لماذا إستقبلت إسرائيل لقاء الثاني من تموز بين حركتي فتح وحماس بالخوف والقلق؟

تابعنا على:   11:53 2020-07-10

أحمد عيسى

أمد/ تناولت الأوساط السياسية والبرلمانية والإعلامية والعسكرية في إسرائيل لقاء الثاني من تموز الجاري، الذي أعلن فيه السيدين جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، وصالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس مغادرة الحركتين مربع الإنقسام وبدء مسار تحقيق المصالحة وتعزيز وحدة ومناعة الشعب الفلسطيني الوطنية لجهة تطوير إستراتيجية وطنية جديدة، من خلال زاويتين اثنتين، تمثلت الزاوية الأولى في حضور السيد أيمن عودة رئيس القائمة المشتركة في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) للقاء الذي وصفه من جهته باللقاء الجاد، وتمثلت الزاوية الثانية في دلالات ومقاصد كلمات المتحدثين، وما تحمله من تداعيات قريبة وبعيدة على العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية، والأهم على الصراع في المنطقة برمتها.
وفيما تعددت كل من زوايا الرؤية والأوساط التي تناولت اللقاء، إلا أن هناك إجماع على تصنيف اللقاء تحت درجة (خطير جداً)، كما أن هناك إجماع على رؤيته بعيون الخشية والخوف والقلق من تداعياته القريبة والبعيدة على العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية، الأمر الذي دفع قائد الجيش الإسرائيلي في منطقة شمال الضفة الغربية (روعي تسويغ) الى تحذير المستوطنين بتوخي الحيطة والحذر في تحركاتهم، وفقاً لتقرير وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) يوم الخميس الموافق 2/7/2020. 
وفي هذا الشأن يعتقد البعض من بين ظهرانينا أن الخطورة التي تنظر فيها إسرائيل للقاء تكمن في عزم حركة فتح التي تسيطر على السلطة في الضفة الغربية بالسماح لحركة حماس بممارسة المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، الأمر الذي عبرت عنه الصحفية الإسرائيلية (شتريت مئير) في صحيفة معاريف، بقولها أن "حركة فتح تريد إستخدام حركة حماس كمسدس في علاقتها مع إسرائيل"  طبقاً لتقرير وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) المشار إليه في الفقرة السابقة. 
وعلى الرغم من وجاهة هذا الإعتقاد ومشروعيته، إلا أن هذه المقالة ترى فيه إستعجال للنهايات لا يخلُ من سطحية في قراءة العقل الإسرائيلي دائم القلق على مستقبل مشروعه الإستعماري في فلسطين، إذ ترى هذه المقالة بالمقابل أن الأوساط المتعددة في إسرائيل قد أدركت أن ليس بإمكان إسرائيل حسم صراعها مع الشعب الفلسطيني وإستكمال ما لم يكتمل من مشروعها الإستعماري في فلسطين الذي بدأت أول مراحله العام 1948، وفقاً لنص صفقة القرن، وعلى العكس من ذلك فقد أدركت هذه الأوساط أن إسرائيل قد دخلت في مأزق عير قابل للحل في صراعها مع الشعب الفلسطيني، إذ لم يُنهي لقاء الثاني من تموز فكرة إستيلاد قيادة فلسطينية تقبل بالرؤية الأمريكية الإسرائيلية كما قدمتها صفقة القرن وحسب، بل أسس اللقاء لبداية شروع الشعب الفلسطيني في توحيد صفوفه وتعزيز مناعته الوطنية، والأهم أنه وضع الأسس الأولى لإستراتيجية فلسطينية جديدة تطالب فيها الأجيال القادمة بكل فلسطين، وليس بجزء منها، الأمر الذي فشل في تحقيقه الجيل الحالي من الفلسطينيين.
قد يتسائل البعض هنا، وهو تساؤل محق ومشروع بلا شك حول القرائن التي دفعت الأوساط الإسرائيلية لهذا الإستنتاج أو هذا الإدراك الذي يشي به تصنيفهم للقاء بالخطير جداً، وفي هذا الشأن ترى هذه المقالة أن هذه القرائن تتلخص بالنقاط التالية:
1-    إدراك النخبة في إسرائيل أن الشعب الفلسطيني قد توصل الى قناعة راسخة، لاسيما بعد الإعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها، وبعد الكشف عن صفقة القرن، وبعد سن قانون القومية في إسرائيل، بأن هذه الأخيرة ليس بواردها صناعة السلام مع الشعب الفلسطيني، وإنما غايتها هي إلحاق الهزيمة بالشعب الفلسطيني وإزاحته عن منصة التاريخ، الأمر الذي تجلى بوضوح في قرار التاسع عشر من مايو العام 2020، الذي أعلنت فيه القيادة الفلسطينية عن التحلل من كل الإتفاقيات المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية وكل من الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية بما في ذلك الإتفاقيات الأمنية.
2-    وعلى ضوء ذلك أدركت النخبة في إسرائيل أن الشعب الفلسطيني بات مؤمناً أن حل الدولتين لم يعد حلاً ممكناً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي سواء في المرحلة الحالية أم في المدى المنظور، كما تدرك النخبة في إسرائيل بأنه قد بات واضحاً لأصغر الفلسطينين سناً أن الإستراتيجية الإسرائيلية التي بدأ ينفذها التيار النيوصهيوني المهيمن على الحكم في إسرائيل منذ أكثر من عقد إنما تدور حول إدارة الصراع وليس معالجته سلمياً على أسس الشرعية الدولية، الأمر الذي يعني أن عدم شروع الحكومة الإسرائيلية بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية وفقاً لنص صفقة القرن ليس أكثر من تأجيل مؤقت للضم.
3-    كما وتدرك النخبة في إسرائيل أن إعلان الفلسطينين المتكرر على إستمرار التزامهم بالحل السياسي للصراع على أساس حل الدولتين يهدف إلى تعميق الفجوة التي بدأت تتسع مؤخراً بين دولة إسرائيل والمجتمع الدولي بما في ذلك نسبة عالية من الجاليات اليهودية في الخارج الذين بدأوا ينظرون لإسرائيل كتهديد للسلم والإستقرار العالميين. 
4-    وتدرك النخبة في إسرائيل أن اللقاء هذه المرة كان لقاء فلسطينيا خالصاً، كما تدرك أن أهميته تكمن في مكان انعقاده، إذ انعقد في الداخل الفلسطيني الذي انتقلت إليه راية قيادة الشعب الفلسطيني مؤخراً بعد أن كانت متمركزة في الشتات، وقد زادت هذه الأهمية بمشاركة بيروت كونها عاصمة المقاومة ضد إسرائيل، الأمر الذي لا يخلُ بحد ذاته من دلالة.
5-    وتدرك النخبة الإسرائيلية كذلك أن هناك أهمية للتوقيت إذ انعقد اللقاء في لحظة بدى فيها الجيل المؤسس للمشروع الوطني الفلسطيني تسليم الراية للأجيال القادمة عالية سواريها لا منكسة ذليلة قبل مغادرته المشهد.
6-    كما وتدرك النخبة في إسرائيل أن المشاركة الصامتة والبعيدة عن الأضواء للسيد أيمن عودة في اللقاء إنما تجسد مشاركة الكل الفلسطيني في فلسطين الإنتدابية (الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، وفلسطين العام 1948)، في الإستراتيجية الفلسطينية الجديدة الأمر الذي يعني أن راية القيادة في المرحلة القادمة لم تعد حكراً على جهة سياسية محددة أو منطقة جغرافية بعينها.   
7-    وتدرك النخبة في إسرائيل كذلك أن وحدة الفلسطينيين في هذه اللحظة من الزمن يزيد من إنكشاف إسرائيل الإستراتيجي في المنطقة، لا سيما وأنها لم تعد قادرة على الإحتفاظ بتفوق قوة الردع، الأمر الذي سيحرمها من تحقيق إنتصار في أي مواجهة كبرى قادمة، الواقعة بلا محالة. 

 

اخر الأخبار