إلى أخي خالد مشعل: تحرير الأوطان رؤية استراتيجية جامعة

تابعنا على:   11:50 2020-07-08

د. أحمد يوسف

أمد/ نحن الفلسطينيين بمختلف انتماءاتنا السياسية وتوجهاتنا الأيدولوجية شعب عالي الثقافة والتأطير، والكل له رأي يحظى بالرشد والتقدير، وخاصة إذا ما تعلق الأمر بالوطن وتقرير المصير.

الأستاذ خالد مشعل؛ رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، شخصية فلسطينية تمتلك كاريزما وطنية متميزة، وتتمتع بآداب وأخلاقيات إسلامية عالية، واجتهاداتها السياسية تلقى الكثير من التقدير لحفاظها على خطوط التوازن والواقعية مع "الكل الفلسطيني"، وقد تبدى ذلك جلياً في وثيقة حماس السياسية الصادرةمطلع مايو 2017، ودشَّن بها - قبل مغادرته لمنصبه – قناعاته لمشهد الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي في السياقين الوطني والإسلامي.

في الحقيقة، أن الأخ خالد مشعل (أبو الوليد) ومنذ ترجله عن قيادة حماس، بحسب مقتضيات لوائح الحركة الداخلية، لم يتوقف عن تقديم الرأي والمشورة، والأخذ-بقوة وجسارة-للمواقف التي يتطلبها المشهد النضالي الفلسطيني.   

في 2 يوليو 2020، استضاف "منتدى التفكير العربي" في العاصمة البريطانية الأخ خالد مشعل، وأدار معه حواراً مطولاً حول توجهات حكومة نتانياهو اقتطاع أراضٍ فلسطينية من الضفة الغربية وضمها عنوة إلى كيانه الغاصب.. الأمر الذي حرَّك النخبة الفلسطينية لتدلي برأيها فيما يتوجب عمله للتصدي لذلك المخطط الإسرائيلي والعمل على إحباطه بكل ما تستدعي الضرورة من أدوات نضالية وتضحيات. وفي كلمته التي كانت أشبه بنص قطعي الدلالة، تحدث الأخ خالد مشعل، مقدماً رؤيته للخلاص الوطني، مقابل ما أعلنته حكومة نتانياهو من إجراءات لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، تساوقاً مع صفقة القرن الذي أعلنت عنها إدارة الرئيس ترامب رسمياً بالبيت الأربيض بتاريخ 28 يناير 2020، والتي تتمثل بسرقة 30%  من مساحة الضفة، ما بين مستوطنات أقامتها سلطة الاحتلال - بفرض سياسة الأمر الواقع - على مدار أكثر من خمسين سنة، وأراض زراعية بمنطقة الأغوار تمثل سلة الغذاء الرئيسية للفلسطينيين، وأحد أهم مقومات دولتهم ومستقبل حياتهم.

أشار الأستاذ خالد مشعل بجملة من الأفكار والرؤى لا تبتعد كثيراً عما طرحه آخرون من الشخصيات والنخب الفلسطينية لأكثر من عقد ونصف العقد من الزمن، ولا  أظن أن أحداً سيختلف معه أو مع غيرة إلا في جزئيات يمكن التفاهم حولها في سياق التوافق الوطني.. إن المشكلة والعقبة الكأداة هي في عقلية البعض من رجالات السلطة، والتي لم تمنح لأحد غيرها حق امتلاك المشهد السياسي وتسييره أو التفكير في خلاصه خارج حساباتها، وهي مأساة قضيتنا التي ما زلنا نعاني منها حتى اللحظة!!

قدّم الأستاذ مشعل برنامجاً للرد على قرار الضم، قائلاً: إن الجهد الفلسطيني يجب أن يتطور إلى موقف عملي، عبر "المواجهة المباشرة مع العدو الصهيوني، والاشتباك معه ميدانياً وسياسياً وجماهيرياً ودبلوماسياً".. وأضاف: في حال توسع الاحتلال في الضفة، فإن المواجهة المباشرة معه ستزداد، متابعاً بأن كل ذلك يجب أن يسبقه توحيد صف فلسطيني داخلي، وأن تتبنى السلطة الفلسطينية هذه الرؤية، مشيداً بقدرات شعبنا العظيم على التحدي والتصدي لمخططات الإسرائيليين، وأن الرأي العام الدولي يصب في صالح الفلسطينيين. وأضاف قائلاً: "نريد أن نستنزف الاحتلال وهو يسعى إلى الضم، نريد أن نربك جنوده ومستوطنيه، هذه المعركة عادلة وناجحة".. ولخص مشعل التحديات التي تواجه الفلسطينيين، وهي "تسارع المشاريع الأمريكية الإسرائيلية لتصفية القضية، وغياب الفعل الفلسطيني المؤثر بسبب الانقسام، وغياب القيادة الفلسطينية الجامعة التي تملك الرؤيا وأدوات الفعل المؤثر".

طبعاً قضية حل السلطة - الذي طرحها الأستاذ مشعل - هي مسألة ذات خلاف واسع بين "الكل الفلسطيني"، ولا أعتقد أنها المدخل لتحقيق أي إجماع فلسطيني. وقد عبر الأستاذ نبيل عمرو؛ مستشار الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، بالقول: إن حل السلطة الفلسطينية لن يكون مجدياً كرد على الضم، ولكنه أكد بأن السلطة تحتاج إلى إصلاح وتقوية ودعم، وفصل جدي بينها وبين منظمة التحرير. كما د. سلام فياض؛ رئيس الوزراء السابق، طرح هو الآخر رؤية للخلاص الوطني الفلسطيني  مشيراً بأن هنالك حاجة ملحة للتوافق العام بشأن المرتكزات الأساسية لجهد فلسطيني فاعل، وطنياً وإقليمياً ودولياً، لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني تستمد شرعيتها من الحق المطلق للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرض آبائه وأجداده، الأمر الذي يتطلب انعقاد لقاء وطني يضم مكونات النظام السياسي الفلسطيني كافة. كما يتطلب أيضاً، وفيما يمهد لتطوير وتفعيل منظمة التحرير بما يفسح المجال لجميع هذه المكونات للانضواء تحت لوائها.. وطالب بعدم الاستمرار في السماح لتعدد الرؤى وتضاربها بشأن مفهوم الحل الشامل المقبول وطنياً في إعاقة توحيد الجهد الوطني.

كما أن ما ظهر في المؤتمر الصحفي بين الرجوب والعروري كلها محاولات لتقريب وجهات النظر، ولكن الإشكالية أن كل هذه المساعي تتحطم على "صخرة الفرعون"، حيث تنعدم رؤية الآخر!! مهما كانت قوته وحاضنته الشعبية، وتنتصر مقولة "ما أريكم إلا ما أرى"!!

خلاصة الموقف - يا أبا الوليد – إن تطويع عقلية الفرعون واحترام مكانة الشريك الوطني ضمن توافقات لا نختلف عليها، هي المدخل لأي رؤية سياسية تشكل استراتيجيتنا جميعاً في مواجهة الاحتلال، وايقاف عجلة عدوانه علينا وعلى الأرض التي تمثل مستقبل وجودنا ومكانتنا كشعب يمتلك أهلية القيادة والتحرير للأرض التي باركها سبحانه للعالمين.

اخر الأخبار