التقارب خطوة هامة  

تابعنا على:   14:10 2020-07-04

عمر حلمي الغول

أمد/ في فلسفة التحالفات السياسية الطبقية الإجتماعية والوطنية القومية الكثير من المعايير والمحددات والمستويات للتشبيك والتعاون بين القوى السياسية محليا وعربيا ودوليا، وفق طبيعة ومركبات الصراع في هذا البلد او ذاك. ولا يمكن إقامة وبناء التحالفات مع هذة القوة أو تلك إستنادا إلى التطابق الكامل على كل الأسس والنقاط البرنامجية، لإن هذا وفق منطق ومعادلات تركيبة القوى والأحزاب والمنظمات والدول غير ممكن، لإن لكل منها خلفيته ورؤيته الفكرية والعقائدية السياسية. ومن يعود لتجارب الجبهات الوطنية، منظمة التحرير نموذجا، يرى بام عينه، ان التوافق نسبي، وعلى ارضية برنامج القواسم المشتركة  وهي الخطوط العريضة الجامعة للكل الوطني.

لكن نموذج المنظمة والجبهات الوطنية عموما في تجارب حركات التحرر الوطني، ليس النموذج الوحيد المعمول به، لإن هناك قوى في ساحات ودول وشعوب العالم المختلفة تقيم تحالفات آنية ومؤقتة، وتوافقية ومنظورة المدى، وليست تحالفات عميقة واستراتيجية، وتتقدم كل القوى بإتجاه بعضها البعض بمقدار التقارب، والإتفاق على أية قواسم مشتركة. بتعبير أوضح، يمكن الإتفاق بين قوتين أو اكثر على خطوة واحدة في إنتخابات بلدية او برلمانية، أو بهدف تشكيل إئتلافات حكومية، أو لمواجهة تحد أو خطر ما، أو للتعاون لهزيمة خصم سياسي أو طبقي أو نقابي، ويمكن الإتفاق على أكثر من خطوة. وهذا ما اكد عليه لينين، الزعيم الشيوعي العالمي في كتابه "خطوة للإمام، خطوتان للوراء"، وكل قادة النضال الإجتماعي والتحرري الوطني في العالم عمقوا بتجاربهم الإبداعية إقامة وبناء تحالفات تكتيكية، فضلا عن التحالفات الإستراتيجية العميقة.

وعودة للواقع الفلسطيني، وتعميقا لقراءة تجربة التقارب الجديدة بين حركتي فتح وحماس، التي دُشنت يوم الأربعاء الموافق الأول من تموز / يوليو الحالي (2020) وتمخضت عن المؤتمر الصحفي المشترك لكل من الأخوين جبريل الرجوب، امين سر حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، وصالح العاروري، نائب رئيس حركة حماس، وأكدا فيه، على ضرورة وضع إستراتيجية كفاح ميداني مشترك لمواجهة التحديات المنتصبة امام الشعب العربي الفلسطيني، التي تهدد مصيره ومستقبله السياسي والهوياتي، وهي صفقة القرن الترامبية المشؤومة، وعنوانها المفصلي عملية الضم للإغوار الفلسطينية، التي تصل مساحتها لما يزيد عن ال30% من الضفة الفلسطينية، والتي تقوض كل افق لعملية السلام، وتنسف خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وتأخذ الساحتين والمنطقة عموما نحو شفا الهاوية، وتهدد السلم والأمن الإقليميين.

الخطوة التحالفية الجديدة من حيث المبدأ، تعتبر خطوة هامة وإيجابية وضرورية في آن. وأعتقد جازما، أن الشعب العربي الفلسطيني إنتظرها بفارغ الصبر منذ زمن بعيد، ولكن في السنوات الأخيرة زادت الرغبة في تحقيق خطوة للإمام لكسر الجمود في عملية المصالحة، وطي صفحة الإنقلاب على الشرعية وخاصة بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب، عن صفقة العار مع إعترافه بالقدس عاصمة للدولة الإسرائيلية في السادس من كانون اول/ ديسمبر 2017، ومن ثم أسقط الملفات الأساسية واحد تلو الآخر: اللاجئين، الحدود، الأمن، المستعمرات، الثروات الطبيعية وأسرى الحرية.

نعم سجل المؤتمر الصحفي للرجلين نقطة تحول إيجابي نسبيا. ورغم كل المحاذير، والهواجس الخاصة والعامة. لكن على الجميع الدفع بقوة بالخطوة، والعمل على المراكمة عليها، وتطويرها كلما أمكن ذلك. لإنها تحمل في طياتها نقاط هامة لمصلحة الشعب والقضية والأهداف الوطنية، منها أولا وقف حالة التجاذب والتنافر والإستقطاب السلبية المعززة للفرقة وتعميق الإنقسام، وخيار الإنقلاب بين اقطاب الحركة السياسية الفلسطينية؛ ثانيا وقف الحملات الإعلامية المؤججة للمشاعر ولتوسيع الهوة بين القوى الرئيسية في الساحة؛ ثالثا التوافق على الشراكة الميدانية لمواجهة خطة الضم وصفقة القرن، والوجود الإستعماري في الأرض الفلسطينية من جذوره في كل الساحات والميادين؛ رابعا العمل على وضع خطة برنامجية ميدانية إنتقالية لتطوير الشراكة الكفاحية ضد المخططات والمشاريع الصهيو أميركية؛ خامسا تعزيز جهود القيادة الشرعية السياسية والديبلوماسية في المحافل العربية والإقليمية والدولية، وقطع الطريق على اية قوى مشككة بوحدانية التمثيل الفلسطيني؛ سادسا إرسال رسالة للإشقاء العرب والدول الإسلامية ولدول واقطاب العالم، ولإنصار السلام حيثما كانوا، بأن الشعب العربي الفلسطيني وقواه السياسية ونخبه يقفون صفا واحدا، وفي خندق المجابهة المشتركة للمشروع الصهيو أميركي، وتحت راية فلسطين الواحدة والموحدة، العلم الفلسطيني؛ سابعا أربك المؤتمر دولة الإستعمار الإسرائيلية وقيادتها الفاشية ومن يقف معهم وخلفهم كإدارة ترامب ومن والاهم من دول الإقليم الكبير؛ ثامنا تم الإتفاق على الشراكة الميدانية بعيدا عن الأضواء، وبعيدا عن الوساطات العربية وغير العربية، ومهو ما يشير ويؤكد أن إمكانية بناء اسس الوحدة قائمة إذا صدقت النوايا والرغبة الحقيقية، وتوطن الجميع في المشروع الوطني.

هذا وحمل موعد ومكان المؤتمر أهمية بالغة، حيث تم عقده يوم الأربعاء الموافق الأول من تموز / يوليو الحالي، اليوم الذي حددته حكومة نتنياهو غانتس للشروع بالضم، أضف إلى مكان المؤتمر مدينة رام الله العاصمة السياسية المؤقة ومن الشتات، لتأكيد وحدة كفاح الشعب الفلسطيني في ارجاء الدنيا.

إذا خطوة التقارب بين الحركتين فتح وحماس، خطوة إيجابية، تأخرت كثيرا، لكنها تمت، وهي خطوة مطلوب قراءتها كما هي دون مبالغة او تطير، والعمل على تطويرها لبلوغ تجسيد الوحدة الوطنية الكاملة، وطي صفحة الإنقلاب، وعودة محافظات الجنوب لحاضنة الشرعية من خلال إنضمام حركتي حماس والجهاد لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد وعلى ارضية البرنامج المشترك، وفي الأثناء يمكن إجراء إنتخابات برلمانية، وتطوير القواسم المشتركة. والمستقبل وحدة كفيل بالرد على قدرة الطرفين على تعميق الشراكة من عدمها.

     

اخر الأخبار