمريكي, أنا لم أتخيل يومًا بأن يكون من الشعب الأمريكي من يهتف للقضية الفلسطينية, وهو ما حدث أمام  البيت الأبيض أثناء مظاهراتهم ضد العنصرية.

عطفًا على ما سبق, فإن هذا السيناريو مستبعد خلال الست شهور القادمة, وفى اعتقادي أن عام 2021م سنكون جاهزين لمؤتمر سلام, قد يلبي الحد الأدنى من تطلعات الشعب الفلسطيني, وإقامة دولتُه المنشودة, لذلك فإن استمرار الفلسطينيين على مواقفهم خلال الستة أشهر القادمة, سيكون لها تأثيرها, هذا الصمود يتمثل بالمحافظة على الوجود الفلسطيني, ودعم صموده وتشبثه بأرضه, ووضع سياسات مناهضة للسياسات الإسرائيلية, والعمل على الوحدة الوطنية, بالإضافة إلى بلورة خطة استراتيجية  للمرحلة القادمة تؤكد جاهزية الفلسطينيين.

ثانيًا/ سيناريو الحرب ( العدوان):

يعد السيناريو الأقرب حصوله فى الظروف الراهنة, ولكن إسرائيل غير جاهزة للحرب لعدة أسباب, أهمها: اعتمادها فى الحروب على الملاجئ من أجل حماية مواطنيها, واختلاط الجيش فى القتال, مما يؤدي إلى تفشي فايروس الكورونا, كما أن قضية البطالة التى بات يعاني منها المجتمع الإسرائيلي سترتفع مع بدء الحرب, بالإضافة إلى أنّ الخريطة الحزبية المتناقضة, وربما يتم حل الكنيست, خصوصًا مع رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو بخلط الأوراق, من أجل حكم إسرائيل عام قادم بأريحية يعمل من خلاله على التخلص من (معسكر غانتس).

وهذا يترك تسأل مهم, طالما إسرائيل غير جاهزة, فهل الفلسطينيين جاهزين للحرب؟

أعتقد أنّ المتغير الداخلى اليوم سيفرض نفسه على المتغير الدولى, خصوصًا أن الأوضاع فى قطاع غزة يزداد سوءً يومًا بعد يوم, وفق المؤشرات الظاهرة للعيان, أهمها: انهيار قطاعات اقتصادية, واجتماعية, وثقافية, من خلال تضرر فئة التجار, والموظفين, والعمال, والشئون الاجتماعية, الخ,,, الأمر الذى ترك آثاره الخطيرة على كل مكونات المجتمع, وما ظاهرة الانتحار, إلا مؤشر بسيط على ذلك, فالوضع الآن فى قطاع غزة أشبه بـ( طنجرة الضغط أثناء اطلاق سفاراتها).

غني عن البيان أنه منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة  فى 14 يونيو/حزيران/ 2007م, وهي تتحمل مسؤولية تبعات ذلك الوضع السياسى, والاقتصادى, والاجتماعى, والثقافى. لذلك فهى تحت المطرقة والسندان, فمن ناحية تحتاج إلى تجديد شرعيتها, ومن ناحية أخرى تتحمل مسؤولية الحالة المتردى فى مناحي الحياة كافة داخل قطاع غزة.

حركة حماس لديها خيارين لا ثالث لهما, الأول: الحفاظ على الحكم من خلال عمليات القمع, واعتقد بأن هذا الخيار لن تقدم عليه حماس خصوصًا فى المرحلة الراهنة, نظرًا لحالة الاحتقان الشعبى الذى يسيطر على كل مكونات المجتمع بما فيها مؤيدين حماس, أما الخيار الثانى: التصعيد مع إسرائيل من خلال إطلاق الصواريخ ( فى عملية محسوبة), ولكن هذه المرة من الممكن أن تفقد السيطرة على مجريات الأمور, وربما تصبح العملية ككرة الثلج, وتكبر, لأن إسرائيل رغم عدم جهوزيتها للحرب تعتبر اطلاق الصواريخ تحرش فى أمنها, واستقرارها.

خلاصة القول, من الممكن أنّ يكون هذا السيناريو الأقرب إلى الواقع, خصوصًا أنّ حماس تسعى إلى تجديد شرعيتها, فى ظل حالة الاحتقان الشعبي السائدة فى قطاع غزة, بالإضافة لأن

إسرائيل إذا شعرت بأن أمنها على المقصلة ستطر إلى القيام بعملية جراحية لاستئصال المرض.

كلمات دلالية

اخر الأخبار