ميادين المصالحة الحقيقية

تابعنا على:   12:45 2020-07-08

بكر أبو بكر

أمد/ الجو العام للقاء الهام الذي حصل بين الأخوين جبريل الرجوب وصالح العاروري يعطيك حالة من الراحة والتفاؤل والأمل، ولكنه المشوب بالتشكك والحذر.
مجرد أن ترى حركة "فتح" تتحاور مع "حماس" مجددًا وعلنا، هذا بحد ذاته حدثٌ يترقبه الكثيرون ويتمنون دوامه، ويترقبون نتائجه العملية، والا فتمنياتهم، أو جزء منهم، تتجه نحو تمني زوال التنظيمين!
المنظر العام المبشّر المرتبط باللقاء، يقابله منظر أو رأي آخر لا يرجو خيرا من اللقاء بل ويعدّه ضمن مسلسل المبادرات والاتفاقيات منذ الانقلاب الدموي عام 2007 في غزة.
بل وقد يعود البعض لتاريخ حوارات أبعد، بدأها الرئيس الراحل ياسر عرفات مع قادة حماس في الثمانينات من القرن العشرين فصاعدا، ولم تثمر! لا اللقاءات القديمة ولا الحديثة.
بل وقد تجد من الأسباب الكثير لتمتنع عن التحليل المتفائل، فليس للقاء واحد في الحقيقة أن يشكل فعلًا ناجزا إلا إذا تبعته خطوات عقلية (في البنى الفوقية)، وخطوات ميدانية، خطوات على الأرض ودون ذلك يصبح اللقاء على أهميته في مساحة الاستعراض أو الرسالة الموجهة للإسرائيلي -والتي لا نقلل أيضا من أهميتها- ولكن الإسرائيلي يفهمها بمحدوديتها إن اقتصرت على الاستعراض الاعلامي فقط دون خطوات مرئية أو ملموسة.
يترقب الفلسطينيون تحركات ملموسة سواء من حركة فتح أو من حركة حماس، فلم يعد لأي لقاء أو اتفاق قيمة، بعد التجارب المريرة المرتبطة بعقلية الإقصاء سواء هنا أو هناك.
اللقاءات أو الاتفاقيات الناجعة يجب أن يقترن تطبيقها أولا بعقولنا وقلوبنا، أي بإلغاء الفكر التعبوي الاقصائي الذي مازال قائما، والذي ينظر فيه الطرف الى الآخر ضمن فكرة الغريم أو المتآمر المتوجب تحطيمه، أو الكافر، أوالذي يقف ضمن المعسكر الآخر ما يمثل حقيقة بل صعوبة الانخراط في التغيير
ما أريد قوله هو إن لم يتم التغيير في وجهات النظر، أو في مناهج التفكير وفلسفة التعامل مع الآخر في التعبئة الفصائلية الإيديولوجية الداخلية بمنطق ثلاثية: التقبل والتفهم والتجاور التي لا تلغي الآخر، ولا تتعامل معه بالخطوط الحمر، وأنما بالتميّز المقبول، فنحن بالضرورة في منطقة الوهم أن لقاء أو اتفاق (أو سلسلة اتفاقيات) قد يقود لمصالحة حقيقية، والدليل انتظارنا لسنوات طوال بلا نتيجة!
إن المصالحة الحقيقة لها ثلاثة ميادين أو حقول إن لم يتم حرثها جميعا فلا فائدة ترجى، الأول في الميدان الفكري الثقافي التعبوي الداخلي في الفصائل (البنى الفوقية) التي يجب أن تجرد أدبياتها من كراهية الآخر واتهامه، وربما الحقد عليه، في ظل فهم معنى التمسك بالفكر مع المرونة والتفهم دون حكم أو تحقير، وهذا لعمري ليس شيئا سهلا في ظل قناعتي أن مثل هذه التعبئة السوداوية الاقصائية المرتبطة بتراث قديم رثّ لدى هذا التنظيم أوذاك مازالت قائمة وتدرّس اليوم وغدا.
اما الثاني فهو الانتقال من الورق، والاعلام، والأقوال الى التطبيق الميداني والذي يبدأ بتحديد لجنة مشتركة لضبط التصريحات، وتنسيق البيانات والأقوال، ومراجعة المواقع المختلفة التي يستغلها هذا الطرف أو ذاك ضد بعضهم البعض، أي لجنة لوقف التحريض، مع الإبقاء على حالة التميّزالتنظيمي، والنقد واختلاف الرأي، وبين الحالتين بون شاسع.
اما ثالثا فان لم تتوقف حماس عن التخلي عن إمساكها برقبة غزة، وكانها غنيمة، ما يقابله إتاحة الفرصة لها في الضفة لتكون ضمن النسيج الموحّد المرتبط بأدوات السلطة ومؤسساتها وقوانينها، وليس بمنطق الاقتسام الفصائلي للناس والأرض والعقول، أن لم يحدث ذلك فنحن كمن يدق الماء بالإناء، وكل ذلك باعتقادي متوجب فهمه والتعاطي معه قبل أن نتحدث عن البرنامج والخطة الاستراتيجية ووحدة السلاح واعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية؟

اخر الأخبار