معركة سرت والجفرة.. وكسر الخطوط الحمراء !!

تابعنا على:   07:16 2020-07-18

منصور أبو كريم

أمد/ منذ التدخل التركي العسكري في الأزمة الليبية الذي بدأ عقب الانتهاء من مؤتمر برلين الذي عقد في بداية العام الجاري 2020، حيث تعهدت أبرز الدول المعنيّة بالنزاع الليبي باحترام حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا وبعدم التدخّل في شؤونها الداخلية، سعيًا منها إلى إعادة السلم إلى هذا البلد الذي تمزّقه حرب أهليّة.
لكن إصرار انقرة على نصرة حليفها السياسي والأيديولوجي فايز السراج دفعها إلى التدخل بشكل مباشر في الأزمة وإرسال مزيد من العتاد والمقتلين بهدف تغير ميزان القوة لصالح حكومة السراج بعد ما كان الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر على أبواب العاصمة طرابلس، وما صاحب ذلك من تحُول استراتيجي لصالح حكومة فايز السراج بعد أن سيطرت على كامل الأراضي في الغرب الليبي، وبدأت التحضير لمعركة وسط ليبيا، وهي معركة (سرت والجفرة)، بما يمنحها القدرة على السيطرة على الموارد النفطية التي تتركز في منطقة الهلال النفطي التي تقدر احتياطاتها النفطية بحوالي 80% من إجمالي الاحتياط الليبي.
التطورات العسكرية التي حدثت خلال الشهور الماضية وتراجع قوات الجيش الوطني الليبي أدت لاستشعار مصر ودول أخرى الخطر من التقدم العسكري لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا، بعد الإخلال في ميزان القوة في الداخل الليبي.
لمواجهة تمدد قوات حكومة السراج علمت القاهرة وحلفائها الليبيين على طرح "مبادرة القاهرة" الداعية لفتح حوار وطني (ليبي ليبي) لتسوية الأزمة سياسيًا بدون تدخلات أجنبية، والاستعداد لمعركة سرت والجفرة على المستوى العسكري والسياسي لحشد أكبر قدر من الدعم السياسي والشعبي والدولي لأي خطوة تجاه تدخل عسكري مصري في الأزمة الليبية يعيد توزان ميزان القوة داخل ليبيا من جديد.
التدخل العسكري المصري للحفاظ على الخط الأحمر (سرت والجفرة) الذي رسمه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أسابيع يتم التمهيد له عسكريًا وسياسيًا واجتماعيًا من خلال طلب البرلمان الليبي والقبائل الليبية من الجيش المصري التدخل لحماية الأمن القومي الليبي من التدخلات الأجنبية ومن خلال تدريبات القوات المصرية على الجبهة الغربية، حيث بدأ التمهيد لهذا التدخل عسكريًا بالمناورة (حسم 2020) الذي قام بها الجيش المصري قبل أيام قليلة على الحدود الغربية بمشاركة كافة أذرع الجيش المصري البرية والجوية والبحرية لإرسال رسائل لكل الأطراف أن المؤسسة العسكرية المصرية جاهزة لكل الاحتمالات؛ لذلك فإن أي محاولة للهجوم على سرت والجفرة في ظل التأكيد المصري على الاستعداد للمعركة والتفويض السياسي والشعبي من البرلمان والقبائل الليبية، والرفض الدولي لاستمرار الحرب يعني فتح الباب أمام القوات المسلحة المصرية وحلفائها العرب والدوليين لحسم المعركة في ليبيا عسكريًا.
على مستوى التمهيد الشعبي والجماهيري، يأتي توافد شيوخ ووجهاء وقيادات القبائل والعشائر الليبية للقاهرة وتأكيدهم على طلب البرلمان الليبي بمنح الجيش المصري تفويض للدخول للأراضي الليبية لحماية الأمن القومي الليبي والمصري، بما يزيد من التحديات التي تقف أمام حكومة السراج والقوات التركية في كسر الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أسابيع (خط الجفرة سرت).
في ضوء الحراك السياسي والشعبي المطالب بالدخل العسكري المصري أصبح هذا التدخل بمستوياته المباشرة والغير مباشرة قريبًا جدًا، خاصة في ظل استعدادات حكومة الوفاق برئاسة السيد فايز السراج والمدعوم من تركيا سياسيًا وعسكريًا من الهجوم على مدينة سرت الاستراتيجية والاقتراب من الهلال النفطي. معركة سرت والجفرة في حالة اندلاعها لن تكون معركة ثنائية بين حكومة السراج ومن خلفاها القوات التركية في مواجهة قوات الجيش الليبي ومن خلفه القوات المصرية، بل سوف تكون معركة بين محورين، هما المحور التركي القطري الإخواني والمحور المصري الإماراتي السعودية.
حكومة السراج وتركيا تريد من معركة (سرت والجفرة) كسر الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس السيسي، وتعزيز موقفها التفاوضية من خلال السيطرة على الهلال النفطي الذي يمثل عصب الاقتصاد الليبي ومن ثم الدخول في عملية تفاوضية بناءً على أرضية تفاوضية قوية، نظرًا أن 80% من الاحتياطي النفط والغاز موجود في المنطقة الشرقية والجنوبية التي تسيطر عليها قوات الجيش الليبي، وما تسيطر عليه حكومة السراج من الأراضي الليبية لا يمثل نقاط قوة في أي عملية تفاوضية، ناهيك أن حشد مزيد من الجماعات المسلحة من سورية إلى ليبيا يزيد من حجم مصروفات هذه الحكومة ويدفها للبحث عن موارد اضافية في ظل استمرار أزمة الاقتصاد التركي.
التلويح والاستعداد المصري للتدخل في الأزمة الليبية يعيد لنا التذكير بالتدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية عام 2015، حيث أدى التدخل الروسي في سورية لخلط الأوراق من جديد بعد ما كان نظام بشار الأسد على شفا الانهيار، وتأكيد الرئيس المصري أمس على قدرة الجيش المصري على حسم الأمور في ليبيا دليل على قدرة مصر على تغير ميزان الوضع الاستراتيجي في ليبيا في حال اطرت للدخول.
بشكل عام معركة سرت والجفرة تهدف إلى كسر الخطوط الحمراء المصرية في إطار الصراع الإقليمي وتعزيز نقاط القوة أو الاستمرار في الحفاظ على نقاط القوة بالنسبة للجيش الوطني الليبي ومجلس النواب، ما يجعل مهمة إعادة السيطرة عليهم من جديد من قبل حكومة السراج ومن خلفها القوات التركية بمهمة صعبة التحقيق في ظل استعدادات الجيش المصري للدخول في العمق الليبي بعد أن حصل على التفويض السياسي والشعبي من القوى الليبية، الأمر الذي يجعل من النصر والهزيمة في معركة سرت والجفرة له تداعيات سياسية واستراتيجية ليس على الداخل الليبي فحسب؛ بل نتائج هذه المعركة الحاسمة سوف تمتد لكامل الإقليم، بمعني أن تداعياته هذه المعركة سوف يمتد من المحيط للخليج، ما يجعلها بمثابة نورماندي جديدة، فهل ستنجح أنقرة في كسر قواعد اللعبة، أم أن التدخل العسكري المصري في ليبيا سوف يؤدي إلى تعديل ميزان القوى لصالح الجيش الليبي، الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة على كل هذه التساؤلات.

اخر الأخبار